تحقيقاتصحيفة البعث

تصدير تفاح السويداء.. محدودية في الأسواق الخارجية.. ودعم غائب لـ 30 ألف أسرة؟!

مازالت الجهود الحكومية التي تبحث عن حلول لمشكلة تسويق تفاح السويداء لا تتعدى الحبر الذي تكتب به محاضر اجتماعات اللجان المعنية في التسويق في ظل غياب إجراءات ملموسة على أرض الواقع حتى اللحظة، وإذا كانت الجهات المعنية تركت الكرة تتأرجح بين الفلاح والمصدر، ومرمى عدم الثقة بينهما، إلا أن الوقت قد حان اليوم لتذليل العقبات أمام هذا المنتج عبر تأمين الأسواق الخارجية، وتقديم التسهيلات المالية والإدارية لوصول المنتج إلى الأسواق الخارجية، فهل تفعلها الجهات المعنية وتحل مشكلة ما يزيد عن ٣٠ ألف أسرة في السويداء يشكّل التفاح مصدر رزقها، أم أن الموضوع سيبقى حبيس الاجتماعات الروتينية؟.

 

مواصفات فريدة
لم يعد خافياً على أحد المواصفات الفريدة، والأهمية الاقتصادية الكبيرة لتفاح السويداء، حيث تتصدر هذه الزراعة المرتبة الأولى من بين زراعة الأشجار المثمرة في محافظة السويداء، وتبلغ المساحات المزروعة بأشجار التفاح في السويداء 15719 هكتاراً، وعدد الأشجار الكلي 306 ر3 ملايين شجرة، يشكّل المثمر 586ر2 مليون شجرة، وتتوزع في مناطق: “ظهر الجبل، وعرمان، وسالة، ومفعلة، وقنوات، ومياماس، والكفر، ونمرة شهبا”، وتفاح السويداء يتمتع بمواصفات فريدة من حيث الطعم، ولون الثمار، وقابليتها للتخزين لفترات أطول، والإنتاج ينحصر في صنفين: الكولدن، والستاركن، إلا أن خيبات الأمل تستقبل الفلاح كل موسم جراء العوامل الجوية، أو عدم وجود أسواق لتصريف المنتج، يشكّل هاجساً مقلقاً للفلاحين لوقوعهم تحت رحمة الوسطاء والتجار والسماسرة، بالإضافة إلى ما ألقته الأزمة والظروف التي يمر بها الوطن من صعوبات في إيجاد أسواق خارجية لتصدير المنتج نتيجة الحصار الاقتصادي الجائر الذي تتعرّض له سورية.
مدير زراعة السويداء أيهم حامد أكد أن التفاح يعد من أهم الأشجار المثمرة المزروعة في المحافظة، حيث تشكّل المساحة المزروعة حوالي 39% من مساحة الأشجار المثمرة، وهي منتج زراعي تصديري مطلوب في الأسواق الخارجية والداخلية بسبب الميزة النسبية للثمار من حيث الطعم واللون والشكل والقدرة التخزينية، وبيّن أن الأسعار التأشيرية للتفاح تعتبر مؤشراً فقط، وتحسب كافة العمليات الزراعية الداخلة بالإنتاج.

تفتيش عشوائي
أشار عدد من مصدّري المادة في السويداء، ممن التقتهم البعث، إلى مجموعة من النقاط التي تشكّل معاناة تسويقية أو تصديرية بالنسبة لهم، وأهمها طريقة تفتيش الحاويات في المرافئ السورية، ومرافئ الدول المستوردة للمادة، والتي تكون بشكل عشوائي، وهذا يؤثر على المادة وإعادة توضيبها، وبالتالي ينعكس على قدرة المنتج على المنافسة، ولفتوا إلى أن مادة التفاح من أكثر المواد التي تعرّضت للظلم بعملية الدعم المقدمة من هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات المتضمنة منح المصدرين نسبة 25 بالمئة من أجور شحن المنتجات الزراعية، لأن أكبر كميات التصدير والتسويق تأتي خارج فترة الدعم التي تم تحديدها، منوّهين إلى أن برنامج دعم الصادرات شمل العراق ودول الخليج، ولم يشمل مصر، علماً أن 90 بالمئة من الصادرات هي إلى مصر.
يشير هنا رئيس لجنة التصدير في اتحاد الغرف الزراعية رضوان الضاهر إلى ضرورة إعادة النظر في إيجاد طريقة أفضل لعملية الكشف على البضائع المصدرة من مادة التفاح، وذلك للحفاظ على الشكل الأمثل للعبوات، وعلى جودة المنتج، وتشميل مادة التفاح كمنتج تصديري ببرنامج الاعتمادية للمزارع المعتمدة للتصدير، وتقديم الدعم التصديري من الحكومة عن طريق هيئة تنمية ودعم الصادرات أسوة ببعض المنتجات الزراعية المصدرة من القطر، مؤكداً على ضرورة التواصل مع الجانب الأردني لتخفيض الرسوم المفروضة على الشاحنات السورية المارة عبر الأراضي الأردنية، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الشحن البري للعمل على إيصال البضائع المصدرة من مادة التفاح إلى مصر بأقل التكاليف الممكنة، مشيراً إلى تأخير عمليات التصدير بسبب تعطل مركز تحليل الأثر المتبقي للمبيدات الحشرية، والمطلوب إبرازه عند إرسال أية شحنة إلى مصر، إضافة إلى أن الكميات المراد تصديرها أكبر من الطاقة الاستيعابية للمخبر.

