مجلة البعث الأسبوعية

الرئيس الأسد ترأس اجتماع الحكومة الجديدة: الزراعة أولاً ومشاريع مرنة وتكريس ثقافة الإنتاج

أدى أعضاء الوزارة الجديدة برئاسة المهندس حسين عرنوس الأربعاء اليمين الدستورية أمام السيد الرئيس بشار الأسد.

وخلال ترؤسه الاجتماع مع الوزارة بعد أداء القسم، رحب الرئيس الأسد بالفريق الحكومي وتمنى له التوفيق في مهامه الوطنية الجسام، وقال إن الحكومة الجديدة تعني أعضاء جدداً بأفكار جديدة، وأعضاء قدامى بأفكار متجددة.. لا تعني أبداً الانفصال أو الانسلاخ عمّا سبق، أو نسف ما سبق، وإنما تعني إعادة صياغته بطريقة أكثر تطوراً وأكثر فاعلية من خلال مراجعة الرؤى والاستراتيجيات، وتطوير آليات التنفيذ. وهذه المراجعة أهميتها ليس فقط التطوير، وإنما أيضاً الاستفادة من الدروس، فالدروس بسلبياتها وبإيجابياتها تساعد المسؤول والمؤسسات على أن تستبق المفاجآت، وخاصة في الظروف التي نمر بها اليوم، وبالتالي تكون الإجراءات سابقة للأحداث وليست لاحقة. أي أن نكون استباقيين بدلاً من أن نُوصف بالارتجاليين،

 

وضع الأولويات

وأضاف الرئيس الأسد: ومن الطبيعي أنه في بداية مهمة وعمل أي مسؤول في موقع ما، وخاصة في الموقع الحكومي، وهو الموقع التنفيذي الأعلى، وبشكل خاص عندما يكون لديه الكثير من الطموحات والأفكار لبلده، أن يتساءل فيما إذا كان من الممكن حل كل المشاكل من خلال الموقع والصلاحيات والإمكانيات؟ في الواقع، حتى في الظروف الطبيعية هذا صعب، لذلك دائماً تقوم الدول بوضع أولويات. طبعاً في حالة مثل حالتنا، حالة الحرب، تضيق الخيارات وتصبح الأولويات إلزامية بشكل أكثر من الحالات العادية، وفي هذه الحالة من واجبنا أن نضع هذه الأولويات بشكل واضح ومعلن، وتكون أولويات للحكومة، لمؤسسات الدولة، وأولويات للمواطن، وقد يتساءل اي شخص، كيف أولويات للمواطن، فالحكومة تعمل لصالح المواطن، هذا صحيح ولكن أحيانا أولويات الدولة تكون غير ملامسة للحاجات الطارئة للمواطن، تكون بعيدة المدى، ولكنها ضرورية جداً ولا يمكن الاستغناء عنها، بينما أولويات المواطن هي المعاناة والحاجات التي يعاني منها بشكل يومي. فإذاً، كلا الأولويتين تصبان بالهدف نفسه وتسيران بالتوازي.

 

الإصلاح الإداري

وأشار الرئيس الأسد الى أن النقطة الأولى في هذه الأولويات هي مشروع الإصلاح الإداري الذي  أعلن عنه منذ حوالي ثلاث سنوات، من البديهي أن نقول إن الحكومة السليمة أو المؤسسة السليمة هي في الإدارة السليمة، لا يمكن أن تكون هناك إدارة سيئة وحكومة سليمة، أي شيء نقوم به في هذه الظروف من دون منهجية في الإدارة يعني أننا نقوم  بأعمال جزئية ليست مكتملة، ومؤقتة، أي غير مستقرة، أي نسميها باللغة العامية عملية ترقيع، أكثر مماهي عملية تطوير. بالإطار نفسه إذا صدرت قوانين جيدة وإذا كانت هناك سياسات ناجحة أيضاً وضعتها الحكومة، ولكن لا توجد إدارة جيدة لتدير هذه السياسات وتطبق هذه القوانين فلا قيمة للسياسات والقوانين. والشيء نفسه بالنسبة للموارد البشرية، كثيراً ما نتحدث عن وجود موارد بشرية ونقول الكفاءات موجودة وهي متوافرة.. لماذا لا نأتي بهذه الكفاءات؟ هذا الكلام جميل ولكن ليس له معنى من دون برنامج، كيف نختار الأشخاص الذين يأتون إلى الدولة؟ كيف نؤهل هؤلاء الأشخاص؟ كيف نقيّمهم لاحقاً لنتأكد إن كانوا في حالة صعود أو في حالة هبوط، حتى الجملة “الرجل المناسب في المكان المناسب”، من هو هذا الرجل المناسب وما هو المكان المناسب؟ هذه عبارة عن برامج وليست شعارات.. من خلال هذه الآليات التي نضعها داخل الحكومة أيضاً نحقق العدالة داخل المؤسسات بين الموظفين.

