دراساتصحيفة البعث

الحرب الباردة بين واشنطن وبكين خطأ فادح

إعداد: عائدة أسعد

إعلان حرب جيوسياسية باردة بين واشنطن وبكين سيكون خطأ فادحاً” ذلك ما حذر منه جيفري ساكس- الاقتصادي الأمريكي البارز، والمؤلف الأكثر شهرة مبيعاً لمؤلفاته- مخاطباً السياسيين الأمريكيين بأنهم منخرطون في لعبة من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة.

وقال ساكس أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا: “كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خطيرة بما فيه الكفاية، وستكون هذه الحرب أكثر خطورة، والكثير من الأمريكيين يريدون فرضها على الصين، ويعتقدون أننا نحن من يدير المشهد السياسي وكل تبعاته، ولكن في الواقع تلك طريقة تفكير خطيرة للغاية”.

لقد كان مصطلح “الحرب الباردة” في الأشهر الأخيرة يتجه في الساحات السياسية مدفوعاً بخطابات كبار المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب التي أدت إلى مجموعة من الإجراءات التي تستهدف الشركات والأفراد في الصين.

وقد ذكرت مجلة New Yorker على سبيل المثال في تحليل لخطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 23 تموز الماضي في مكتبة نيكسون الرئاسية في كاليفورنيا أنه أعلن بغضب عن فشل ذريع لتواصل نيكسون مع الصين قبل نصف قرن، ودعا الحلفاء إلى إنشاء تحالف جديد شبيه بحلف شمال الأطلسي لمواجهة الجمهورية الشعبية، وهو بذلك أعلن حرباً باردة جديدة .

أما ترامب فقد وقّع على أوامر تنفيذية يمكن أن تحظر اثنين من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية الشهيرة “تيك توك، ووي شات”، وفي هذا الشأن، قال ستيفن ويبر، مدير هيئة التدريس في مركز الأمن السيبراني في جامعة كاليفورنيا: إن ذلك يعتبر توسعاً واسعاً جداً، وسريعاً جداً للحرب التكنولوجية الباردة بين الولايات المتحدة والصين.

وفي ظهوره التلفزيوني على قناة CNBC، أوضح ساكس أن الصينيين يريدون أن يعيشوا حياة طبيعية، مضيفاً بأن الكثيرين لديهم صورة غريبة عن الصين باعتبارها مارداً يستولي على العالم، لكن هذا التفكير الأمريكي يعبّر عن كسلهم الموروث من الماضي، فالصين لا تسعى للسيطرة على العالم، إنما تريد أن تعيش حياة طبيعية كريمة مثلما يريد الأمريكيون.

وحتى في كتابه الجديد بعنوان “عصور العولمة: الجغرافيا والتكنولوجيا والمؤسسات”، يقول ساكس: “لدى الصينيين مستوى معيشي معين، وهم يريدون مكانهم في الشمس، وهذا لا يعني أنهم يستولون على كل شيء، ولا يعني أنهم مزقونا، وأنهم يشكّلون خطراً كبيراً جداً في المستقبل”، وأشار إلى أن السياسة في الولايات المتحدة هي رياضة خطيرة للغاية، وليست مجرد لعبة صعبة، لكن للتلاعب بالحقائق والأكاذيب التي نقولها عن الصين في الوقت الحالي عواقب وخيمة.

ساكس ليس الصوت الوحيد الذي يدعو إلى رفض تفكير الحرب الباردة، فبالنسبة لجوزيف ناي، العميد السابق لكلية كينيدي الحكومية بجامعة هارفارد، لا معنى لمصطلح الحرب الباردة، وقال: “يجب أن نخرج من أذهاننا المقارنات التاريخية عن الحرب الباردة، بل يجب أن ندرك أن أجندة السياسة العالمية تتغير”، ولفت إلى أنه في الحرب الباردة الأصلية لم يكن للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أي اتصال تجاري أو اجتماعي مع بعضهما البعض، لكن الولايات المتحدة لديها قدر كبير من التجارة مع الصين، وهناك ما يقرب من 370 ألف طالب صيني في الولايات المتحدة.

كما وصف ناي العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بأنها تنافس تعاوني، مضيفاً بأن “هناك بعض القضايا مثل تغير المناخ والأوبئة، حيث لا يمكننا فعل أي شيء ما لم نتعاون مع الصين”.

أما بالنسبة للدبلوماسيين الصينيين فقد رفضوا علانية فكرة الحرب الباردة الجديدة، وقال كوي تيانكاي سفير الصين لدى الولايات المتحدة: “إن الحرب الباردة تاريخياً لا تخدم المصالح الحقيقية لأحد، ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين، فلماذا يجب أن نكرر ما حدث في القرن الماضي عندما نواجه العديد من التحديات الجديدة والتحديات العالمية؟ وأنا لا أعتقد أن الحرب الباردة الجديدة ستخدم مصالح أي شخص، أو تعطينا أي حل للمشكلة”.