رأيصحيفة البعث

الرئيس الأسد.. بداية مرحلة جديدة

إذا كانت انتخابات مجلس الشعب في دوره التشريعي الجديد محطة تاريخية من محطات الحرب – كما وصفها السيد الرئيس بشار الأسد في مستهل كلمته – فإن أقل ما يقال في الكلمة، بحد ذاتها، أنها تأسيسية في مسار الحرب، وفي الاقتصاد المقاوم، وفي فلسفة المقاومة السورية..

لقد كانت واضحة تماماً تلك الثقة والجرأة، وذلك الوعي الحاد والمرهف للتحديات والإشكاليات والتناقضات والمفارقات والأزمات والمواقف، ومعها عشرات الأسئلة الكيانية والوجودية التي تعصف بالسوريين في معترك الحرب والبطولة والحصار والتأقلم، والتي تمّ اختزالها وتفكيكها إلى حقائق من نوع السهل الممتنع: “الكل يريد أن يعيش وفي مقدمتهم المقاتلون، الشهداء، الجرحى، الذين لم يذهبوا لمواجهة الموت حباً بالموت، بل حباً بالحياة”! ايقاع هادئ، وإرادة فذة، وعقل شجاع، وسلوك مقتدر.. تماماً كالطبيب بشار الأسد الذي يعرف أن العارض هو “ضغط عادي”، وأن الأمر يحتاج إلى “دقيقة واحدة فقط”؛ وأن الشرق الأوسط الذي اهتز وارتعد، ومعه السياسات العالمية، لثوان، عاد إلى يدي المروّض المحترف.. الأسد يتابع كلمته!!

أول أمس الأربعاء، بعد الظهر، كان كتاب الوطنية السورية لمرحلة “الحرب الطويلة زمنياً والواسعة جغرافياً” مفتوحاً على أبهى معانيه وتجلياته، فهناك أولاً المفرزات السوداء التي أفرزتها السنوات التسع الماضية: “صهاينة الداخل” و”صهاينة الخارج”، و”الإرهابي المحلي” و”المستورد”، والتمييز الذي بات صعباً “بين العدو الصهيوني والإخونجي التركي واللص الأمريكي”، فكلهم ينفذون خطة واحدة تهدف لتمزيق سورية ونهب ثرواتها، وهناك رأس المال الوطني الذي “لا يمكن أن يكون جباناً”، والوطن الذي لا يمكن أن يصمد “وهو يُنهش من قبل الإرهابيين ويُنهب من قبل الفاسدين”، وهناك سلطة الدولة التي تكون عبر “عودة سلطة القانون وليس فقط تحرير الأراضي”، ولكن هناك بالمقابل، أيضاً، الاقتصاد غير المدمّر، والدولة غير المدمّرة، وهناك الإصلاح لا الانتقام: “لن يكون هناك تعليق مشانق”، وهناك حتمية التقدّم إلى الأمام و”نحن قادرون على ذلك”.. وكل ذلك تحت العنوان العريض الذي ينبغي أن يكون عنواناً للمرحلة القادمة: “تعزيز العمل والأمل!”..

هنا، تولد الجمهورية السورية السادسة، وينهض بشار الأسد الثالث، فإن كان الأسد الأول إصلاحياً يتطلّع إلى أن يقذف بسورية، بكل ثقلها، في مسار الحداثة والعولمة، وكان الثاني مقاتلاً تمكن من الدفاع بشراسة عن وحدة أرضه وشعبه في وجه الغزو الوهابي الإخونجي العثماني الأطلسي والصهيونية العالمية، فإن بشار الأسد الثالث ينهض على وعي مواجهة حقائق عالم اليوم المرعبة والمشوهة، عالم القراصنة واللصوص وقطاع الطرق، حيث “السياسة التي نعرفها لم تعد موجودة”، وحيث رؤساء حمقى ينصحون شعوبهم بتناول المعقمات للتخلص من كورونا، وحيث التوحش وحرق المحاصيل ومنع الأدوية والوقود يسمى “عقوبات ذكية”، وحيث الآلات الإعلامية الجبارة التي تحترف التزوير والكذب، وحيث هناك من يريد العودة إلى مجتمعات الغابة، مجتمعات الرؤية المشوشة واليأس والإحباط والانهزامية، والمضاربة من الداخل.. مجتمعات الجشع والانتهازية والأنانية!!

كيف يمكن الخروج من هذه الحلقة الجهنمية؟ يدرك الرئيس الأسد الحاجة إلى أن نكون شعباً قوياً بثقافة قوية وبنية نفسية صلبة وصامدة، شعباً متسلحاً بفكر مقاوم للتحديات، ومؤمناً بقدراته الذاتية، ومدركاً لأهمية كل ذرة طاقة إيجابية في المواجهة مع أعدائه.. يدعو الرئيس الأسد إلى التحول من انتظار النتائج إلى استباق النتائج، ويحض على فهم الأمور بأعماقها لا بمظاهرها، بعيداً عن القيل والقال وعن ثقافة حب الظهور التي تروج لها بعض صفحات التواصل الاجتماعي، ففي عالم الانحطاط الغربي الراهن لا يمكن فصل السياسات الدولية عن الداخلية، ولا السياسة عن لقمة الشعب، ولا كل ذلك عن الإرهاب، ولقد اتخذ الرئيس الأسد قرار المواجهة، ومعه شعبه ومجتمعه، من خلال إضافة واعية هي خلاصة تجربة الحرب والحصار والمقاومة، فلا تهاون، ولا رضوخ.. ولكن، لا انغلاق، ولا انكفاء، ولا تقوقع، وعلى المجتمع السوري أن يسير على وقع انسيابه الخاص وانطلاق دينامياته الخاصة والذاتية.. مرحلة جديدة عنوانها الصخب لا الفوضى، والتعايش مع الاختلاف والتعلم من إيجابياته.

لقد أسست انتخابات مجلس الشعب لبداية مرحلة، ومن لم يدرك معنى ذلك عليه أن يتوقف ملياً ويعيد قراءاته!!