وأوضح الرئيس الأسد أن هناك نقطة مهمة بالنسبة لمشروع الإصلاح الإداري هي منع التقاطع بين المؤسسات وبين القوانين أحياناً داخل المؤسسات، نتحدث دائماً عن التنسيق، والتنسيق ليس مزاجاً شخصياً للمسؤول، وهو ليس صفة يتصف بها، يحب التنسيق أو لا يحبه، أو لديه هذه الموهبة، التنسيق هو آليات واضحة داخل المؤسسات، عندما يكون هناك تناقض في الصلاحيات، وعندما يكون هناك تناقض في القوانين أحياناً في المؤسسة نفسها، أي تناقض في الصلاحيات بين المؤسسات وتناقض في القوانين نفسها في مؤسسة واحدة أو في مؤسسات عدة ، فالحديث عن التنسيق يصبح أيضاً مجرد شعار لا يعني أي شيء.

وتابع الرئيس الأسد: برنامج الإصلاح الاداري يهدف إلى تقويم كل هذه الأشياء من أجل الحصول على نتائج أفضل.. طبعاً هذا المشروع لن يشعر المواطن به بشكل عاجل لأن نتائجه بطيئة وتدريجية ولكنه ضروري جداً، أي عملياً نستطيع أن نشبهه بأي نظام تشغيل لحاسوب أو لهاتف ذكي إذا كان هذا النظام – نظام التشغيل – متخلفاً فهذا يعني أن كل التطبيقات الحديثة لن تعمل بشكل جيد أو لن تعمل مطلقاً. الشيء نفسه إذا تمكنا من جلب كفاءات إلى الدولة ولكن نظام وبيئة العمل متخلفة فهذا يعني أن هذه الكفاءات لن تحقق أي نتائج وسنبقى نراوح في المكان. فإذاً المطلوب منا أن نقدم الدعم للبرنامج لأنه أساسي لنجاح وتطوير الدولة السورية بمختلف مؤسساتها ولاحقاً انعكاس هذا التطوير على المؤسسات الدنيا ولاحقاً على المواطنين.

 

مكافحة الفساد

وعن موضوع مكافحة الفساد قال الرئيس الأسد إن المؤسسات السورية ثبتت خلال المرحلة الماضية بالفعل سياسة مضادة للفساد.. أي لم تكن شعارات ولا كلاماً من أجل الدعاية.. هذا يعني أن ما تم إنجازه في موضوع مكافحة الفساد هو مهم جداً ولكن لا يعني أنه كاف.. ولا يعني أننا قطعنا مراحل طويلة.. ما زال الطريق أمامنا طويلا جداً لأن الفساد منتشر.. وعندما نقول إنه منتشر لا يعني ذلك في الدولة فقط.. الدولة مرآة للمجتمع، هذا يعني أنه منتشر في المجتمع، وأنا لا أريد أن يفهم من كلامي أن أغلب المجتمع هو فاسد.. هذا كلام غير منطقي.. دائماً الأغلبية هي جيدة، ولكن القلة الفاسدة هي التي تطغى ولديها القوة والقدرة لكي تؤثر، فالفساد منتشر وذكي ومصمم، فما بدأناه في الدولة بحاجة لجهود مضاعفة في المستقبل أكثر من التي بذلت في الماضي.. طبعاً، في هذا الإطار، القوانين هي الثغرة الأهم، هي ليست الوحيدة ولكنها ثغرة. الأهم مع ذلك أننا لم ننتظر تطوير القوانين لكي نبدأ مكافحة الفساد، فإذا كان هناك ثغرات – كما قلت مرات عدة – تسمح بالفساد وتقوننه، فذلك لا يعني أن كل الفساد يمر عبر هذه الثغرات. على العكس، فإن القسم الأكبر من الفساد يمكن ملاحقته عبر القوانين.. عندما نبذل الجهود وعندما نلاحق الفساد لا ننتظر أن يكافح من دون جهد.

