مجلة البعث الأسبوعية

“الجيش الأبيض” في مواجهة زحف كورونا.. تحصين ودفاع ومعدل وفيات أقل من العالمي!

“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار  

شاع لدينا في الآونة الأخيرة استخدام تعبير “الجيش الأبيض” للدلالة على الطواقم الطبية والعاملين في القطاع الطبي، بصرف النظر عن طبيعة أعمالهم ومستوياتها، وقد أدى هذا الجيش مهاما جساما، في الوقت الذي تعرض فيه لنزيف بشري مؤلم.. هناك من يقول بأننا خسرنا من الكوادر الطبية أكثر مما خسر الآخرون، عازين هذه الخسارة إلى سوء تنظيم حينا، وإلى خلل في خطوط الدفاع عن هذه الكوادر والمرضى حينا آخر، لكن هناك من يرد بأن خسارتنا، ورغم ثقل وطأتها، إلا أنها ما زالت أقل من المعدل العالمي في هذا المجال، فالمعركة مع هذا الوباء تستنزف الضحايا، كما الأموال والجهود، بيد أن المشهد يبدو طبيعيا، عندما ننظر إليه من زاوية خيار واحد ووحيد (الانتصار على كورونا)، ولا شيء آخر.. !

 

التنظيم .. أولا

يركز المنتصر بالله المصري، طبيب جراحة عظمية، على فكرة التنظيم، إذ أن أغلب المشافي تعاني من سوء التنظيم، لجهة استقبال وفرز المرضى، فالإسعاف يكون في بعض الأحيان ملوثا، ويعقم بشكل غير مقبول، ما يساعد على نقل الفيروس، عند استقبال مرضى يعانون أعراضا مختلفة، مبينا أهمية سد النقص الحاصل في مستلزمات الوقاية من كمامات وكحول وألبسة وغيرها..، بحيث توزع بشكل دوري كل ثلاثة أيام على الأقل، ومن نوعية جيدة، وليست كالنوعيات الرديئة التي توزع حاليا، ومنها الكمامات القماشية الرخيصة.

وتتعرض بعض الطواقم الطبية، وفقا للمصري، للتنمر والهجوم غير المبرر عليها من بعض الأشخاص، بالرغم من أنها في الخطوط الأولى في المواجهة مع هذا الوباء الخطر، مشيرا إلى غياب التعويض المادي المناسب لهذه الطواقم، علما بأن القرار الأخير المتعلق بصرف مكافآت، لم تستفد منه إلا قلة قليلة جدا من هذه الطواقم، مقترحا تأمين سكن مؤقت للأطباء المخالطين لحين انتهاء جائحة “كورونا”، تجنبا لاختلاطهم بأهلهم، وبالتالي زيادة احتمال الإصابة.

 

بروتوكول خاص

يرى محمد النصار، طبيب هضمية، أنه لا بد وأن يكون هناك بروتوكولا واضحا يوزع على حسب الحالات المشتبه بها (أعراض الزكام وآلام الحلق والصدر وضيف التنفس والحرارة) والمؤكدة، بحيث تكون هناك غرف وممرات خاصة للمرضى، وأخرى للناس السليمين، مع التزام الطواقم الطبية بأدوات الوقاية كالسترة والقناع والنظارات الطبية والكفوف، وعمل كل ما من شأنه تقليل التماس المباشر بين الطبيب والمريض. ومن الأمور المهمة أيضا، فرز الأطباء الذين يجب أن يعالجوا مرضى “كورونا” بدقة، مع مراعاة إستبعاد كبار السن والذين لديهم أمراض مزمنة، كذلك الطبيبات المريضات والحوامل، لأن مناعة هؤلاء جميعا تكون أضعف من غيرهم.

