اقتصادصحيفة البعث

الزراعة .. فالزراعة .. ثم الزراعة !!

لم تتأثر سورية بالعقوبات التي فرضها الغرب على شعبها في ثمانينيات القرن الماضي لأنها اعتبرتها فرصة لاعتماد خيار (الزراعة أولاً).
وبفعل الخطط الخمسية التي ركزت على القطاع الزراعي وتصنيع مواده الأولية تمكنت سورية باعتمادها على الذات من تأمين احتياجاتها من السلع وبخاصة الإستراتيجية، وتحولت للمرة الأولى بتاريخها الحديث من مستورد إلى مصدر للقمح.!
وفي هذا السياق نكرر مجدداً أن وزيرة خارجية أمريكا السابقة كونداليزا رايس ردت على سؤال خلال جلسة استجواب مع لجنة الكونغرس عن أسباب عدم فرض الإرادة الأمريكية على الحكومة السورية بعد غزو العراق .. بغضب: ولكن سورية لا تستورد القمح.!
وهذا الرد يفسر لنا اليوم خلفيات قيام إرهابيي المحتلين الأمريكي والتركي بإحراق حقول القمح في الحسكة.!
وفعلاً كانت سورية حتى عام 2007 مكتفية من القمح بل وكانت تصدره حتى عام 2005 .. فما الذي تغير لتتحول سورية سريعاً إلى مستورد للقمح منذ عام 2008.؟
قد نجد الأعذار للحكومات السابقة خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية لعجزها عن تأمين الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية وبخاصة القمح .. ولكن ما عذر حكومة 2003 ـ 2011 التي أهملت القطاع الزراعي ـ والصناعي أيضاً ـ وحوّلت سورية من بلد مصدر إلى مستورد للقمح.؟
عندما باشرت تلك الحكومة عملها في 2003 تباهى رئيسها السابق بوجود أكثر من 5 ملايين طن من القمح مخزنة في المستودعات النظامية وفي العراء.!
وبدلاً من أن تحافظ حكومة 2003 ـ 2011 على مخزون سورية من القمح أهملت القطاع الزراعي بكامله وركزت اهتمامها على تطبيق نظام السوق الليبرالي اللا اجتماعي، وقضت على معظم إنجازات سياسات الاعتماد على الذاتي، وتجسد هذا الأمر بعدم تنفيذ مشاريع جديدة للري والسدود، وإهمال صيانة وتجديد القائم منها.!
وباختصار كان الشغل الشاغل لحكومة 2003 ـ 2011 نقل سورية من الاقتصاد الإنتاجي إلى اقتصاد الريع والخدمات.!
وإذا كانت الحرب منعت الحكومات السابقة منذ عام2011 بإعادة الحياة للقطاع الزراعي كما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي بسبب احتلال مناطق زراعية كبيرة من الإرهابيين سابقاً، ومن الاحتلالين الأمريكي والتركي حالياً.. فإن هذه الحكومات لم تهتم جدياً بما هو تحت سيطرتها، فلم تدعم الفلاحين الذين يؤمنون المواد لملايين السوريين، والحمضيات والزيتون والفواكه والخضار خير مثال، فأسعارها ليست بمتناول ملايين السورين حتى في ذروة إنتاجها.!
أما المثال الصارخ والفاضح فهو قطاع الدواجن، فالفروج والبيض خرجا من موائد ملايين السوريين، لأن الحكومة السابقة رفضت دعم المربين، بل رفعت سعر الأعلاف دون أن توفر احتياجات المربين منها بالسعر المدعوم.!
وسورية المشهورة بثروتها الغنمية التي يُهّرب الكثير من رؤوسها إلى دول الخليج لم تكترث حكومتها السابقة بوقف ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء إلى أن أصبح الحصول على 100 غرام منها حلم ملايين السوريين.!
هذا الإهمال للاعتماد على الذات والتخلي عن خيار الزراعة أولاً أوصلنا لهذا الواقع المؤلم، ونقولها جازمين: لا يوجد حل لأزماتنا المتصاعدة منذ عام 2011 إلا بتركيز الحكومة الجديدة المتوقع تشكيلها قريباً، إلا بالعودة إلى خيار الزراعة أولاً.. أي الزراعة فالزراعة .. ثم الزراعة.!
بالمختصر المفيد: وضع الرئيس بشار الأسد في كلمته الأخيرة الموجهة لمجلس الشعب الجديد رؤية استراتيجية واضحة لسورية المستقبل على جميع الصعد ومن ضمنها الاقتصاد، وعلى الحكومات التي ستتشكل خلال المرحلة القادمة أن تترجم هذه الرؤية من خلال خطط خمسية أو عشرية حدد الرئيس الأسد أبرز معالمها: الرد العملي على الحصار يكون بزيادة الإنتاج في كل القطاعات.. والقطاع الزراعي هو عماد الاقتصاد الوطني .. ودعم تصنيع وتسويق المنتجات الريفية والمنتجات الأسرية .. والاستثمارات الصغيرة لأنها متنوعة وموزعة، فهي قادرة على أن تخلق فرص عمل .. والقطاع الأهم وهو الزراعة، فهو الأقدر على دعم دورة الاقتصاد بحكم دوره في مجتمعنا واقتصادنا منذ الأزل، لكن دوره تأثر سلباً بميل الكثيرين لاقتصاد الخدمات الذي نما على حساب الاقتصاد الزراعي..الخ.
علي عبود