ثقافةصحيفة البعث

“خراب.. كتاب عن الأمل” مخالف للمألوف!

يتناول كتاب “خراب.. كتاب عن الأمل” لمؤلفه مارك مانسون وترجمة الحارث النبهان مشكلات الأمل بطريقة مخالفة للمألوف، ويضع موضع التساؤل كلّ ما لدينا من افتراضات عما يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش، حيث يحوّل مانسون نظره من العيوب التي لا مهرب منها في نفس كل فرد ومن الكوارث التي لانهاية لها في العالم من حولنا، معتمداً على ميدان أبحاث علم النفس في هذه الموضوعات وعلى الأفكار الحكيمة الخالدة للعديد من الفلاسفة، فيشرح السياسة والدين وعلاقتنا بالمال والانترنت وعالم التسلية، وكيف يمكن للإفراط بالأشياء الجيدة أن يأكلنا أحياء من الناحية النفسية، وهو يتحدى من غير مواربة تعريفاتنا للإيمان والسعادة والحرية بل حتى للأمل نفسه!.

يطرح مؤلف الكتاب على القارئ سؤالاً جوهرياً وهو: هل تساءلت يوماً عما يجعل الناس يشعرون أنهم أكثر قلقاً وتعاسة على الرغم من ازدياد حياتهم يسراً؟، فعلى الرغم من أننا نعيش في حضارة تجعلنا نملك كل شيء، ونبدو كأننا لا نحتاج أي أمر، ولكن الحقيقة تظهر أننا بحاجة إلى أمر أكبر أهمية، وهو الأمل الذي يجعلنا نرى إمكانية وجود عالم أفضل لم نكن نعرف أنه من الممكن أن يوجد، وهو إشعال عود ثقاب لإنارة الظلام والانطلاق من حالة يبدو فيها كل شيء خراباً تاماً والتمكن من جعلها حالة جيدة، لأن تركيبتنا النفسية بحاجة إلى أمل حتى تستطيع مواصلة الحياة مثلما تكون السمكة بحاجة إلى الماء حتى تحيا، ولأن الأمل هو وقود محركنا الذهني وهو مقدار كبير من المعنى المجازي الذي نزين به حياتنا، ومن غير أمل يتوقف جهازك العقلي كله، لأننا إذا لم نكن مؤمنين بأن هناك أملاً بأن يكون المستقبل أفضل من الحاضر، وبأن حياتنا سوف تتحسن على نحو ما، فإننا نموت من الناحية الروحية، وفي آخر المطاف لماذا نعيش إذا لم يكن هناك أي أمل في أن تصير الأمور في المستقبل أحسن مما هي الآن ولماذا نفعل أي شيء؟.

ويشير الكتاب إلى أن الشيء الذي لا يدركه كل الناس أنه ليس الحزن أو الغضب نقيض السعادة، بل انعدام الأمل، لأن انعدامه هو الأفق اللانهائي من الاستسلام ومن اللامبالاة، إنه الإيمان بأن كل شيء خراب وحالة من العدمية الباردة الكالحة، وهو إحساس بأن ما من معنى لأي شيء، وهو الحقيقة غير المريحة والإدراك الصامت لحقيقة أن كل ما نستطيع فعله في مواجهة اللانهاية هو صفر، ولذلك يصبح تجنّب انعدام الأمل والسعي إلى بنائه، هو المشروع الأول لدى عقلنا، لذلك فإن كل معنى وكل ما ندركه عن أنفسنا وعن العالم موجود من أجل المحافظة على الأمل. ثم ينتقل الكتاب ليتحدث عن أزمة النضج الحديثة، وأنه لكي نبني الأمل لابد لنا من ثلاثة أشياء، الأول هو الإحساس بأننا في موضع السيطرة، ويعني أننا نشعر بالقدرة على التحكم بحياتنا، وأننا قادرون على التأثير في قدرنا، والثاني هو الاقتناع بقيمة شيء ما، ويعني أننا نجد فيه أهمية كافية كي يجعلنا نعمل من أجله، والثالث جماعة من البشر ننتمي لها وتعني أننا جزء من مجموعة تجد قيمة في الأشياء التي تفعلها وتعمل في اتجاه تحقيق تلك الأشياء، والجدير ذكره أن الأمل لا يلقي بالاً للمشكلات التي وجدت حلاً لها، بل فقط على المشكلات التي لا تزال بحاجة إلى حل، لأنه كلما صار العالم أحسن صار أثر أية خسارة أعظم شأناً، وكلما كانت الخسارة أكبر صرنا نشعر بأن ما ينبغي أن نحلم به صار أقل، وبالعموم حتى نفهم السبب الذي يجعلنا نعاني أزمة الأمل التي نعيشها علينا أن نتفهم آليات الأمل وكيف يجري خلقه والمحافظة عليه، لأن قصص الأمل هي ما تمنحنا إحساساً بأن لحياتنا غاية. 

“خراب.. كتاب عن الأمل”، هو كتاب ضد العدمية، سواء أكانت العدمية موجودة في داخلنا أم ذلك الإحساس العام الذي  يبدو أنه قد ظهر مع ظهور العالم الحديث، فمن الغريب أننا من حيث أساس الفكرة أكثر الناس أماناً ورخاءً في تاريخ العالم كله، ولكننا نشعر بمزيد من انعدام الأمل مقارنة بأي وقت مضى، لأنه كلما حصلنا على أشياء أفضل بدونا أكثر يأساً، إنها مفارقة التقدم، ويمكن تلخيصها في حقيقة صادمة واحدة، كلما كان المكان الذي تعيش فيه أكثر ثراءً وأماناً ازداد احتمال إقدامك على الانتحار، فما الذي يجري في عالمنا ويجعلنا نشعر بأننا في حالة أسوأ على الرغم من أن كل شيء يتحسّن دائماً دون انقطاع؟.

لوردا فوزي