 

الاستثناءات

وأضاف الرئيس الأسد: في هذا الإطار النقطة الأهم بالنسبة للقوانين هي موضوع الاستثناءات. والاستثناءات تكون بشكلين: إما أن تكون هناك فقرات تسمح بالاستثناء للمسؤول، بغض النظر عن مستواه – وأنا أتحدث الآن حتى عن رئيس الجمهورية والوزراء، وأي مستوى آخر – والشكل الآخر هو الجواز، كأن ينص القانون على “يجوز كذا أو كذا أو كذا”، فنحن أمام احتمالين على الأقل، فعندما يأتي مسؤول ويأخذ قراراً، ولاحقاً المسؤول نفسه يأخذ قراراً آخر – كلاهما ضمن القانون – فهذا يعني عدم وجود عدالة، لأنه لا توجد ضوابط، وعندما يأتي مسؤول ويأتي مسؤول لاحق يتصرف، أو يأخذ قراراً بشكل مناقض ضمن القانون نفسه، فأيضاً هذا يخلق عدم استقرار في العمل الحكومي، وأيضاً يخلق عدم عدالة بين المواطنين. قد يقول أي شخص ان الاستثناءات ضرورية.. دائماً هناك حالات استثنائية في العمل العام، وهذا صحيح، ولكن يجب وضع ضوابط متى يستثنى شخص؟ متى تجوز هذه الحالة؟ ومتى تجوز الحالة الأخرى؟ توضع ضوابط. في هذه الحالة نحن نكافح الفوضى والفساد في الوقت نفسه. فالمطلوب من كل وزير من الوزراء العودة لقوانين وزارته، وهي كثيرة. طبعاً، في سورية مئات القوانين وربما تجاوزت الآلاف، لكن هناك قوانين أساسية، تمس المواطن بشكل مباشر، لا بد من أن نبدأ بها ونضع ضوابط ومعايير لهذه الاستثناءات والجوازات، وبالتالي يصبح هذا الجزء أو هذه الثغرة تصبح مقوننة، ولكن عادلة، وتسمح لكل الأشخاص الذين يحق لهم هذا الاستثناء بأن يحصلوا عليه، ولا تسمح بالوقت نفسه لكل شخص يريد أن يمارس الفساد من المسؤءولين بأن يستخدم هذه الفقرات من أجل مصالحه الخاصة.

 

لا أحد له الحق بالتدخل بالقضاء

وتابع الرئيس الأسد: النقطة الأخرى في قضية الفساد هي موضوع القضاء. دائماً الناس تتحدث عن موضوع القضاء، ليس لأنه المؤسسة الوحيدة المسؤولة عن مكافحة الفساد، ولكن بالنهاية محصلة كل أعمال المؤسسات تصب عند القضاء، فهو يلعب دور الحكم. كل المؤسسات الأخرى عندما تمارس إجراءات لمكافحة الفساد لا تلعب دور الحكم، فربما أنا كمواطن لا أحصل على حقوقي في تلك المؤسسات.. من يعيد الحقوق هو القضاء. وعندما أتحدث عن الفساد لا أتهم مؤسسة، فمن غير المنطقي أن يتهم شخص مؤسسة كاملة. لا توجد مؤسسة سياستها فساد. أي مؤسسة هي جزء من المجتمع، وفي المجتمع هناك أشخاص جيدون، وهناك أشخاص غير جيدين، وما بينهما.. وهذا نراه في كل المؤسسات. ولكن هذا الخلل عندما يوجد في القضاء فتأثيره خطير جداً يتجاوز بخطورته أي مؤسسة أخرى. في هذا الإطار يجب أن يأخذ مجلس القضاء الأعلى دوره – وهذا هو الدور الأساسي لمجلس القضاء الأعلى – من خلال التشدد في العقوبات، عندما يكون هناك أي خروج عن أسس العمل القضائي، أو تجاوز للقوانين، أو ضرر بمصالح الناس كنتيجة للأولى والثانية. طبعاً، هذا لا يعني أبداً التدخل في عمل القضاء، لا أحد له الحق في التدخل في العمل القضائي، عمل مجلس القضاء الأعلى يأتي بعد انتهاء القضايا.. ولكن دوره المراقبة والمحاسبة.