ويشير النصار إلى أهمية الانتباه إلى طرق العدوى لتجنب إنعكاساتها على هذه الطواقم، فمن المعروف أن العدوى تنتقل، حسبما تؤكد أغلب الدراسات، عبر الرذاذ أثناء السعال والعطس، ودراسات قليلة تقول أن هذه العدوى تنتقل بوساطة الهواء، وإذا اتبع الطبيب هذه الإرشادات واستخدم أدوات الوقاية، فسيحمي نفسه من هذا الوباء بإذن الله، لافتا إلى أن أكثر الأطباء المعرضين للعدوى، هم أطباء الجهاز التنفسي والأسنان والهضمية، الذين يجرون عمليات التنظير العلوي، وإلى أنه يعرف حوالى خمسة من هؤلاء أصيب بالعدوى نتيجة عدم مراعاتهم تلك الاحتياطات الاحترازية.

 

ضحايا “الجيش الأبيض”

يقول عبد الهادي شباط، جراح عظمية، بينما يطالب الملايين من الناس، حول العالم بالبقاء في منازلهم “Stay home”، يخوض ما بات يعرف بـ “الجيش الأبيض” من أطباء وممرضين وعاملين في حقل الرعاية الصحية، حربا لا هوادة فيها في مواجهة فيروس “كورونا” القاتل، معرضين حياتهم للخطر، لذا يسقط يوميا عديد الأطباء كضحايا على الخط الأول في هذه المواجهة، ناهيك عن تسجيل الكثير من الإصابات المشخصة بالمسحات أو شعاعيا وسريريا، لذا ارتفعت نسبة الوفيات بين الكادر الطبي، والتي تشكل نسبة مهمة من الوفيات المسجلة رسميا، حيث تزداد الأمور، على مستوى المنطقة، سوءا وتعقيدا، نظرا للظروف التي تمر فيها، خاصة لجهة ضعف الموارد والإمكانات.. !

ويطرح شباط حلولا وإجراءات، قد تجنب الطواقم الطبية الإصابات، أو على الأقل تحد منها، وحيث باشرت المشافي بتطبيق بعضها.. تخصيص أقسام خاصة بالمرضى المشتبه بإصابتهم بالفيروس، بدءا من وصولهم إلى قسم الإسعاف وحتى قبولهم في غرف عزل خاصة، في حال احتاجوا ذلك، حيث يرتدي العاملون في هذه الأقسام سترات وكمامات وأغطية وجه ونظارات وقفازات، ومن هذه الإجراءات أيضا، التخلص من الأدوات الوقائية في أكياس خاصة، فور انتهاء فترة العمل، كذلك التعقيم والتطهير المستمرين، بعد التعامل مع أي مريض مشتبه به، وتقسيم نظام العمل والدوام إلى ورديات، ما يضمن تخفيف ضغط العمل، وأخذ قسط من الراحة وساعات النوم الكافية، القيام بالفحوصات الدورية للكادر الطبي شعاعية وسريرية، والزام مراجعي المشافي جميعا بارتداء الكمامات والقفازات، وتقليل عدد المرافقين إلى مرافق واحد، وضمن اشتراطات طبية ووقائية محددة..

 

ضمن الحدود الطبيعية

في موازاة كل ما يحكى عن تزايد حالات الإصابة والوفاة بـ “كورونا” في البلاد، سيما بين الأطباء، فإن للمدير العام لمشفى المواساة الدكتور عصام الأمين رأيا مختلفا، فهو يرى أن الطواقم الطبية هي الأكثر تعرضا للإصابة، ببساطة لأنها الأكثر تماسا واحتكاكا بالمرضى، وأن معدل الوفيات بين هذه الشريحة لدينا ما زال أقل من المعدل العالمي، الذي هو بحدود 10 – 15%، وبالتالي لم ندخل مرحلة الخطر الحقيقي في هذا الجانب بعد.

وتأخذ الإصابة بـ “كورونا” أربع درجات أخطرها الرابعة، حيث تصاب بها، وفقا للأمين، خمسة بالمئة من الحالات المشتبهة بها، فيما يتوفى 2.5 بالمئة من هذه النسبة، وهو ما يفسر قلة عدد الوفيات الحقيقية بهذا الفيروس عالميا، بالرغم من كثرة الحالات المشتبه بها والمؤكدة، علما بأن المشافي المحلية العامة والخاصة، ما تزال إجراءاتها الاحترازية والوقائية معقولة إلى حد كبير.

