زواياصحيفة البعث

دور أنظمة الخليج في تصفية القضية الفلسطينية

علي اليوسف

الحديثُ عن فلسطين المحتلة، أو القضية الفلسطينية لم يعد بعد الآن استمراراً لما كان يُعرف بالثوابت والحقوق الوطنية، بقدر ما أصبح تعبيراً عن القلق من الكواليس المجهولة، وما يتمّ التخطيط له من قبل الآخرين لتصفية القضية الفلسطينية وإغلاق ملفها بشكل نهائي. الخطورة ليست محصورة فقط بما يخطّطه العدو، سواء أكان إسرائيلياً أم أمريكياً، بل بما يخطّطه القريب، سواء أكان عربياً أو فلسطينياً!.

الإشكالية التي نحن بصدد الحديث عنها تتعلّق بتآمر الأنظمة الرجعية على القضية الفلسطينية، بالتعاون والتنسيق مع أمريكا و”إسرائيل”. فهذه الأنظمة وعلى الرغم من كلّ الخلافات فيما بينها، إلا أنها على ما يبدو متفقةً ضمناً على إغلاق ملف القضية الفلسطينية، وتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” باعتبارها حليفاً وصديقاً وليس عدواً، دون مطالبتها بدفع أي ثمن للفلسطينيين مقابل ذلك، ويبدو أن الثمن الأهم الذي تسعى تلك الأنظمة للحصول عليه هو رضا “إسرائيل” عنها ودعمها لها في سعيها للبقاء والاستمرار فيما هي عليه، بغضّ النظر عن إرادة شعوبها.

الحديثُ عن تصفية القضية الفلسطينية يجب ألا يُنظر إليه باعتباره تطوراً جديداً، فالمؤامرات لم تتوقف منذ بدايات القرن العشرين، لكن التطوّر الجديد والخطير هو الدور العربي المعلن والمتسارع في التآمر على القضية الفلسطينية، والذي اتخذ أشكالاً ومسارات لم يعهدها الشارع العربي من قبل.

منذ مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تمّ العمل بشكل متسارع لتصفية القضية الفلسطينية، التي لاحقاً تمّ تنفيذها فعلاً على أرض الواقع باستثناء الاعتراف العربي الرسمي والقبول الفلسطيني بنتائجها. والآن بات المطلوب هو القبول الفلسطيني العلني والرسمي والاعتراف العربي بالنتائج، أي إغلاق الملف نهائياً. وحتى الآن يبدو أن الظروف مهيّأة لهذا الاعتراف، مع الانهيار العربي والفلسطيني العام، والذي عزّزه تغييرات في أنظمة الحكم في عدد من الدول العربية وانتقالها إلى يد أفراد وفئة من الحكام لا يكنّون أي اعتبار للعروبة أو أي احترام للقضايا العربية وأهمها قضية فلسطين. ومنذ التغييرات التي حصلت على عدد من أنظمة الحكم، امتازت تلك المجموعة من الحكام بسعيها للحصول على رضا ودعم أمريكا و”إسرائيل”، الأمر الذي جعل من السقوط في براثن الكيان الإسرائيلي قضية وقت. ومن العبث محاولة إلقاء اللوم على الآخرين، لأن ما نحن فيه من انهيار هو في الأساس من دفعَ المتآمرين على القضية الفلسطينية للانقضاض عليها، وهكذا فإن ما نحن مقدمون عليه من مزيد من الانهيار والسقوط والاستسلام هو محصلة لسلوك معظم الأنظمة العربية.

حتى الخطر الإستراتيجي على الأمة العربية من وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين لم يعد وارداً في حسبان العديد من الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي، والتي أخذت تترجم المصالح الوطنية والقومية لشعوبها من منظور مصلحة النظام نفسه، خصوصاً بعد أن تمّ استبدال حالة العداء لـ”إسرائيل” بالعداء لإيران على سبيل المثال، وتمّ تصنيف “إسرائيل” بذلك كحليف استراتيجي يشارك تلك الأنظمة عداءها لإيران!.

لكن من كلّ ما تقدم، فإن السقوط العلني للعديد من الأنظمة العربية في أحضان “إسرائيل” لا يعني سقوط الشعوب العربية، لأن فشل التطبيع مع “إسرائيل” عبر تجارب السلام في “كامب ديفيد، ووادي عربة، واتفاقات أوسلو” يؤكد أن ما تسعى إليه الأنظمة قد ترفضه الشعوب بطريقتها الخاصة، وقد أثبتت الأيام أن المقاطعة الشعبية العربية لـ”إسرائيل” تشكّل بحدّ ذاتها سداً ضد انحراف الأنظمة، والذي يجب ألا يعني بالضرورة انحراف الشعوب.

الأمر المفجع هو أن هذا التنازل العربي جاء مجانياً، ولم تطالب الأنظمة العربية “إسرائيل” بأي شيء ولو حتى رفع الظلم عن عائلة فلسطينية واحدة، أو إخراج سجين فلسطيني واحد من سجون الاحتلال، هذا هو السقوط والانهيار بعينه ولا يوجد أي تفسير آخر لذلك!.