 

دور الإعلام

وقال الرئيس الأسد: إذا كان القضاء هو الأساس في مكافحة الفساد كون القضايا تصب لديه، أي هو النهاية. أين البداية؟ البداية من عندكم، من المؤسسات. الشيء الذي يبدو مستغرباً أن الكثير من القضايا التي تمت متابعتها في الماضي لم تبدأ، ولم تتم ملاحقتها من المؤسسة المعنية، ولم تبدأ من الوزارة المعنية، وهذا خلل كبير. نحن نتوقع أن تتم الإشارة إلى قضايا الفساد من الوزارات. كثير من المسؤولين يعتمدون مبدأ أنني أنا مسؤول شريف لم أمارس أي عمل خاطئ.. هذا صحيح، ولكن هذا غير كاف. مكافحة الفساد لا تعني أن يكون المسؤول شريفاً فقط، بل يعني أن يكون شريفاً وأن يلاحق الفساد. هذا الشيء لا يحصل بشكل عام. أتمنى منكم أن تكونوا فاعلين في ملاحقة الفساد وليس منفعلين، إيجابيين وليس سلبيين. بالمحصلة مكافحة الفساد يجب أن تكون شاملة وعبر الإعلام طبعاً. الإعلام دوره مهم جداً وخاصة في قضايا التحقيقات. وأنا هنا أتحدث عن الإعلام التقليدي، وعن الإعلام الالكتروني المحترف، وعندما أقول محترفاً لأن البعض يخلط بين الإعلام وبين الانترنت، بشكل عام، ومواقع التواصل الاجتماعي.. هذه ليست إعلاما. الإعلام له أسس معينة. من الضروري أن نشجع هذا الإعلام التقليدي والالكتروني على البدء بمتابعة مثل هذه القضايا من خلال تحقيقات ووثائق لكي نقطع الطريق على الإشاعات والتقولات. فإذاً مكافحة الفساد ضمن السياسة الراهنة والسابقة، هي الضرب بيد من حديد، ولكن هذا الضرب يجب أن يعتمد على التصميم والمثابرة، وأيضاً الذكاء في التعامل مع قضايا الفساد لأنها مؤسسة من قبل أشخاص لديهم خبرة ويعرفون الثغرات في القوانين والمداخل.. كل مداخل مؤسسات الدولة.

 