ورغب الأمين أن يوجه عبر “البعث الأسبوعي” رسالة إلى هذه الطواقم، والتي أسماها بـ”الجيش الأبيض العظيم”، قال فيها إن القبعة ترفع لهذا الجيش الصامد من أطباء وممرضين وكوادر إدارية وخدمية في المشافي، وتنحني لهم القامات، وهم يصلون الليل بالنهار غير عابئين بالصعاب والمشاق، انطلاقاً من واجبهم الإنساني وضمائرهم الحية، علما بأنه سقط منهم الشهداء، إلا أنهم أصروا على المواجهة حتى الانتصار النهائي على هذا الفيروس اللعين.

كما وجه رسالة إلى السوريين عموما لمساندة “الجيش الأبيض” عبر تطبيق كافة الوسائل الوقائية الاحترازية، من تطهير وتعقيم وتباعد ولبس الكمامة في الأماكن المكتظة والبقاء في المنزل إلا للضرورة القصوى، مؤكدا أهمية الانتصار في معركة القضاء على “كورونا”، حيث تجاوزت هذه المعركة البعد الصحي والوبائي، لتشمل أبعادا اجتماعية واقتصادية وتعليمية وتنموية، عبر تطبيق الإجراءات الوقائية الاحترازية المطلوبة.

وكانت صفحة نقابة أطباء سورية على “فيسبوك” أحصت، حتى مساء السبت الفائت، تسجيل 65 إصابة جديدة ليرتفع اﻹجمالي إلى 1125 حالة، وشفاء 20 حالة ليصبح اﻹجمالي 331 ، ووفاة حالتين واﻹجمالي 50 حالة.

 

أقل المصابين

بالرغم من تضرر الطواقم الطبية في المشافي العامة والخاصة، إلا أن الصيادلة كانوا الأقل في عدد اﻹصابات، قياسا بنظرائهم من هذه الطواقم، حيث لم تسجل إصابات بينهم، وفقا لما تؤكد نقيب الصيادلة الدكتورة وفاء الكيشي، التي تلفت إلى أن الصيدلاني في المشافي لا يحتك بالمريض بشكل مباشر، أما في الصيدليات، فإنه كان للإجراءات الاحترازية التي اتخذها الصيادلة، أثناء عمليات صرف الوصفة دور مهم في الوقاية وحماية الصيدلاني والزبائن في آن معا.

ومؤخرا، أحدث فقدان بعض اﻷدوية من أرفف الصيدليات حالة من البلبلة والفوضى السعرية، وأرجعت الكيشي، في وقت سابق، هذا الفقدان إلى توقف بعض المعامل عن اﻹنتاج، جراء الخسارة ونفاد المواد اﻷولية اللازمة للصناعة، وأن إعادة التصنيع تحتاج إلى بعض الوقت، مشيرة إلى أن نحو 95 بالمئة من الصيادلة ملتزمون باﻷسعار التي تحددها وزارة الصحة، بالنظر لكونها الجهة صاحبة الصلاحية في تحديد هذه اﻷسعار، وذلك بناء على التكلفة الحقيقية، والتي تضمن سعرا مقبولا للمستهلك، مع مراعاة ألا يخسر المنتجون.

 

على خريطة الأمراض

اللافت أن “كورونا”، ورغم التهويل بمخاطره واحتمالات الوفاة جراء الإصابة به، احتل موقعا متأخرا بين عشرة أمراض توفي الناس بسببها حول العالم، خلال النصف الأول من العام الجاري، فقد جاء في المرتبة الثامنة، بعد الإجهاض بـ 19.4 مليون وفاة، السرطان 3.7 ملايين، التدخين 2.3 مليون، شرب الكحول 1.2 مليون، الآيدز 765 ألفا، حوادث السير 614 ألفا، الملاريا 446 ألفا، فيما توفي بـ كورونا نحو 434 ألفا، وتأخرت عنه الإنفلونزا الموسمية 221 ألفا، وخط الأطباء السيء 3500 حالة وفاة.