تحقيقاتصحيفة البعث

مع اختلاف الأسعار..العيادات السنية متعطلة عن العمل والتكاليف العلاجية ترهق الأطباء والمرضى

واقع مظلم يعيشه أطباء الأسنان، وخاصةً الخريجين الشباب وأيضاً المواطن الذي بات ارتياد عيادة طبيب الأسنان بالنسبة له نوعاً من مغامرة غير محسوبة النتائج لما ستكلفه من مبالغ مالية لن يستطيع تسديدها!.

(أنس.ع) شاب أربعيني اضطر إلى تركيب “بدلة أسنان” على الرغم من صغر سنه بسبب ما لحق بأسنانه من ضرر كبير وفقدانه لعددٍ كبير منها، ولعدم قدرته على تحمّل تكاليف العلاج ونفقاته، يقول: وجدت نفسي أمام خيارين أحلاهما مُرّ، وفي الحقيقة مع خسارة أسناني خسرت أيضاً ثقتي بنفسي.

أفضل من الوضع الراهن؟

خلال سنوات الحرب، وعلى الرغم من الظروف القاسية جداً، بقيت الخدمة الطبية فيما يخصّ طب الأسنان تقدّم وبمستوى جيد، على الرغم من هجرة عدد من أطباء الأسنان والصعوبات المتنوعة التي واجهتهم. أما اليوم وتحديداً خلال الأشهر الستة الأخيرة فقد انخفض العمل وانخفض الدخل، وارتفعت أسعار المواد والأدوات إلى أكثر من خمسة أضعاف، فهل بإمكان طبيب الأسنان أن يأخذ معاينة خمسة أضعاف من المريض؟ أعتقد أن هذا أمر صعب جداً، هذه هي وجهة نظر الدكتور غسان مخول أمين سر نقابة أطباء الأسنان بدمشق، المتعلقة بواقع العمل والصعوبات الملقاة على عاتق الطبيب والمريض على حدٍّ سواء. ويتابع الدكتور مخول حديثه قائلاً: نتيجة التكلفة الباهظة لعلاج الأسنان تراجع الاهتمام بشكلٍ كبير بالصحة الفموية لأنها أصبحت عبئاً كبيراً جداً على المريض، وخاصةً في ظل انتشار فيروس كورونا وما نتج من خوف جزء من الأطباء الذين توقفوا عن استقبال المرضى خوفاً على أنفسهم بعد الوفيات الكبيرة للأطباء، ومنهم طبعاً أطباء الأسنان، وخوف عدد من المرضى أيضاً من ارتياد عيادة طبيب الأسنان في هذه الظروف، وهذا الإهمال المقصود وغير المقصود لصحة الأسنان سيؤدي بالنتيجة إلى خسارة اقتصادية أكبر، بمعنى أن المريض الذي كان يكتفي بحشوة سيضطر لقلع الضرس، والقلع يحتاج لتتمة جسر وبالتالي ستؤدي إلى عبء مادي سيطال جميع الأطراف.

25  كلية طب أسنان

يوضح الدكتور مخول أن وجود 25 كلية طب أسنان في سورية أمر يفوق الطاقة الاستيعابية لسوق طب الأسنان، مؤكداً أن افتتاح الجامعات الخاصة ليس له أي هدف علمي بل تجاري، فهي تعبّر عن جشع مادي ليس أكثر!، لذلك يتوجب على وزارة التعليم العالي أن تضبط الكليات التي تحتاجها الدولة لجهة نوعها وعددها، ولا تسمح للجميع بأن يفتتح كليات طب بشري وأسنان وصيدلة، لأن ذلك سينتج عنه مشكلة كبيرة!، فعلى سبيل المثال في فرنسا التي يبلغ عدد سكانها 65 مليون نسمة هناك 14 كلية طب أسنان تقبل سنوياً نحو مئة طبيب.

تكلفة الكرسي تتراوح بين 12 إلى 20 مليوناً!

صعوبات كثيرة وضغوطات يعاني منها الأطباء، وخاصةً الخريجين الجدد الذين بات افتتاح عيادة خاصة بهم حلماً بعيد المنال، حيث وصل سعر الكرسي “الصيني” إلى حدود 12- 20 مليون ليرة، وهو طبعاً يختلف من الصيني إلى الغربي، والعيادة طبعاً ليست فقط الكرسي، بل أيضاً هناك الكثير من الأجهزة الضرورية، كجهاز التعقيم وجهاز الحشوات، إضافةً إلى أدوات القلع والمواد الطبية الأخرى، هذا ولم نتحدث عن إمكانية شراء أو استئجار عيادة، لذلك الواقع مظلم، نظراً للأعداد الكبيرة للخريجين، ما يجعل الأمر فوق الطاقة الاستيعابية لسوق طب الأسنان، حسب ما صرح به عدد كبير من الأطباء وخاصة الخريجين!.