البرامج وآليات العمل

أما بالنسبة لموضوع برامج وآليات العمل، فقال الرئيس الأسد: طرحت في خطابي أمام مجلس الشعب مؤخراً موضوع البرامج، ولا أعرف أيهما أدق: كلمة برامج أم كلمة مشاريع.. نترك الخيار للمختصين، ولكنني استخدمت كلمة برامج لأن المشروع قد يكون شيئاً ضيقاً جداً وشيئاً تنفيذياً على الأرض. هذا هو المفهوم المتداول، لذلك أنا اخترت كلمة برنامج لكي أستخدمها في هذا المكان، طالما أننا تحدثنا أنه لدينا مشاكل كبيرة بموضوع القوانين، وخاصة الصلاحيات والتنسيق بين المؤسسات والآليات المختلفة، فنحن بحاجة لآلية تحقق هذا التنسيق ريثما تتطور هذه القوانين والتشريعات والآليات في الدولة. وطالما أننا نتحدث عن أولويات، فهذه الأولويات تعني أننا بحاجة – في قطاعات محددة – لتحقيق تقدم سريع ونتائج كبيرة في وقت ما، وخاصة أن هناك عدداً من الجهات تكون معنية في أغلب مهام الدولة. هناك أكثر من جهة، أكثر من وزارة معنية بالموضوع نفسه وفي الوقت نفسه، فالبرنامج يجمع كل هذه الجهات في مكان واحد من أجل أن تقدم هذه الخدمة وتحقق قفزة كبيرة إلى الأمام. أحد الأمثلة هو مشروع “جريح الوطن”.ز في البداية، كان هدف المشروع هو استحقاقات كل جريح من الجرحى.. قضايا قانونية، وروتين، ومعاناة كبيرة في الوصول إلى الحقوق الشخصية والفردية لكل جريح من الجرحى.. بدأ المشروع بهذه النقطة، وانتقل لاحقاً إلى معالجة القضايا الطبية. في المرحلة الأولى، كانت وزارة الدفاع هي المسؤولة بشكل أساسي، ومعها بعض المؤسسات. في المرحلة الثانية، توسعت إلى عدد من الجهات الطبية التي انضمت إلى هذا المشروع، وكل الجهات المهتمة بموضوع الجريح أصبحت جزءاً منه، وأصبح مشروعاً واحداً يعمل بآلية واحدة. ومؤخراً، بدأ المشروع يأخذ الاتجاه التنموي، وهذا الاتجاه واسع.. هناك جهات تمويلية، هناك جهات متعددة متعلقة بالتمويل الصغير.. الآن نفكر كيف نضم هذه الجهات لإعطاء القروض للجرحى. هناك جهات متعلقة بالمنح، تقدم المنح للجريح، لا بد من أن تنضم من أجل دفع هذا البرنامج.. هؤءلاء الجرحى يقومون بمشاريع البعض منها، أو معظمها، زراعي.. كيف يمكن أن نفصل هذا البرنامج عن البرامج الزراعية؟ لا يمكن. هناك أشخاص يعيشون في مناطق بيئتها بيئة حرف، فإذا كانت هناك برامج حرفية ربما تنضم إلى برنامج جريح الوطن. هذا من جانب، من جانب آخر – إذا فكرنا باتجاه آخر – لا أتحدث عن مشروع جريح الوطن، ولكن إذا كان هناك برنامج زراعي، ربما يفكر أي واحد منا أن يأخذ الجزء المتعلق بالتنمية بالنسبة للجريح، ويجعله جزءاً من البرنامج الزراعي أو البرنامج الحرفي أو البرنامج الصناعي. لذلك البرامج هي فكرة مرنة جداً ليس لها شكل واحد، ولكن هدفها الأساسي هو تجميع الجهود باتجاه واحد، وتحدد الأهداف بشكل واضح لهذا المشروع، أو لهذا البرنامج، تحدد الآليات، تحدد الصلاحيات. وبالتالي عندما تقصر جهة من الجهات بعملها هي تتحمل المسؤولية.

مشاريع مرنة لتحقيق أهداف سريعة

اليوم، إحدى المشاكل أن جهة واحدة تقصر، ولكن الجهة الأساسية المعنية بهذا القطاع هي التي تتحمل المسؤولية، لأنه لا يوجد ربط، فالبرنامج يربط بين هذه الجهات باتجاه معين.. لنفترض أنه لدينا منطقة لديها تشابه جغرافي، تشابه بيئي، تشابه بالزراعات، تشابه بالمنتجات، تشابه بالطباع الاجتماعية، عندما نخلق برنامجاً زراعياً، على سبيل المثال، وزراعياً صناعياً لهذه المنطقة، فنحن نحقق خرقاً كبيراً ينعكس على الاقتصاد في المناطق المجاورة، وربما في المناطق الأخرى، وربما في الاقتصاد السوري. عندما نتحدث عن المنتجات الريفية، عندما نتحدث عن المواشي، عن الأبقار، عن الحليب، هل يمكن أن نتحدث عن حليب من دون معامل للتعبئة؟ لا يمكن: الأول يتبع للزراعة والثاني للصناعة. من يخلق مشروعاً مشتركاً لدعم مثل هذه المشاريع، وخاصة عندما تكون مشاريع صغيرة على مستوى الريف وغيرها. نحن بحاجة للكثير من المشاريع المرنة من أجل تحقيق أهداف سريعة، وبالوقت نفسه متقدمة. فإذاً البرنامج هو فقط إحدى الآليات التي يمكن للحكومة اتباعها من أجل تحقيق نتائج سريعة.

 

