دراساتصحيفة البعث

نغمة “رهاب الأجانب” تعود للواجهة الأمريكية

سمر سامي السمارة

شهدت الأيام الماضية تقارير إعلامية أمريكية تدعي أن الاستخبارات العسكرية الروسية تنشر معلومات مضللة حول الفيروس التاجي، وذلك لبث الخلاف بين الناخبين الأمريكيين قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم، اللافت أن هذه التقارير المتكررة والمبالغ بها حول “الرهاب الروسي”  ليست إلا جزءاً من حالة نفسية مزمنة غير قابلة للعلاج قريباً، حالها حال التقارير الإعلامية في بريطانيا التي تدعي في كل مناسبة أن روسيا والصين استهدفتا ألمانيا بحملات تدخل من أجل تقويض التحالف عبر الأطلسي.

في الحقيقة، لا يكاد يمر أسبوع دون أن تورد وسائل الإعلام الغربية تقارير مضللة عن مؤامرة روسية أو صينية “شريرة” لتقويض الديمقراطية الغربية، ما يعني أن الرهاب السياسي ينتشر كالنار في الهشيم في هذا الوقت مع انتشار الوباء العالمي أيضاً، ولهذا السبب يمكننا القول: تميل دول معينة ممن تعرّضت لاضطراب سياسي واقتصادي حاد جراء جائحة الفيروس التاجي للبحث عن كبش فداء كوسيلة “لتعليل” سبب وقوع الأزمة.

هنا تبرز الولايات المتحدة وبريطانيا باعتبارهما أكثر الدول تضرراً جراء هذا الوباء، إذ رأى ترامب- على وجه الخصوص- النجاح الاقتصادي، الذي يتبجح به كثيراً، وهو يتحوّل إلى رماد، وبسبب هذه الصدمة التي أصابت غروره، اتهم ترامب الصين بنشر “الوباء”، وذهب لخطة تسييس رخيصة تنسجم مع أجندة سياسية أعمق لخلق حرب باردة مع الصين.. لقد أدى الوباء إلى تفاقم الاستياء، وانفجار الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء الولايات المتحدة التي تعاني من ممارسات الشرطة الوحشية والعنصرية، وخلق هذا المزاج مناخاً من الفوضى والاستياء في المجتمع الأمريكي لم يشهده منذ عقود، أججه التنافس الحزبي الحاد بين مؤيدي ترامب ومعارضيه، وليس الصين وغيرها، الآن يدرك الناخب الأمريكي أنه نتيجة الاضطرابات والفوضى، لجأت الإدارة الأمريكية لتوفير مسار هروب سياسي ملائم لمشاكل هيكلية عميقة الجذور، وذلك من خلال إحياء إرث الحرب الباردة مع روسيا، والخوف من الصين. فقد ادعى الجمهوري ترامب مؤخراً أن استخدام البريد في التصويت سيؤدي إلى تفشي التزوير، وأنه طريقة سهلة لتدخل البلدان الأجنبية، مقترحاً تأجيل الانتخابات، على الرغم من عدم وجود ما يؤكد هذا القلق، وبالمثل، يبرع خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي ووسائل إعلامهم في لعب اللعبة نفسها المكشوفة للجميع، ومنذ انتخاب ترامب في عام 2016، أظهر خصومه توجساً وهوساً من التدخل الروسي المزعوم دون تقديم أي دليل على تكهناتهم المثيرة، وهنا يمكننا الإشارة إلى صحيفة نيويورك تايمز التي كانت على رأس المؤيدين لهذا التفكير التآمري، وصاحبة التاريخ الطويل في العمل بمثابة قناة لوكالات الاستخبارات الأمريكية، فهي قادت وظيفة الترويج الكاذبة لأسلحة الدمار الشامل في العراق، والصحفيون الذين قادوا حملة الترويج تلك مازال بعضهم يعمل في الصحيفة، بل يكتبون أحدث المقالات المتعلقة “بالرهاب الروسي”، ففي الأسابيع الأخيرة نشرت الصحيفة سلسلة من القصص، مدعية أن الاستخبارات الروسية كانت تدير مخطط “صائد المكافآت” لاغتيال الجيش الأمريكي في أفغانستان، وفي 16 من شهر تموز الفائت، تصدر الصحيفة عنوان “قراصنة روس يحاولون سرقة أبحاث لقاح فيروس كورونا”، ومؤخراً اتهمت الصحيفة أجهزة الاستخبارات الروسية بالوقوف وراء التضليل بشأن الوباء، وبحسب خبراء القانون الدولي، تلجأ الصحيفة “لقصص” تنقصها الأدلة المقنعة، معتمدة على ادعاءات غير مثبتة وغير مدعمة بالوثائق حصلت عليها من مصادر مجهولة تخفي “تفاصيلها” الخاوية وراء ادعاءات الأمن القومي، وبالتالي فإن مشكلة مروّجي الدعاية تكمن في أن مصداقية “التقارير” تصبح بلا جدوى، ويشير التواتر المتزايد لدورة الادعاءات إلى أن مروّجي الدعاية يدركون تضاؤل تأثيرهم على الجمهور، وبالتالي يحاولون التعويض عن طريق سرد قصص أكثر إثارة.

إن ما تواجهه الولايات المتحدة وبريطانيا من المشاكل السياسية والاقتصادية هي مشاكل متوطنة، والفشل الذريع في التصدي لوباء الفيروس التاجي ليس سوى أحد سبل التعجيل للانهيار، فالفوضى والانقسام في تلك المجتمعات هما صنيعة النظام السياسي والاقتصادي الفاسد، وإن محاولة إحياء حرب باردة مع روسيا أو الصين هي محاولة غير مجدية لتأجيل الحساب بسبب المشاكل المتأصلة.