ثقافةصحيفة البعث

النقائض في الشعر العربي

أشياء كثيرة تلعب دوراً مهماً في تكوين الشخصية الفردية للشاعر منها التربية الاجتماعية والثقافية والمنزلية أحيانا، ومن هذه الأشياء تختلف القراءة أيضاً للشخصية الشعرية، ونجد أن قراءة الشاعر حامد حسن للشاعر المتنبي تختلف عن قراءة الشاعر رضا رجب فالأول يراه سلبياً والثاني يراه إيجابياً، برغم أهمية المتنبي عبر التاريخ، وحسن لم تعجبه مواقفه المتناقضة من كافور الإخشيدي الذي مدحه ثم هجاه عندما سقطت المصلحة الشخصية في الحصول على إمارة أو ولاية، فيما رجب قرأ شخصية المتنبي المقربة إلى ذائقته من خلال الحكم والشجاعة والتعامل مع سيف الدولة، ومن خلال الحالات الراقية في مستواها البنيوي كقصيدته التي مطلعها: لك يا منازل في القلوب منازل، وهي التي يقول فيها:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص/ فهي الشهادة لي بأني كامل

ومن هذه الجماليات التي رآها قال رضا رجب:

وليس كالمتنبي من تليق به/ إمارة الشعر والميدان والأدب

هم لقبوه وكم من حامل لقبا/ يذوب منه حياء حامل اللقب

وهذه الأبيات بعد قراءة ما قاله حامد حسن الذي استوقفه بيت المتنبي:

قضى الله يا كافور أنك أول/ وليس بقاض أن يرى لك ثاني

وبعده هجاه أقذع وأمر هجاء، فقال بعد هذا التناقض والسلوك الذي لم يرضه أبدا:

يا أسوأ الناس تاريخا ومعتقدا/ ويا أمضهم جوعا إلى الذهب

غادرت نعمى علي سيف دولتنا/ورحت تستبدل العناب بالعنب

لولا الغرور، ولولا العنجهية ما/ هبطت من جنة الأحلام في حلب

اختلف الشاعران حول شخصية المتنبي التي في واقع الأمر تكونت من متناقضين فوقف كل منهما على واحد، فحامد حسن وقف على سلبياته ورضا رجب على إيجابياته.

أما الشاعر أحمد شوقي وإبراهيم طوقان فاختلفا في تناول المعلم ولكن ليس على شخصيته بل على الحالة التي يتصف بها أو يعيشها، لأن شوقي وضح الحالة في نتائج ما يؤديه المعلم ويقدمه لمجتمعه ولم يجرب التعليم ومشقته الذي خالفه إبراهيم طوقان بوصفه وبشدة.

شوقي قال:

قم للمعلم وفه التبجيلا/ كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمت أشرف أو أجل من الذي/ يبني وينشئ أنفساً وعقولا

أما طوقان فقال:

“شوقي” يقول وما درى بمصيبتي/ (قم للمعلم وفه التبجيلا)

أقعد فديتك هل يكون مبجلاً/ من كان للنشء الصغار خليلا

(ويكاد يفلقني الأمير بقوله: .. كاد المعلم أن يكون رسولا)

وتختلف في بيئة أخرى النزعة الاجتماعية خلال الرؤية الإنسانية للمعلم وذلك يتجلى في التباين الدلالي والاجتماعي بين البيئة التي عاش فيها الشاعر أحمد شوقي والبيئة التي عاش فيها الشاعر إبراهيم طوقان حيث لم تقدم الثانية غير التعاسة والمصائب والفقر فراح يعارض أحمد شوقي في قصيدته من حيث الشكل والمضمون، والواقع إن الخلاف النفسي والودي لا يقلل أبدا من مكانة كل واحد منهم لأن المتنبي وحامد حسن ورضا رجب وإبراهيم طوقان وأحمد شوقي دخلوا التاريخ.

محمد خالد الخضر