دعم الإنتاج

وعن موضوع دعم الإنتاج، قال الرئيس الأسد: قلنا إن أهم طريقة لمواجهة الحصار هي دعم الإنتاج بشكل عام، لكن من البديهي أن الزراعة تأتي أولاً في سورية. أولاً، لأن المجتمع السوري هو مجتمع زراعي عبر الأزل، منذ آلاف السنين، والخبرة متراكمة أيضاً عبر آلاف السنين في المجال الزراعي، البنية التحتية موجودة، والبيئة هي بيئة زراعية، أي بإمكاننا أن نحقق الكثير من فرص العمل بزمن قصير جداً، وبالوقت نفسه نحقق الأمن الغذائي، وهذا يعني توفير أهم عامل من عوامل الصمود. ولكن في الموضوع الزراعي، سأتحدث فقط عن الأولوية، ولن أفصل به لأن القطاع الزراعي واسع جداً، وهو عالم واسع أكثر منه قطاعاً، فنحن نتحدث عن زراعات استراتيجية وغير استراتيجية وريفية وأسرية، ومنتجات ريفية تتعلق بالزراعة، وعن مجتمع متكامل لديه شؤون وشجون. لكن المطلوب في هذا المجال أن نعطي الأولوية للزراعة، وأن تتعاون مختلف الوزارات المعنية من أجل دفع هذا القطاع بأسرع وقت ممكن. ومن الضروري في هذا الإطار أن نوفر الدعم لكل الصناعات التي تدعم الزراعة.. جزء من هذه الصناعات قد يكون صناعات غذائية، وجزء آخر قد يكون مستلزمات صناعات لمستلزمات الإنتاج، وقد يكون للمنتجات الحيوانية، أو مستلزمات تربية المواشي، كصناعة الأعلاف – على سبيل المثال – التي تأخذ أهمية كبرى في ظروفنا الحالية، وغيرها من التفاصيل الكثيرة. بشكل عام، بالنسبة للإنتاج علينا أن نركز على دعم كل صناعة أو خدمة تزيد من القيمة المضافة للمنتج الوطني، وبالتالي تكرس الاعتماد على الذات بدلاً من الاعتماد على الغير، وتكرس ثقافة الانتاج على حساب ثقافة الاستهلاك التي سادت في مرحلة ما قبل الحرب.

 

تحويل المعلوماتية إلى قطاع استراتيجي 

واعتبر الرئيس الأسد أن القطاع الآخر المهم هو قطاع المعلوماتية. هذا القطاع لا يحتاج للكثير من المواد الخام المستوردة. المادة الخام الأساسية هي العقل، العقل الشاب، المبدع، وأبواب التطور في هذا القطاع مفتوحة للتطوير وللإبداع من دون حدود، وهو لا يتأثر بالحصار. وإذا تطور هذا القطاع بحكم دخول المعلوماتية في كل القطاعات من دون استثناء، فهذا يعني بالنتيجة تطور القطاعات المختلفة بالتوازي مع قطاع المعلوماتية. هذا القطاع يتطور اليوم، ولكن بحكم الحاجة له في السوق، وليس بحكم وجود استراتيجية واضحة أو رؤية محددة لقطاع المعلوماتية، من الضروري جداً أن نفكر كيف نحوله لقطاع أساسي أو لقطاع استراتيجي، لأنه قادر على خلق فرص عمل كثيرة بكلف تأسيس محدودة وبقيمة مضافة عالية. فإذاً، بالنسبة للإنتاج، الحصار هو فرصة لكي نتعلم الكثير ونطور الكثير.. كما قلت في خطابي أمام مجلس الشعب هو محنة يمكن أن نحولها لمنحة.

 

الدفع الالكتروني يخلق شفافية إجبارية

وأشار الرئيس الأسد إلى أن النقطة المهمة الأخرى هي الدفع الالكتروني. لو فكرنا اليوم بعناوين مثل الشفافية، التهرب الضريبي، الفساد، قوة الليرة، وغيرها من العناوين، كلها تصب عند موضوع الدفع الالكتروني الذي يساهم بموضوع قوة الليرة من خلال تحويل هذه الليرة من القناة العشوائية إلى القناة المنظمة داخل المصارف، ويخلق شفافية إجبارية تجعل الدولة أو المؤسسات المعنية في الدولة، وخاصة المالية، قادرة على معرفة حركة الأموال والصرف في سوق سورية، وبالتالي القدرة بشكل أفضل على معرفة إمكانيات الجباية، أو إمكانيات التهرب الضريبي، من أجل تطبيق الجباية بشكلها الأمثل. وبالوقت نفسه هي تخفف الأعباء عن المواطن من خلال تسهيل عمليات الدفع في الأماكن المختلفة.. صدرت التشريعات المتعلقة بهذا الموضوع، قطعنا خطوات كبيرة، ما تبقى هو التجهيزات التقنية التي يفترض أن تصل خلال أشهر، والمطلوب أيضاً دعم هذا المشروع لنتائجه السريعة على الاقتصاد.

