دراساتصحيفة البعث

الحليف الأمريكي يتحوّل إلى عدو!

ترجمة: هناء شروف

عن الاندبندنت

عادت الخلافات الأمريكية- الأوروبية إلى الواجهة من جديد، بعد اتخاذ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من الإجراءات التي من شأنها أن تضرّ بالمصالح الأوروبية، وكأنّ ترامب لا يعنيه حلفاء الأمس، ولا يهتمّ لمصالحهم!.

ففي خطاب متسلّط غير عادي مع نهاية الشهر الفائت، زعم أعضاء مجلس الشيوخ أن خط الأنابيب الذي سيستورد الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر ألمانيا يمثّل “تهديداً خطيراً” لأمن الولايات المتحدة، وقرروا أنه إذا لم يتوقف فستكون هناك “عقوبات قانونية واقتصادية ساحقة”، وقد تكون “قاتلة” لاقتصاد المنطقة، كما ستواجه الشركات والمساهمون والموظفون تجميد أصول بأمر من الحكومة الأمريكية وحظر سفر على غرار كوريا الديمقراطية وإيران.

عارضت برلين هذه المزاعم قائلة إنها وحدها التي تحدّد السياسة الوطنية بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، خاصةً وأن الأمريكيين يعاملون ألمانيا كعدو أو مستعمرة أكثر من كونها حليفاً. وقال وزير الخارجية هايكو ماس: إن مثل هذا السلوك يعكس “عدم احترام” أساسي للحقوق والسيادة الأوروبية، وأعرب رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن “قلقه العميق إزاء الاستخدام المتزايد للعقوبات أو التهديد بفرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة ضد الشركات والمصالح الأوروبية”.

كانت علاقات المستشارة أنجيلا ميركل مع ترامب متوترة بالفعل بعد سنوات من الإهانات الرئاسية، ومؤخراً بسبب قراره خفض أعداد القوات الأمريكية في ألمانيا، أما الآن فيخاطر الخلاف بإثارة استياء واسع النطاق بشأن حروب ترامب الجمركية وإنكار أزمة المناخ والجهود المبذولة لتقسيم الاتحاد الأوروبي من خلال استمالة الدول الشرقية المحافظة.

إن لجوء أمريكا المتزايد إلى البلطجة وترهيب الأصدقاء القدامى، بدلاً من الإقناع المنطقي، قد أبرزته مواجهة أخرى الأسبوع الماضي حول إيران. لقد أضرّت العقوبات الأمريكية الثانوية بالشركات الأوروبية التي تتعامل مع طهران، لكنها فشلت حتى الآن في كسر الالتزام الألماني الفرنسي البريطاني المشترك بالاتفاق النووي لعام 2015 الذي تخلّى عنه ترامب، لذلك عندما سعت الولايات المتحدة إلى إعادة فرض العقوبات على إيران في الأمم المتحدة، تمّ رفضها بشدة.

من ناحية أخرى، كان وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب في القدس المحتلة الأسبوع الماضي، في محاولة لوضع المفاوضات إلى الطاولة بعد الجهود الحثيثة التي بذلها ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفنها، ولكنه تعرّض لتصرف مهين من نتنياهو وزملائه. هذا السلوك الفظ وغير المحترم يعكس تزايد سلوك الإسرائيليين الفظيع الذي يعبّر عن عدم أهمية بريطانيا بالنسبة لهم!.

إن تحقيق “حلّ الدولتين” هو مجال كبير آخر للخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا. ومع ذلك، تظهر صعوبات مماثلة في قضايا رئيسية أخرى، سواء أكانت الصراعات في أوكرانيا وليبيا، أم الأوضاع في بيلاروسيا.

ماذا نفعل؟ يمكن لزعماء الاتحاد الأوروبي أن يأملوا بفوز جو بايدن في الانتخابات، لكن ماذا لو انتصر ترامب مرة أخرى؟ عندها يمكن لأوروبا أن تتوقع المزيد من العقوبات والغباء الأناني والوحشية، حيث كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وستواجه رئيس ولاية ثانية معادياً لألمانيا على وجه الخصوص، ومحتقراً للاتحاد الأوروبي بشكل عام، وحراً في الانغماس في غرائزه المدمّرة بالكامل، وقد ينهار الناتو والتحالف عبر الأطلسي أخيراً تحت الضغط.

حتى لو تمّ تجنّب ذلك في الوقت الحالي، فإن احتمال حدوث مثل هذا الكابوس في المستقبل هو حجة مقنعة لتعزيز الأمن المشترك في أوروبا، والقدرات العسكرية والتكنولوجية وحمايتها من الابتزاز الاقتصادي والمالي. في المقابل يحثّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مزيد من التكامل والطموح والإلحاح في الاتحاد الأوروبي، لكن ميركل وآخرين قلقون. مع ذلك، يجب أن تكون أوروبا قادرة على الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية.

لن تكبح أوروبا عمليات النهب التي يمارسها اللاعبون العالميون الرئيسيون، لذلك يجب أن يقف الأوروبيون معاً. يا لها من مأساة مطلقة أن تختار بريطانيا هذه اللحظة الخطيرة للانهيار!.