ثقافةصحيفة البعث

نضال ديب: فن الكاريكاتير يمكن أن يُحدث فرقاً في العديد من القضايا

فنانٌ يتقن التقاط اللحظة الفارقة ويحوّلها بفكره المتقد وقدرته الخلاقة على ضبط خطوطه إلى حالة من الإدهاش البصري والمفارقة المضحكة، يحمّل الفنان نضال ديب شخوصه وأبطال لوحاته كل ما يحتاجونه من ألق لكي يقدّم لنا عبر لوحته الكاريكاتيرية نبضاً يشعرنا بأن اللوحة تنطق لنا أو تنطق همومنا وأوجاعنا وضحكاتنا معاً وفي كثير من الأحيان تنطقنا. ولمعرفة تفاصيل أكثر عن تجربته كان لـ “البعث” هذا اللقاء معه: 

بعيداً عن الفن 

الفنان نضال ديب بعيدٌ كل البعد عن فن الكاريكاتير، فهو خريج معهد الاتصالات السلكية واللاسلكية، وبالتعريف عن نفسه كنضال الإنسان ثم الفنان قال: أنا فنان كاريكاتير سوري محبّ لكل الفنون وخاصة فن الكاريكاتير، لا أستطيع أن أتكلم عن تجربتي في الحياة كإنسان أو كفنان، لأن التقييم بالتعامل الإنساني أو الفني يكون من قبل الغير، وما قدمته هو الناطق الوحيد عني سواء بشكل إيجابي أو سلبي.

وأضاف ديب: لكي أكون صريحاً معك اتجهت لفن الكاريكاتير بالمصادفة خلال معرض تشكيلي لي وكان لديّ نقص في عدد اللوحات، فقمت برسم مجموعة من اللوحات الكاريكاتيرية البسيطة كي أكمل النقص، لكنني فوجئت أن اللوحات الكاريكاتيرية نالت إعجاب الجميع أكثر من باقي اللوحات التشكيلية، وهذه كانت نقطة تحوّل لدي، لأنني من حينها تابعت في مجال الرسم الكاريكاتيري وحتى هذه اللحظة ودراستي في معهد الاتصالات بعيدة كل البعد عن الفن، لكن شغفي وحبي لفن الكاريكاتير كان تأثيره قوياً جداً منذ بدأت به وحتى الآن.

مترجم المشكلات

مقومات فن الكاريكاتير ليست متاحة لكل فنان درس الفن التشكيلي، وعن المقومات التي يجب أن يتحلّى بها فنان الكاريكاتير تحدث الفنان نضال: فنان الكاريكاتير يجب أن يكون ذا حسّ فكاهي ساخر ويقرأ ما بين السطور، ويجب أن يكون متابعاً جيداً لما يجري من حوله في كل مناحي الحياة، وأن يشعر بالآخرين، فهو مترجم لمشكلاتهم وهمومهم، وقد يكون أحياناً مساهماً في حلها من خلال تسليط الضوء عليها، لكن هذا الفن ليس متاحاً للجميع فهو من أصعب الفنون، ويعتبر فناً مسؤولاً وحساساً لأنه يلتصق بمعاناة وهموم الناس بشكل مباشر.

فن توثيقي

الصحف تنشر لوحات الكاريكاتير لملء الفراغ”، جملة قالها الفنان نضال ديب في أحد حواراته، مع أن بداية انتشار الكاريكاتير ارتبطت بالصحف وهناك علاقة قوية تربط بينهما، إلا أن فن الكاريكاتير يواجه الآن صعوبات كثيرة خاصة في ظروفنا الراهنة وهو من أكثر الفنون قدرة على التعبير عن حياتنا وأحوالنا، وفي هذه النقطة أجاب الفنان ديب: الصحف في بلداننا العربية تنشر الكاريكاتير لملء الفراغ، وهم لا يدركون مدى أهمية هذا الفن فهو يعتبر فناً توثيقياً للأحداث والشخوص والحياة سياسياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً.. الخ.. علاقة الكاريكاتير بالصحف وثيقة جداً، ولكن طريقة استخدام هذا الفن في بلداننا ليست جيدة أو لنقل ليست بمستواه، فهي تهمّشه بشكل كبير، ومن الصعوبات التي تواجه هذا الفن الإهمال وأحياناً الخوف مما قد يقدّمه من أفكار، فهو فن ناقد ساخر وقد لا يسرّ البعض وجوده لذلك هو محارب ولو بالخفاء.