 

الإعلام وملاحقة مكامن الخلل

وعن الإعلام السوري، قال الرئيس الأسد: الإعلام السوري حقق نقلة جيدة بظروف صعبة، ومن واجبه اليوم أن يستمر في ملاحقة مكامن الخلل دون تردد، ومن واجب المسؤولين الاستجابة، إن كان بمقابلة، أو ببيان، أو بنقل المعلومة بطريقة ما عبر المكاتب الإعلامية. هناك طرق مختلفة للتفاعل مع الإعلام ونقل المعلومة، ومن الضروري توسيع دائرة الحوار في الإعلام السوري، سواء مع المواطنين أو المختصين أو المسؤولين. هذا يرفع مستوى الحوار والمعرفة، ويرفع قدرتنا جميعاً في المجتمع السوري على إيجاد الحلول للمشاكل برؤية أوسع، بدلاً من الرؤءى الضيقة التي تنشأ من خلال الحوار بين مجموعات محدودة، وخاصة عندما نحصر الحوار فقط داخل مؤسسات الدولة. وعلى الحكومة دعم الإعلام في أخذ دوره الفعال، وتحقيق كل العناصر التي تؤمن له النجاح بدلاً من العرقلة، لأن طرح المشاكل هو دعم للمسؤول وليس هجوماً عليه، هو مساعدة له. الناس ترى المشاكل، فأين المشكلة أن نراها على الإعلام.. بالعكس، هي مساعدة، وهي منصة للمسؤول، لكي يدافع عن وجهة نظره، ولكي يشرح أيضاً وجهة النظر هذه، والظروف المحيطة بهذه المشكلة..

 

التواصل والعفوية

هناك في إطار الإعلام موضوع التواصل، حيث لدينا دائماً مشكلة بين المسؤول والمواطن، ألا وهي مشكلة التواصل، بسبب عدم قدرة أو عدم رغبة.. هناك مشكلة مع الشفافية، أو في فهم مصطلح الشفافية. قد تكون مشكلة التواصل مرتبطة بقدرة هذا المسؤول على التواصل، وهذه القدرة تأتي من البيئة التي نشأ بها وربما من الموهبة التي يتمتع بها، وهذا صحيح.. وعندما لا يكون مسؤولاً، لا توجد مشكلة في أن لا يكون قادراً على التواصل، لكن بمجرد أن يصبح مسؤولاً يجب أن يبحث عن طريقة لفعل ذلك. وأنا أقول إن أسهل طريقة أن يكون الإنسان شفافاً وعفوياً. القضية ليست بحاجة لبروفات ولا لدورات، وإنما بحاجة لعفوية.. شرح لما يفكر به المسؤول، شرح ما هي المشاكل التي تواجهه، ما هي أسبابها، كل ما يحيط بها بشكل شفاف وعفوي. وأنا أعتقد ومتأكد أن المواطن سوف يتفهم، لكن لا نستطيع أن نطلب منه التفهم ولا تشرح له ولا تعطيه معطيات. عندما لا نقدم المعلومات فسيكون المواطن عرضة للإشاعات.. استخدام الإعلام الرسمي أيضاً ضروري جداً.. عندما نستخدم الإعلام الرسمي لنقل المعلومات الحقيقية والصادقة فنحن نحول الإعلام إلى مرجعية موثوقة للمعلومة. وبهذه الطريقة نقطع الطريق على فوضى الانترنت. وبالمناسبة هذه الفوضى شيء طبيعي لأن الانترنت هي ليست مؤسسة تتبع لجهة محددة.. كل من يشاء يقول ما يريد.. ولكن المواطن دائماً يبحث عن جهة يثق بها لكي يأخذ منها المعلومة، ومبادرتنا بهذا الاتجاه هي التي تقطع الطريق على هذه الفوضى وعلى سلبيات هذه الفوضى. وكل وزارة فيها مكاتب إعلامية تستطيع أن ترصد يومياً ما يطرح.. قد تكون هناك أشياء بحاجة لرد سريع فوري – حسب أهمية الموضوع – وقد تكون هناك أشياء تتراكم، وربما يكون الرد من خلال بيان إعلامي، أو من خلال ظهور للمسؤول ببيان، أو عبر مقابلة تلفزيونية أو غيرها.. الإعلام واسع ولديه طرق كثيرة.. المهم أن نبادر بهذا الاتجاه. هناك جانب آخر حول التواصل متعلق بالأمور الإجرائية.. من الملاحظ أن الكثير من المواطنين له عمل معين أو إجراء معين في إحدى المؤءسسات، ولكي يعرف ما هو المطلوب منه عليه أن يبحث عن صديق يعمل في الدولة لكي يسأله عن الإجراءات، وربما لا يصل إلى هذا الصديق، فيبحث عن صديق لديه صديق موجود في الدولة.. وكل مؤسسة لديها موقع انترنت.. لماذا لا نضع كل هذه الإجراءات عليه؟ لماذا لا تكون هذه المنصة للتواصل مع المواطن؟ ندخل إلى هذه المواقع فنرى أخبار المسؤولين.. الحقيقة كلنا وأنا معكم.. المواطن لا يهتم بأخبارنا، المواطن يهتم بقراراتنا، فلذلك دعونا نستخدم هذه المنصات للتواصل معه ولتسهيل الأمور عليه. هذا مثال بسيط للإجراءات، ولكنها واحدة من المشاكل التي نراها بشكل متكرر ومستمر.

