ثقافةصحيفة البعث

عبد الحي مسلم صائغ “نشارة الذهب”.. الآن في السماء

رحل منذ أيام في الأردن الفنان الفلسطيني عبد الحي مسلم بعد عمر قضى جله في إنتاج الفن خدمة للقضية الفلسطينية التي نالت منه حياته بطولها ونال منها نبع وجوده كفنان ملتزم استمد من فلسطين روح وعناصر لوحته التي اختلفت عن أعمال الجميع من مجايليه من الفنانين الفلسطينيين والعرب.

رحل ابن الخليل صاحب اللكنة الخليلية في اللغة دون وداع كبير أو مراسم تليق بفنان بقامته، يبدو أن كثرة الوفيات هذا العام جعل من الموت خبرا مؤلما للأحبة ولا يتجاوز الأمر ذلك، على صفحة الفيسبوك الخاصة باتحاد الفنانين الفلسطينيين في سورية نقرأ نعوة  أبو يوسف.. ومن لا يعرف أبو يوسف من الفنانين السوريين والفلسطينيين وخاصة أولئك الذين كانوا على مقربة من الفعل اليومي للنضال الفلسطيني أو المشاركين فيه خاصة في بيروت أو بعد فترة خروج فصائلها المسلحة منها عام 1982، استقر عبد الحي مسلم في مخيم اليرموك وجعل فيه مرسمه الشهير قرب مشفى الشهيد فايز حلاوة وقلما تجده وحيدا فيه، أصدقاء كثر من الفنانين والناس العاديين والرفاق القدامى يلتقون عنده، وأكثر من مرة التقيت بالحلاج الفنان المعروف هناك والوهيبي وزكي سلام ذلك النحات النشيط والفنانين موفق السيد ومحمد الركوعي وزهدي العدوي لاحقا وغيرهم من الفنانين.

عبد الحي أحد سدنة التشكيل الفلسطيني المعاصر وأحد أولئك الذين واكبوا ثورة شعبهم منذ انطلاقتها الأولى حين حمل السلاح فدائيا مقاتلا وفنانا استولت عليه فطرته وعاطفته نحو التعبير بالجمال، فقد وجد في نشارة الخشب ضالته التقنية في صناعة اللوحة الخاصة به حين يعجن هذه النشارة مع الغراء ومن ثم يلصقها على لوحة الخشب الحاملة مشكلا عوالم يرسمها عن فلسطين وزيتونها والقرية والمرأة الفلسطينية  والكوفية والفدائي وتصوير عادات الأهل في الأعراس والحصاد والبيارات.. أعمال من “الروليف” النافر والملون رسمتها فطرة طيبة لم يدخل صاحبها جامعة أو معهد للفنون قط، بل أدخله عشقه الصادق هذا المحراب المقدس بالحنين لتلك البلاد التي يستذكرها بروح من الأمل والإصرار على العودة والتحرير.

كتب عن هذا الفنان الكثير وأنتج بعض الصحفيين الأوروبيين فيلما عن أعماله تحت اسم “نشارة الذهب” كما تحتفي متاحف أصدقاء فلسطين المنتشرة في العالم بأعماله، وقد ذكر عن زيارة القس الأمريكي جاكسون لمرسمه في بيروت عام 1982 واقتنائه لعمل منه أخذه معه قبل أن يجف، لأن موعد مغادرته كانت سريعة بعد أن مكث عنده لأكثر من ساعتين يستمع لهذا الفنان العتيق، ويرى بأم عينه الفلسطيني الذي يمتلك أدوات الإبداع في الدفاع عن وجوده أمام جحافل الغزاة المدججين بالعنصرية وأدوات الموت الرهيبة والحصار.

كتبت الفنانة الروسية “تايكو فاتش” في تقديمها لأحد معارضه: بلغ في التأثر بأعمال مسلم حدا أعتقد معه أن العالم سينصف هذا الفنان في الوقت المناسب.. قد يكون بعد مائة عام أو أكثر لكن المتاحف التي ستعرض له لن تنساه أبدا كما ستكتسب قضيته الفلسطينية مزيدا من الاهتمام العالمي.

ولد الراحل في قرية الدوايمة في الخليل عام 1933 وشاهد المجازر والظلم الذي تعرض له شعبه وأعماله تشهد على فرادته كأحد سدنة الثقافة التشكيلية الفلسطينية المقاومة.

أكسم طلاع