رسالة إنسانية

سُئل ناجي العلي عن رؤيته للكاريكاتير ومهامه فأجاب: “مهمتي تحريض الجماهير ضد واقعها المزري”، لذلك يمكن القول إن هذا الفن له رسالة بصرية تمثل ضمير المتلقي.. عن المسؤولية الملقاة على عاتق رسام الكاريكاتير تجاه هذا الفن، والرسالة التي يحملها فن الكاريكاتير المختلفة عن رسائل باقي الفنون قال نضال ديب: رسالة فن الكاريكاتير إنسانية شفافة صادقة، فهو يرسم المعاناة التي يعيشها هو وبقية الناس، ولا شيء أصدق تعبيراً مما ينتج عن المعاناة. نعم هو أكثر فن يستطيع التعبير عما يحدث ويمثل ضمير المتلقي إلى أبعد حدّ لأنه يرسم ألمه ومعاناته وهمومه اليومية والحياتية، والمسؤولية هي بصدق ما يقدم من خلال تسليط الضوء على هموم الناس وأوجاعهم ومعاناتهم.

أيضاً تلعب الحالة النفسية أو الفنية لعبتها لتدفع الفنان للركون إلى اللوحة، وعن هذه الحالة أجاب ديب: اللوحة هي تعبير صادق عن مشكلة معينة، وكلما اقتربت أكثر في تصوير ذلك كانت أقرب إلى الاحتراف، وهذا يعتمد على الخبرة والتطوير سواء من خلال تطوير الفكرة أو الأسلوب أو الرسم.

أسلوب خاص

أما عن معايير الاحتراف في فن الكاريكاتير والتكنيك الذي يعتمده نضال ديب في رسوماته وفي التقاط الأفكار بأسلوب مغاير أو متميّز عن الفنانين الآخرين، فقد أجاب: لكلّ فنان أسلوبه الخاص، منه الجيد أو الضعيف أو المتوسط، وأنا أحاول أن أوصل فكرتي للجميع على اختلاف مستوياتهم الثقافية والحياتية ولكل الفئات العمرية، وهو أمر صعب كالسهل الممتنع، فالتميز بالأسلوب يتطلّب جهداً أكبر، وأنا أحب أن تكون اللوحة متكاملة من حيث الفكرة والرسم واللون، ولكل فنان أسلوبه الخاص به.

قلة مشجعين

هناك من يرى أن انتشار الفضائيات وطغيان الصورة المرئية على المشهد العام قد أثر على فاعلية الكاريكاتير، إلا أن نضال ديب يرى عكس ذلك، وعن الهامش الذي يعمل ضمنه فنان الكاريكاتير، قال: لا لم تؤثر الفضائيات على فن الكاريكاتير، فقد أصبح انتشاره واسعاً عبر السوشال ميديا ولم يعد محصوراً بمكان معيّن. أما هامش فنان الكاريكاتير فيحدّده المكان وطريقة تفكيره والهامش الذي يعمل فيه ضيّق ولا يوجد لديه دعم جيد، مع العلم أن هناك من يشجع ويدعم لكنهم قلة قليلة.

تبادل ثقافي

وعن المسابقات ودورها في تطوير فن الكاريكاتير وتحقيق التواصل العربي والدولي قال الفنان نضال ديب:

المسابقات جيدة لكنها ليست مهمّة، هي كالتبادل الثقافي لكن هذه ليست الطريقة الصحيحة لإيصال هذا الفن، إن تحقيق التواصل من الممكن أن يحدث بطرق كثيرة والمسابقات يطلع عليها قلة قليلة وتستخدم المسابقات للترويج والدعاية أغلب الأحيان للفنان، ويجب أن يتمّ الاهتمام بشكل أكبر بهذا الفن، فهو فن يستطيع أن يحدث فرقاً كبيراً في العديد من القضايا.

جُمان بركات