تحقيقاتصحيفة البعث

سيناريو الحمضيات.. فلاح “خاسر”.. وتاجر يحصد الملايين؟!

من المفترض بل من الضروري جداً أن يتم تدارك الثغرات التي شابت تسويق الحمضيات خلال الموسم الماضي لاعتبارات عديدة تخص المنتج والمستهلك على حد سواء، لأن الطفرات السعرية التي طرأت على أصناف بعينها دون الأخرى خلال نهاية الموسم لا يمكن أن تكون معياراً معتمداً بأي شكل من الأشكال، كما حصل بالنسبة لصنف الحامض الذي وصل سعره إلى ٤٠٠٠ ل س، وبعض الأصناف إلى ٢٠٠٠ ليرة سورية، وهذا ما شكّل بالنسبة للمستهلك أسعاراً صادمة، في وقت ازداد فيه الطلب خلال الأشهر الماضية على الحمضيات في ظل الظروف الصحية الراهنة التي ينصح فيها بتناول فيتامين C على نحو واضح، ولعل اللعبة الاحتكارية تطال لأول مرة محصول الحمضيات، وهذه من ضمن الاحتمالات المطروحة في قراءة المشهد التسويقي المريب لمحصول الحمضيات خلال الموسم الماضي، وهذا المشهد غير المستقر وغير الثابت حكماً ينبغي أن يوضع تحت مجهر الدراسة والمعاينة من قبل جميع الجهات المعنية بهذا المحصول إنتاجاً وتسويقاً، وإذا كان هناك من يعزو سبب الارتفاع المضاعف في سعر الحمضيات إلى تصدير كميات من المحصول، فإن إغفال حاجة السوق المحلية يشكّل ثغرة حقيقية، لأن سد الاحتياجات المحلية يجب أن يكون أولوية لئلا تحلّق الأسعار بشكل جنوني على حساب تعذّر شراء المستهلك لكيلوغرام من الحمضيات، لاسيما صنف الحامض، مع أن حمضياتنا تعتبر من المحاصيل الفائضة، بل والكاسدة تسويقياً حتى وقت قريب، فما الذي حصل بين ليلة وضحاها حتى باتت الحمضيات بعيدة المنال على المستهلك؟ وفي الوقت نفسه هل انعكس هذا التحوّل الدراماتيكي إيجاباً على مردود المزارع المنتج؟ وأيضاً لابد من التساؤل عن إجراءات حماية المنتج الزراعي وضمان ريعيته الاقتصادية وجدواه التسويقية في إطار أولوية حماية المنتج الوطني؟ وهل تنبهت وأدركت الجهات المعنية أهمية الإسراع بإنشاء وإطلاق مشروع معمل تصنيع العصائر الطبيعية المطروح منذ أكثر من عشرين عاماً دون أي إقلاع لامرتقب ولامنتظر، وهذا ما يطرح ألف إشارة استفهام وعلامة تعجب؟ وأيضاً قبل هذا وذاك هل لدينا دراسات شاملة حول التخطيط المستقبلي سواء المنظور أو البعيد لتسويق محصول الحمضيات الذي تخطى إنتاج القطر منه أكثر من مليون طن سنوياً، وقد وصل الإنتاج خلال الموسم ما قبل الماضي إلى مليون ومئتي ألف طن؟.

