تحقيقاتصحيفة البعث

أعباء أيلول تدق على الأبواب وحسابات الورقة والقلم “لا تجدي نفعاً”!!

“أيلول ياللي بتغنيلو فيروز نحنا منحسبلو مية حساب”، قالت أم يحيى وهي تخرج من حقيبتها اليدوية رزمة نقود تقدمها للبائع ثمن مستلزمات المكدوس، وبعض الخضروات والفواكه كي تجهزها لأيام الشتاء، لتمضي مع صديقتها وهما تجمعان وتطرحان ما يترتب عليهما من “المصاري” الإضافية لقاء المدرسة، وباقي المونة التي يقترن التحضير لها مطلع الشهر القادم .

شهر الميم
يأتي شهر أيلول أو “شهر الميم” – كما يحلو للبعض تسميته – حاملاً معه أعباء كثيرة تبدأ منذ الربع الأخير من شهر آب، وتنتهي بنهاية الشهر التاسع تقريباً، إذ تعلن هذه الأيام المباشرة بتحضير مونة الشتاء، وعلى رأسها المكدوس، ولا تنتهي بحاجات المدرسة والمازوت، فالأعباء كثيرة، والطلبات تكثر طيلة العام الدراسي، ولأن الظرف اليوم ليس بأفضل أحواله، سواء المعيشية، أو الاقتصادية، وحتى الإنتاجية، فقد جعل ذلك من أيلول المنتظر على الأبواب شهراً مختلفاً وكاوياً أكثر من ذي قبل، والتحضير له يستدعي على ما يبدو حسابات وورقة وقلماً، والحكاية تبدأ من “المكدوسة”، فهذه الوجبة التي اعتادت الأسر السورية تواجدها على سفرتهم الصباحية لن يستغنوا عنها مهما كانت الأحوال، إلا أن التحايل على المكونات هو السائد في حديث من التقيناهم، إذ يقولون: المكدوس أكلة لا يمكن الاستغناء عنها أو إلغاؤها من المائدة، إلا أن تكلفته ليست بالقليلة إذا ما قورنت بالوضع المعيشي للناس، فكيلوغرام الباذنجان 250 ليرة، والفليفلة الحمراء 300 ليرة، ووصل كيلوغرام الجوز البلدي في بعض المحال لـ 25 ألف ليرة، أما الصيني فقد تجاوز الـ 14 ألفاً بسعر يختلف من مكان لآخر، كذلك ليتر الزيت بلغ سعره 1400 ليرة، وكيلوغرام الفستق 6000 ليرة، وهي أسعار تزداد حسب مزاج التاجر، لذلك قللنا الكمية واستبدلنا بعض المكونات لتخفيف العبء، بعض الأسر، كما علمنا، تحتاج ما يقارب 60 ألف ليرة لصنع 25 كيلوغرام “مكدوس جاهز” بمكوناته الأساسية، وبعضهم روى أنه يحتاج لـ 100 ألف ليرة لصنع 50 كيلوغرام مكدوس بعد تخفيف المكونات، أما من يفضل زيت الزيتون لصنع المكدوس فتكلفته أكثر بكثير، هذا ولم نتحدث عن تكلفة الغاز الذي يستخدم لغلي الباذنجان، و”المطربانات” المعدة لحفظه، فقد وصل سعر البلاستيك منه لـ 1700، والبلور 2500 ليرة، وتتقلب الأسعار من تاجر لآخر، وبالتزامن مع المكدوس تقوم “العيل” بشراء الملوخية والبامياء و”كسيد” الباذنجان والخيار والقثاء لصنع المخلل، إضافة لصنع المربيات من الفواكه التي كان لارتفاع سعر السكر أثره السلبي على تموينها، وبالإضافة لكل ذلك تأتي المدارس بهمومها وحاجاتها إلى جانب الاستعداد لشراء مازوت التدفئة، كل ذلك جعل من أيلول شهر الأعباء و”تك” العملة التي تم جمعها منذ أشهر طويلة على حد تعبير البعض.

تغيير عاداتنا
بعد امتحان مؤسسات التدخل الإيجابي بعدة ميادين، وإثبات فشلها للأسف لتغدو بعيدة كل البعد عن اسمها، وبعد التعويل الفاشل على الضغط على التجار لتخفيض الأسعار، كان أحد الحلول الآنية تغيير العادات الاستهلاكية علّها تفضي لنتيجة لاسيما في فترة التحضير لفصل الشتاء بكل مكوناته، المهندس والخبير الزراعي والاقتصادي أكرم عفيف دعا لذلك في حديثه لـ “البعث”، ويقول: في ظل الظروف المعيشية الصعبة، علينا أن نفكر بكيفية اتباع عادات استهلاكية جديدة، وتجاوز الأزمة بشتى الطرق حتى وإن كانت بسيطة، وعلى اعتبار أننا جميعاً نحضّر للمكدوس، بإمكاننا صنعه على دفعات لتخفيف العبء المالي، والاشتراك مع الجيران لقيام أحدهم بشراء المستلزمات من سوق الهال بدل تجار المفرق، فالسعر عندها سيختلف كثيراً، ويمكن استبدال الجوز ذي السعر المرتفع بمادة الفستق، خاصة أننا في موسمه وهو متوفر في السوق بسعر مقبول مقارنة بالجوز الذي تخطى عتبة الـ ٢٤ ألفاً، والاستغناء عن زيت الزيتون بأي نوع آخر يحبذه الشخص، وإلى جانب المكدوس تتجه بعض الأسر لصنع المربيات التي سيؤثر سعر السكر وتوفره على الكثيرين ممن قد يستغنون عنه، لذلك بالإمكان الاتجاه نحو تجفيف الفواكه كالبطيخ الأصفر والتين والدراق وغيرها بعد شرائها من سوق الهال، لأن التاجر يتحكم بسعرها، وهنا نتمكن من توفير المربى في الشتاء دون تكاليف، نحن نعمل على المتاح- يقول عفيف- والمتوفر بين أيدينا، إذ إننا لا نملك القدرة على زيادة الرواتب التي إن حصلت لن تكون حلاً نهائياً، الحل بتغيير عاداتنا الاستهلاكية كخطوة أولى.