أزمة ثقة

رئيس غرفة زراعة السويداء حاتم أبو راس تحدث عن الظلم الذي لحق بمحصول التفاح من قبل هيئة تنمية الصادرات، وأكد ضرورة تأمين منافذ التسويق الداخلية للاستهلاك المحلي، وضرورة تسهيل مرور الشاحنات إلى المحافظات، وعدم التأخير على الحواجز، وضمان عدم فتح البرادات الناقلة للمادة، والإبقاء على ترصيص أمانة جمارك السويداء لوصولها إلى مرافئ التصدير، لافتاً إلى وجود أزمة ثقة بين المزارع والمصدر بسبب المديونيات القديمة.
وأوضح أبو راس أن عمليات التصدير تتم عن طريق البحر نتيجة ارتفاع الرسوم التي يفرضها الأردن على دخول وخروج الشاحنات السورية التي تمر عبر أراضيه، ومن بينها التي تنقل تفاح السويداء إلى كل من مصر والسودان.
وأكد أبو راس استمرار الغرفة بمنح شهادات منشأ لتصدير كميات إضافية من التفاح للأسواق الخارجية خلال الفترة القادمة، داعياً هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات إلى استمرار تقديم الدعم للمصدرين خارج الفترة التي تبدأ من الأول من أيلول وحتى نهاية كانون الأول، بحيث يتم تمديد فترة الدعم حتى نهاية شهر أيار، باعتبار أن معظم الكميات المصدرة من تفاح السويداء يتم تصديرها خلال الأشهر الخمسة الأولى من كل عام، وبالتالي لا تستفيد من عملية الدعم البالغة نحو 1600 دولار عن كل حاوية يتم تصديرها، حيث تم تصدير 5500 طن، وحتى الشهر السابع من العام الجاري تم تصدير 22 حاوية إلى مصر تضم 500 طن، منها 100 طن من التفاح الصيفي عن طريق البحر.
وحول التصنيع الزراعي، والإجراءات المتخذة في هذا المجال، تحدث أبو راس عن أهمية تجربة دبس التفاح الذي يعد منتجاً جديداً طبيعياً بشكل كامل، حيث لا تضاف إليه أية مواد أخرى غير عصير التفاح الطبيعي، مشيراً إلى أن تجربة تصنيع دبس التفاح كان هدفها إيجاد سوق لتصريف كامل المنتج غير قابل للتسويق بسبب تعرّضه للضرر، وبالتالي زيادة دخل المزارعين من خلال هذه الصناعة البديلة، ‌‏حيث تم التواصل مع مهندسين زراعيين وكيميائيين مختصين لإجراء التجربة بتصنيع دبس التفاح في عام 2010، وتم عرض دبس التفاح في معرض دمشق السوري الدولي، حيث لاقى المنتج إعجاب الناس، وبدأ الطلب عليه، وتابع أبو راس بأن غرفة الزراعة طالبت بترخيص المنتج، فكان القرار رقم 110 تاريخ 30/7/2019 بترخيص دبس التفاح للبيع والتصدير.

إجراءات ملموسة
اليوم، وفي ظل الحديث عن دور العملية الزراعية في دعم الناتج المحلي، لابد من استثمار كل غصن من أغصان الشجرة، وكل ذرة تراب، ولكن لابد من ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال تنعكس واقعاً ملموساً على العملية الزراعية بشكل عام، وعلى محصول التفاح بشكل خاص، وقد يشكّل دعم المزارعين ومستلزمات الإنتاج والمصدرين الخطوة الأهم في ذلك.

 

رفعت الديك