جديرة بالطرح
هناك تساؤلات جديرة بالطرح والاهتمام للاستفادة منها خلال الموسم القادم، ولدى سؤال رئيس اتحاد فلاحي محافظة اللاذقية حكمت صقر عن رأيه بالواقع التسويقي للموسم الماضي، أوضح بأن الارتفاعات في الأسعار حصلت مع نهاية الموسم، حيث انخفضت الكميات كثيراً بالمقارنة مع بداية الموسم وذروته، وبالتالي من الطبيعي أن يؤدي انخفاض العرض على ارتفاع السعر، وذلك بالتزامن مع تصدير كميات من المحصول إلى الأسواق الخارجية، وقال رئيس اتحاد فلاحي محافظة اللاذقية: كثرت التساؤلات والاستفسارات عن سبب الارتفاع المضاعف في أسعار محصول الحمضيات، والحقيقة أن الارتفاع حصل أواخر الموسم فقط، وهذا ناتج عن نفاد ذروة إنتاج الموسم، وتصدير الكميات المتوفرة من قبل التجّار إلى السوق الخارجية، ما أدى إلى ارتفاع سعر المحصول، وبالأخص سعر صنف الحامض، وأوضح صقر أنه للأسف لم ينعكس هذا الارتفاع السعري على الإخوة الفلاحين منتجي الحمضيات، لأن نسبة كبيرة منهم كانت قد أعطت محصولها ضماناً للضمّانة والتجار منذ بداية الموسم بأسعار عادية في الحدود السعرية المتعارف عليها، أما التجار فإن قسماً كبيراً منهم يضعون الإنتاج في البرادات، ويقومون بتخزينه، ويلجؤون إلى تصديره وتسويقه بأسعار أفضل بكثير من أسعار البيع المباشر، وبالتالي يذهب هامش الربح إليهم، أما مردود المزارع فهو قليل بالمقارنة مع السعر التصديري أو السعر المتداول نهاية الموسم، وأكد رئيس اتحاد فلاحي المحافظة أن وقائع ومؤشرات التسويق نهاية الموسم، وما رافقها من ارتفاع مضاعف في الأسعار، لا شك ستتم الاستفادة منها بالنسبة للأخ الفلاح المنتج، وهناك عدة إجراءات يتم العمل عليها باهتمام وعلى أكثر من صعيد لتحقيق أفضل ريعية اقتصادية ممكنة، وأفضل مردود ممكن للفلاح المنتج الذي يتحمّل الأعباء والتكاليف الإنتاجية المرتفعة، ناهيك عن الجهد والوقت، وأضاف أن هناك متابعة حثيثة مع الجهات المعنية لتكون هناك إجراءات مريحة وتسهيلات واضحة تخفف الأعباء عن الإخوة الفلاحين منتجي الحمضيات، ويتم التواصل معهم بكل السبل للتأكيد على القيمة الاقتصادية لتسويق محصول الحمضيات، وأهمية تضافر جهود الجميع لتحقيق الريعية الاقتصادية المنشودة، وفي الوقت نفسه يتم من خلال إجراءات ولقاءات المتابعة مع الجهات المعنية التركيز على احتياجات السوق المحلية في إطار الحرص على إيصال الأصناف بأسعار مقبولة إلى المستهلك، وبالتوازي تماماً مع إجراءات استيفاء الجدوى الاقتصادية التي تشكّل محور الهم والاهتمام .

إزاء كل هذه المعطيات والوقائع التي عرضنا لها فإنه من الهام جداً أن نجدد التأكيد بأن الضرورة الاقتصادية والتنموية والزراعية تقتضي أولوية إجراء دراسة دقيقة ومعمّقة لمؤشرات اتجاه الواقع التسويقي لمحصول الحمضيات للموسم الماضي دون سواه تحديداً من سابقيه، ولاعتبارات عديدة فرضتها التحوّلات السعرية الحاصلة في أسعار المفرّق بالأخص، وبما فيه بطبيعة الحال سعر سوق الهال “الجملة”، وكذلك الأصناف متأخرة النضج، مع الإشارة إلى تحسّن واضح بسعر وسطي في أحايين كثيرة، والشيء ذاته في الأصناف مبكّرة النضج، فإن هذه المعطيات كلها باتت تستوجب الدراسة المتأنية على شكل قاعدة بيانات إنتاجية تنعكس إيجاباً على المزارعين المنتجين، وعلى الريعية الاقتصادية المحققة، وهذا كله يستوجب وضع التسويق الزراعي على السكة الصحيحة بهدف الوصول إلى العتبة الاقتصادية ليتمكن المزارع من الحصول على مردود يغطي جهده وتكاليف إنتاجه، وذلك أن القاعدة التسويقية المتكاملة والمدروسة شكّلت قارب النجاة الحقيقي للمحصول لتخليصه من فائضه الكبير الذي يشكّل نحو نصف كمية الإنتاج سنوياً.

 

مروان حويجة