أرض الإنتاج
يبدو أن أسعار الباذنجان والفليفلة تختلف بين المدينة والريف وبكل محافظة، وتبقى الأرض التي تنتج وتعطي أرخص بكثير من المحال في المدن التي يكون فيها التاجر هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، ويشير في هذا الصدد الخبير الزراعي إلى أسعار الخضار في سوق هال السقيلبية بمحافظة حماة، حيث لم يتجاوز سعر الباذنجان فيها الـ ١٢٥ ليرة، والفليفلة ٢٥٠ ليرة، وتكلفة ١٠ كيلوغرامات مكدوس عند أبناء الريف تصل إلى الـ 6900 ليرة، بينما وصل في بعض المناطق العشوائية بدمشق لـ ١٢ ألف ليرة، وبالتالي فإن الفارق يصل للنصف تقريباً، ويضيف عفيف: تكلفة المكدوس لم تكن يوماً قليلة، وذلك نظراً للمواد الداخلة فيه، وعند هذه الحقيقة لا يمكن إلا العمل على تخفيض التكاليف بالطرق التي تم ذكرها، ومحاولة زيادة الإنتاج حتى في المدن، فموسم الزراعات الشتوية بدأ، وبإمكان الناس زراعة البقدونس والبصل الأخضر والفجل والرشاد على شرفات منازلهم، ما يخفف التكاليف عليهم.

غياب السورية للتجارة
وكالعادة تغيب “السورية للتجارة” عن الأنظار كما غابت عن موسم البطاطا والفول الأخضر، وغيرها الكثير، يقول عفيف: تكمن الطامة الكبرى بغياب دور الوسيط الذي كان منوطاً بمؤسسة السورية للتجارة، وترك الملعب للتجار للتلاعب بالأسعار، وهنا الخاسر دائماً هو المنتج للأسف، مضيفاً: كان يؤمل من “السورية” أن تستجر الباذنجان من الفلاح بسعر ١٢٥ ليرة، وتبيعه بصالاتها بـ ١٥٠ ليرة، كذلك بالنسبة للفليفلة والفستق، وتلعب دور التاجر الرابح الأخلاقي، ورغم التشديد على دورها وأهمية تفعيله والاستعداد لتذليل العقبات، يبدو أن السورية للتجارة لا ترغب بالتدخل، وتنأى بنفسها عن المهام المنوطة بها، فكما أضاعت فرصة استجرار الفول الأخضر والمفرّط، المشهد ذاته يتكرر بالخضار والفواكه، وكان حرياً بها آنذاك التدخل الفوري وشراء المنتجات من الفلاح بشكل مباشر وبيعها للمستهلك، ويشير المهندس عفيف في نهاية حديثه إلى أن المواطن اليوم بحالة عوز، وتكاليف مونة الشتاء زادت عن حدها، ولا سبيل لتخطي هذه الأزمة سوى العمل بخطين متوازيين من قبل الحكومة والمواطن، بزيادة الدخل، وتخفيض التكاليف، إلى جانب إعادة النظر بالعادات الاستهلاكية، وأولاً وأخيراً تفعيل دور السورية للتجارة على أرض الواقع ليقترن اسمها بفعلها.

قد تدرك
مونة الشتاء بدأ الناس بصنعها، لكن مستلزمات المدارس من لباس وقرطاسية لم تبدأ بعد، إلا أن تجار الأزمة سارعوا لطرح اللباس المدرسي في السوق، وهذا ما تشهده بعض المناطق العشوائية، ليبدأ سعر البنطال للحلقة الأولى بـ 10 آلاف ليرة وما فوق، والدفتر بـ 700 ليرة كحد أدنى، وهنا ينتظر المواطن تدخل السورية للتجارة، والأسواق الشهرية لغرف التجارة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويبقى الأمل بطرح منتج جيد ونوعية جيدة وألا تكون المستلزمات التي سيتم طرحها على غرار الأعوام الماضية، لعلّ شهر الميم يكون أخف وطأة على الجيب .

نجوى عيدة