ثقافةصحيفة البعث

“تاريخ الفن السينمائي” تدريس السينما كفن مرتبط بالمجتمع

السينما فنّ جماهيري شعبي قويّ، بل لعلّه أقوى الفنون الحديثة وأعظمها استئثاراً باهتمام الناس، ويعدّ كتاب “تاريخ الفن السينمائي” من أهم الدراسات العالمية في هذا المجال، فهو يلقي أضواء فنية وتاريخية وانتقادية على نشأة هذا الفن وتجاربه.

يلخّص الكتاب الصادر عن المؤسسة العامة للسينما –من تأليف جورج سادول وترجمة بهيج شعبان- تجارب عالم فذّ هو جورج سادول (19-4-1967) الذي واكب فيه السينما العالمية منذ نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر حتى عصره، ويبسط القول في جميع المراحل التي مرّت فيها السينما بجميع تفاصيلها الفنية والتكنيكية والاقتصادية من حيث تطور الموضوعات والإخراج والأساليب الفنية واختراع الآلات وتطورها، ويؤرّخ الكتاب على نحو جذاب وشائق لجميع التيارات التي أنضجت هذا الفن الجماهيري بعد أن عاشت فيه وتفاعلت معه.

في الواقع، فن السينما ولد تحت أعيننا وكثير من الذين مهّدوا له الطريق أو ساعدوا في ابتكاره لا يزالون أحياء يعيشون حتى أيامنا هذه، ورغم ذلك فإن دراسة منشأ هذا الفن هي دراسة صعبة، ففي زماننا هذا الذي يحتفظ فيه الناس بجمع الوثائق عن أضأل أعمالهم وأقلها شأناً نجد على العكس أن أرشيفات هذا الفن الذي ولد حديثاً، ونعني به فن السينما، وخزائن محفوظاته قد تلاشت كلها تقريباً، وقد حدث هذا قبل أن يشعر الناس بأن السينما قد دشّنت في الفن أسلوباً جديداً، وعلى الباحث فيه أن يتصرف كعالم من علماء مطمورات الأرض الذي يعيد تركيب حيوان معيّن مبتدئاً ببعض العظام ومتمنياً ألا تأتي الاكتشافات القادمة فتهدم افتراضاته.

ولا شك يبقى على المؤرّخ أن يكتب تاريخ الأسلوب الذي تستعمله الظلال الصينية أو الفانوس السحري، وهي تعدّ حكايات بدائية ساذجة لعرض القصص بواسطة الصور، ولكن بعد تقليب الأمر على جميع وجوهه نجد أن هذين المشهدين البصريين لم يؤثرا مطلقاً في نشوء الفيلم السينمائي أكثر من تأثير الأدب والمسرح والتصوير وكل فنّ رصين آخر، ولا أكثر مما أثرت فيه صور إبينال والروزنامات والدمى المتحركة والرسم الهزلي (الكاريكاتور) أو تأثير كل فن آخر، سواء أكان فناً شعبياً جماهيرياً أم كان من الفنون الخاصة المنعزلة التي لا يهتمّ بها الناس.

استطاع فن السينما أن يولد تحت أعيننا بهذه السرعة العجيبة، لأنه لم ينشأ على أرض عذراء خالية من الثقافة، فقد استوعب هذا الفن، وهضم بصورة سريعة العناصر المختلفة المأخوذة من كل فروع المعرفة الإنسانية وتجاربها، والأمر الذي صنع عظمة السينما هو أنها مجموع –وتركيب أيضاً- للكثير من الفنون الأخرى.

والسينما هي أيضاً صناعة من الصناعات، فقد مات “فان غوخ” دون أن يبيع لوحة واحدة من لوحاته، وغادر رامبو هذه الحياة تاركاً مخطوطة أشعاره الوحيدة، ولم تستطع آثارهما أن تشق طريقها إلا بعد وفاتهما، لقد جرى تحضير هذه الروائع الخالدة بثمن الورق والحبر والقماش والألوان الضئيلة النفقة، على حين أنه يجب أولاً إنفاق عدة ملايين قبل إظهار بكرة فيلم كبير حديث، ولا نستطيع أن نتخيّل رجلاً من رجال السينما يخرج أفلاماً كبيرة تظلّ مجهولة من جميع الناس، فضرورة استخدام رؤوس أموال كبيرة في صناعة السينما تضع أمام المنتجين شروطاً واضحة لإتقان عملهم، ومن المستحيل دراسة تاريخ السينما من حيث هي فن من الفنون، وهذا هو موضوع هذا الكتاب دون الحديث عن المظاهر الصناعية لذلك الفن، والصناعة لا تنفصل عن المجتمع وعن اقتصاده وعن فنونه الآلية “التكنيك”.

والغاية من “تاريخ الفن السينمائي” هي تدريس السينما كفن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصناعة والاقتصاد والمجتمع والفنون الآلية. وتاريخ السينما يشتمل على ستة أدوار، الدور الأول وهو دور الاختراع الذي بدأ سنة 1832 وانتهى سنة 1896 وهو دور فنيّ على وجه الخصوص وسيتمّ دراسته باختصار. والدور الثاني (1895-1908) دور الممهدين، إذ تأسّست الصناعة ووضعت أسس الفن دون دراية.

والدور الثالث الذي انتهى بانتهاء الحرب العالمية الأولى، وهو الدور الذي أصبحت فيه السينما فناً وتوطّدت وضعيتها بواسطة الصناعة الكبيرة. أما الدور الرابع فهو دور الفن الصامت، ويبدأ الدور الخامس بسيطرة الفيلم الناطق وينتهي مع بداية الحرب العالمية الثانية، أما الدور الأخير فيشمل الحرب العالمية الثانية والسنوات التي تلتها.

جُمان بركات