 

أساس النجاح هو الإخلاص

وفي نهاية الاجتماع قال الرئيس الأسد.. لقد مررت بشكل سريع على عدد من النقاط.. كل وزارة من الوزارات هي وزارة مهمة، وكل وزارة فيها العديد من المواضيع، والحقيقة الكثير من العاملين في الدولة، البعيدين والقريبين وربما الأصدقاء، الكل كان خلال الأيام الماضية يرسل لي الكثير من الأفكار لكي أتحدث بها أمام الحكومة. والحقيقة كلها أفكار مهمة، ولكن لا يمكن أن تطرح في جلسة واحدة، وربما تكون هناك جلسات قطاعية كما يحصل من وقت لآخر، فهذا – كما قلت – غيض من فيض. كلنا نعرف أن الإمكانيات اليوم ليست كالإمكانيات قبل الحرب، لكن هذا لا يعني أن الإمكانيات ليست متوافرة لكي نتقدم للأمام. ولكن لن نحصل عليها من دون جهد مكثف.. الحصار لا شك بأنه مؤثر، ولكن تأثيره ليس مطلقاً، هو يؤثر في مجالات أكثر من مجالات أخرى.. في المجالات التي يؤثر فيها الحصار بشكل أقل علينا أن نتحرك بشكل أسرع ونستغل هذه القطاعات.

واعتبر الرئيس الأسد أن أساس نجاح المسؤول في العمل هو الإخلاص.. لا تخافوا من الخطأ لأن الخطأ هو جزء من الطبيعة البشرية، ونعرف كلنا أن من يعمل يخطئ، ومن لا يعمل لا يخطئ، فعلينا أن لا نخاف من الخطأ. كلنا نخطئ يومياً، وأنا أخطئ مثل أي مسؤول في هذه الدولة، والمواطن يتسامح مع الخطأ عندما يعرف أن هذا المسؤول مخلص، وعندما يعرف أنه يسعى لتصحيح الخطأ، وهذا هو التطوير، وهذه هي المعرفة التي تتراكم ونطور أنفسنا من خلالها. براعتنا هي في قدرتنا على رؤية الخطأ، وفي قدرتنا لاحقاً على تصويبه. التواضع أهم طريق بالنسبة لأي مسؤول من بينكم للحصول على محبة الناس وعلى دعمهم، والتواضع لا يعني فقط أن نعيش بشكل قريب من الناس، ولا يعني فقط ألا نستفزهم ببعض التصرفات، ولكن أيضاً احترام الرأي، وهذا لا يعني الذي أتفق معه فقط، بل الذي لا أتفق معه أيضاً. أحترم الرأي الذي اعتبره صحيحاً، وكذلك الرأي الذي اعتبره خطأً من وجهة نظري، لأن أهمية الآراء ليست بصحتها وخطئها، وإنما بمجرد طرحها ونقاشها، لأن العقل هو كالعضلة لا يمكن أن ينمو من دون تمرين، وتمرين العقل هو النقاش والحوار والتفاعل مع الناس الذي يؤدي الى التفكير السليم.. في النهاية أتمنى لكم كل النجاح في خدمة وطنكم.. وشكراً لكم.