ويوضح الدكتور مخول أنه لا يوجد إحصائية دقيقة لعدد العيادات التي تمّ افتتاحها في الفترات السابقة، ولكن يمكن أن نؤكد أنها ليست كثيرة، خاصةً وأنه لا يوجد ما يسمّى “إذن افتتاح عيادة”، إضافة إلى أمر آخر مهم هو أن النقابة المركزية في سورية ونتيجة لظروف الحرب سمحت للأطباء القادمين من محافظات أخرى أن يفتتحوا عيادات لهم في دمشق، وهذا ما أحدث خللاً وفوضى لجهة عدم وجود إحصائية لعدد العيادات التي تمّ افتتاحها مؤخراً.

كورونا وتأثيراتها..

يؤكد الدكتور مخول أن سمعة الطبيب السوري ممتازة، لذلك كان هناك ما يسمّى “سياحة علاجية” إذا صح القول، حيث يتوافد الخليجي والعراقي واللبناني إلى سورية لعلاج أسنانه، ما ينعكس إيجابياً على الطبيب نفسه وعلى واقع السياحة في البلد، ولكن مع الأسف إبان الحرب انخفض عدد العرب القادمين للعلاج، ومع وجود فيروس كورونا انعدم تماماً، حيث فقد الكثير من الأطباء والعائلات مصدر رزقهم، مضيفاً أن الضغوطات التي بات يواجهها اليوم طبيب الأسنان ازدادت وخاصةً الاقتصادية منها بسبب فيروس كورونا، فاليوم يضطر طبيب الأسنان لأجل حمايته الشخصية وحماية مرضاه أن يقوم بإجراءات كثيرة من التعقيم والعزل، لذلك يضطر لشراء المزيد من مواد التعقيم وأدوات الحماية.

تسعيرة الوزارة تعود إلى 2013

ويتابع الدكتور مخول أن غلاء الأدوات والمواد وتأثير سعر الصرف أحدث إرباكاً لدرجةٍ تصل بالطبيب إلى أنه غير قادر على وضع تسعيرة معينة للعلاج، خاصةً وأن التسعيرة المحدّدة منذ عام 2013 لا تناسب إطلاقاً أسعار المواد والأدوات، مضيفاً: نحن اليوم كنقابة نضغط على وزارة الصحة لرفع التسعيرة ولكن الوزير يرفض؟! علماً أن الطبيب اليوم لا يلتزم بها لأنها غير منطقية، فعلى سبيل المثال تسعيرة الحشوة حسب وزارة الصحة 600 ليرة سورية، وفي الواقع ما سيتكلفه الطبيب من أدوات تعقيم سيكلفه أكثر من ذلك بكثير!، لذلك نحن في النقابة نغضّ النظر عن بعض الشكاوى على بعض الأطباء بسبب غلاء الأسعار، ونقدّر الوضع تقديراً، لا نستطيع أن نلتزم بتسعيرة الوزارة إطلاقاً، ما نفعله هو تقدير ما هو السعر الرائج للتكلفة الوسطية لنحاسب الطبيب أو لا نحاسبه، خاصةً وأن 99 بالمئة من المواد التي يستخدمها الطبيب مستوردة.

المريض ليس أفضل حالا

بالتأكيد المريض ليس أفضل حالاً من طبيب الأسنان لا بل أسوأ، واليوم بات الكثير من الناس لا يذهبون إلى طبيب الأسنان إلا بعد أن يصل الأمر بهم إلى درجةٍ لا يتمكنون فيها من تحمّل الألم، وفق ما أوضح (نور محفوظ- موظف) والذي تحدث عن تجربته مع طبيبه الخاص، حيث بقي حوالي ثلاثة أشهر يكابر على الوجع ويلجأ إلى ما يُسمّى الطب العربي لتسكين الألم واستخدام زيت القرنفل وغيره من المسكنات حتى وصل الأمر به إلى إجراء عمل جراحي، مضيفاً: لا قدرة لي على تحمّل تكاليف العلاج حتى أنني اضطررت إلى أخذ قرض من عملي لعلاج أسناني!.

غير مشجع

علينا أن نعترف بأن واقع طب الأسنان واقعٌ غير مشجع أبداً، لأن طبيب الأسنان حتى يطوّر نفسه ويزيد من خبراته يحتاج إلى دخل ليواكب التطور وليتمكّن من حضور المؤتمرات داخل القطر أو خارجه، ويحتاج أجهزة حديثة مع تعدّدها بسبب التطور الكبير في عالم طب الأسنان، وعيادة وأدوات خاصة، لذلك أصبح لزاماً على طبيب الأسنان أن يواكب هذا التطور.

اليوم وبسبب صعوبة الظروف الاقتصادية والضبابية التي تحيط بهذه المهنة، فإن كل هذا سيؤدي بالنتيجة إلى تراجع سوية الخدمة الطبية، وهذا ما بدأنا نلمسه اليوم، إضافةً إلى ما ينتظرنا من استنزاف وهجرة للشباب خاصةً أصحاب الشهادات والخبرات.

لينا عدرة