ثقافةصحيفة البعث

الكتاب الذي تتمنى لو قرأه أبواك وتكوين علاقة صحيحة مع أطفالك

يهدفُ كتاب “الكتاب الذي تتمنى لو قرأه أبواك وسيكون أطفالك سعداء لأنك قرأته” لمؤلفته فيليبا بيري والذي ترجمه رائد الحكيم إلى التركيز على العوامل المهمّة في التربية، ويشمل مواضيع تتعلق بالطريقة التي تقترب فيها من أطفالك وتتعاطى مع مشاعرهم في محاولة لفهمهم لا أكثر، لكي تتواصل معهم بشكل حقيقي عوضاً عن الانزلاق في تلك الأنماط الجامدة.

يعتمد الكتاب على مقاربة التربية من منظور طويل الأمد، وليس على مجموعة من النصائح والخدع، وينصب الاهتمام على الطريقة التي نتعامل فيها مع أطفالنا وليس على الأساليب التي تمكننا من استغلالهم والتحكّم بهم، ويشجع القراء على التمعّن في نشأتهم لاستخلاص الإيجابيات والتخلّص من السلبيات، والإفادة من ذلك كله في تربية أطفالهم وأولادهم. كما نجد بين صفحات الكتاب الأساليب التي يمكننا من خلالها تطوير علاقاتنا وجعلها مناخاً مناسباً لتنشئة أطفالنا والطرق التي تتدهور بها العلاقة وكيفية ترميمها ثانية، فمن دون هذه العلاقة التي تحقّق للطفل سنداً يتكئ عليه فإن إحساسه بالأمان سيتزعزع، إذ يجب أن تكون هذه العلاقة مصدراً للقوة بالنسبة لطفلك وأطفاله في يوم من الأيام أيضاً، إضافة إلى ضرورة الحذر في التعامل مع الأولاد في سنوات النضج الأول، بحيث ننجح في تأسيس علاقة تؤدي بالنتيجة إلى الحدّ من المشكلات. ويطرح الكتاب تساؤلاً مهماً: إلى أي درجة يجب على الأهل أن يكونوا صارمين مع أطفالهم؟ ويوضح أن هناك ثلاث مقاربات رئيسية لتوجيه سلوك الطفل والتعامل معه، إما الصرامة أو التساهل أو التعاون، متضمناً تمارين من شأنها أن تساعدك على فهم أعمق للموضوع، وإن لم تجد فيها الفائدة حالياً يمكنك أن تتجاوزها وتعود إليها في وقت لاحق عندما تكون جاهزاً للتعاطي معها، كذلك يشير الكتاب إلى أن أحد الأشياء التي تعيق تحقيق أن تكون مربياً هو إطلاق الأحكام على أنفسنا وعلى الآخرين، فكيف نطلق الأحكام على أنفسنا بصفتنا مربين، حيث نلاحظ أن صفتي (المربي الجيد والمربي السيئ) لا تقدمان أي فائدة لأنهما تعتمدان على الأحكام المطلقة، فمن المستحيل أن ننسجم مع أطفالنا طوال الوقت ولكي نتجنّب المهانة الناجمة عن الدور السيئ فإننا ندافع بشيء من العدوانية عن الأخطاء التي نرتكبها، فخوف الأهل من مواجهة الأخطاء التي يرتكبونها لا يعود على الأطفال بأي فائدة، لذا دعونا نسقط هذه الصفات بصفتها مزايا يحملها الأهل لا أحد منا قديس أو آثم بشكل مطلق، لذا يجب ألا نطلق الأحكام على أنفسنا وعلى أطفالنا، ولاسيما أن الطريقة التي يشعر بها الطفل نحو نفسه يستمدها منك ومن الدائرة المحيطة به، فتجارب الطفولة هي التي تحدّد شخصياتنا وكيف سنكون أشخاصاً راشدين، وهذه هي الطريقة الأساسية لتطور البشر ومن العسير التخلّص منها، إذ يمكن للشخص أن يلاقي صعوبة بالغة في لجم هذا الصوت الداخلي الذي يؤثر على تعامله وتفكيره، لذا من الضروري الانتباه إلى سلوكنا في العلاقة مع أطفالنا واحتواء المشاعر لأنها تدخل في كل شي نفعله، وكل قرار نتخذه، والكيفية التي نتعامل بها مع مشاعرنا تؤثر في الطريقة التي يتعلّم بها أطفالنا التعامل مع مشاعرهم.

كما يوجه الكتاب مجموعة نصائح للتخلّص من أي معوقات تمنع التعامل مع أطفالكم، مثل الاعتماد على تأسيس بيئة منزلية متناغمة يمكن فيها تسوية الخلافات بطريقة آمنة، وتقبل حاجة الأطفال إلى اللعب مع أشخاص من أعمار مختلفة وللكثير من الاهتمام والوقت ومحاولة رؤية الأشياء من وجهة نظرهم، ومساعدتهم على اجتراح الحلول والتفكير في أجوبة المشكلات والتخلّص من الأساليب القديمة وتأسيس مبادئ التعاون، ومن المفيد لو نعرف أن بمقدورنا تعزيز هذه الرابطة التي تجمعنا مع أطفالنا لتبقى قوية وراسخة من خلال الصدق والشجاعة وإصلاح الخلل ومسامحة أنفسنا، لأننا نقدّم قصارى جهدنا ونساعد أطفالنا ونشجعهم على تحقيق ما يحلمون به ويطمحون إليه، لذا علينا أن نؤمن بهم.

في هذا الكتاب المفيد والممتع تتناول المعالجة النفسية المعروفة فيليبا بيري المسائل الجوهرية في تربية الأطفال، وعوضاً عن تقديم أسلوب مثالي في التربية تقدّم صورة شاملة عن مكونات العلاقة الصحيحة بين الطفل ووالديه، لذا يساعدك هذا الكتاب البعيد عن التصنيفات وإطلاق الأحكام على فهم كيف تؤثر نشأتكم في تربية أطفالكم، لكي تقلّ الأخطاء، مع محاولة تفاديها والتخلّص من العادات السلوكية السلبية والتعامل مع مشاعركم ومشاعر أطفالكم.

باختصار.. هذا الكتاب ليس موجهاً للأهالي الذين يحبون أولادهم فقط، بل أيضاً لأولئك الذين يرغبون في تقدير أولادهم والإعجاب بهم، إنه كتاب ينضح بالحكمة والعقلانية وعلى جميع الآباء والأمهات قراءته.

لوردا فوزي