مجلة البعث الأسبوعية

خمسة آلاف تاجر في دمشق يقررون مصير مجلس غرفتهم.. الجدل حول تعميم وزاري أفرد مساحة الترشح والانتخاب!

“البعث الأسبوعية” ــ مادلين جليس

بعد سنة ونصف من التأجيل، يسعى قرابة خمسة آلاف تاجر دمشقي لانتخاب مجلس جديد لغرفتهم، ولاسيما بعد ما سمح تعميم وزاري لحوالي الألف منهم بالترشح أو الانتخاب، هذا التعميم الذي كشف أن قانون إحداث غرف التجارة المنفردة والمشتركة، والذي حمل الرقم 8، للعام 2020، “غير موائم” للتجار وللعام الذي وضع به، وذلك بحسب رأي أهل الكار.

 

القانون أجّل الانتخابات.

آخر انتخابات لغرفة تجارة دمشق جرت في عام 2014، للدّورة 2015 – 2018، ورغم أنه من المفترض أن يُدعى التجار إلى انتخابات مجلس جديد في العام 2018، إلا أنّ التعديلات التي كانت تُجرى على قانون غرف التجارة حالت دون ذلك، بل وكانت السبب في التمديد لمجالس الغرف أربعة أشهر ثلاث مرات، ثم التمديد ستة أشهر للمجالس نفسه وفقاً لخازن غرفة تجارة دمشق حالياً، محمد الحلاق، الذي صرّح لـ “البعث الأسبوعية” أنّ التمديد كان “لانتظار تعديل قانون غرف التجارة”، وصدر لاحقاً بالقانون رقم 8.

وبين الحلاق أنّ هذه الانتخابات “يحق فيها الانتخاب لحوالي خمسة آلاف تاجر” دون أن يعطي عدداً واضحاً للمرشحين باعتبار باب الترشيح كان مفتوحاً عند إجراء اللقاء، على حين كان عدد التجار الذين كان يحق لهم الانتخاب في الدورة الماضية “ما يقارب 7000 تاجر”، مع الإشارة هنا إلى أن عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، حسان عزقول، صرح مؤخراً لوسائل الإعلام المحلية بأن عدد طلبات الترشح لانتخابات مجلس إدارة الغرفة تجارة دمشق بلغ ٢٠ طلباً.

ويبدو الرقم قليلاً جداً مقارنة بأعداد التجار الذين يحق لهم الترشح أو الانتخاب، لكنه – برأي الحلاق – عادي، فهناك بعض المستندات المطلوب جلبها من قبل التجار، مؤكّداً أنّ رقم المرشحين سيزداد حتماً في الأيام القادمة.

 

استثناءات من تحت الطاولة

في التفاصيل، يوضح الحلاق أن عدد أعضاء غرفة تجارة دمشق لغاية الثامن من آب 2020 بلغ حوالي 6600 عضواً، منهم 60 عضواً تقريباً في الدرجة الممتازة، و400 عضو في الدرجة الأولى، و400 في الدرجة الثانية، وكذلك 400 في الدرجة الثالثة، والباقي تقريباً درجة رابعة (أي حوالي 5340 تاجراً).

وتابع الحلاق: في عام 2020، تقدّم للانتساب ما يقارب 430 مشتركاً، بما في ذلك الاشتراك الفردي أو الشركات، حيث سمح القانون رقم 8 للشركات محدودة المسؤولية بالانتساب لغرفة التجارة، “فكثير من الشركات محدودة المسؤولية، أو ما يطلق عليها عادة بشركات الأموال، انتسبت إلى الغرفة”.

وعن عدد المرشحين، قال الحلاق إن باب الترشيح لا يزال مفتوحاً وليس هناك أرقام نهائية، موضحاً أنّ المترشح لعضوية مجلس الغرفة يتم الكشف عن اسمه للتأكد من أنه سدّد ما عليه من التزامات مالية منذ العام 2016، بالنسبة للمرشح، أمّا بالنسبة للمنتخب فمنذ العام 2017، مبيناً أن عدد من يحق لهم ممارسة حق الانتخاب في الغرفة يبلغ حوالي 5000 عضواً.

إلا أنّ استثناءات يبدو أنها تمرّر من تحت الطاولة، لكنها تحجب بغطاء قانوني، منها التعميم الذي صدر مؤخراً عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلال برازي (رقم التعميم 790/1 تاريخ 3 /7 /2020)، والذي سمح بموجبه للتاجر أن يسدد التزاماته المالية دفعة واحدة، وليس كما ورد في قانون غرف التجارة، بالتسديد كل سنة لوحدها. وبرأي الحلاق فإنّ هذا التعميم ألغى الكثير من الأمور وخفف التقييدات كثيراً على المرشحين، فسمح للمرشح أن يكون قد سدد كل هذه الالتزامات ولو كانت دفعه واحدة.

 

تعميم الوزير أحدث خللاً

يبدو في كلام الحلاق ما يؤكد أنّ التعميم الوزاري يناقض قانون الغرف، إضافة إلى تصريحه بأنّ هذا التعميم أحدث خللاً كبيراً، حيث يقول: في حال أراد العضو الترشّح ودفع سنة حالية، ثم سنتين للوراء، لا يحق له الترشّح، ولكن لو كان سدّد التزاماته للعام 2017، والآن سدّد التزامات 2018 و2019 و2020 فيمكن له الترشّح، وهذا ما أحدث خللاً، وأضاف: لا يجب أن يتلاعب أي أحد بالقانون، ولا أحد يعرف ما الفكرة من استثناء هذا العام.

ولم تكن هذه النقطة الوحيدة التي أثارت حفيظة التجار، فمازالت إشكالية حساب درجة التاجر بحسب عدد عماله تستعصي على تجار غرفة تجارة دمشق، وغيرهم من غرف المحافظات، خاصة أن هذا الشرط – بحسب خازن غرفة تجارة دمشق – تسبّب بانخفاض أعداد المنتسبين والمشتركين في الغرفة بشكل كبير، وكان له أثر سلبي في انخفاض إيرادات الغرف وهيكليتها بشكل أو آخر، وسبّب تشوهاً في قطاع الأعمال.

وأضاف أن هذا الشرط أيضاً أخرج الكثير ممن كان تسجيلهم في الغرف ضمن درجات عالية أو منخفضة بسبب عدم وجود عمالة لديهم على اعتبار أن مصالحهم لا تحتاج إلى عمالة، ولذلك قام العديد من التجار بتسجيل أولادهم أو زوجاتهم أو أقربائهم كعمال لديهم. واعتبر الحلاق أن هذا الأمر سبب تشوهاً في كل شيء: في البيانات المستخدمة في المنشأة أو المؤسسة، وفي الأرقام والإحصائيات لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأيضاً أساء للمسجلين بالدرجات العالية الأولى والثانية بعدما ألزم البعض بأن يسجل عاملاً ويخفّض درجته، أي أن هذا التاجر بقي لمدة 20 سنة أو أكثر في الدرجة الأولى، والآن بعد صدور هذا القانون انخفض عن الدرجة الأولى بسبب عدم وجود عدد العمال الكافي، وأضاف هذا الأمر خاطئ حتماً.

 

قانون التأمينات غير منصف

وتلك قضية حساسة وجوهرية أيضاً، إذ يرى الحلاق أن عدد عمال التاجر غير محقة أبداً، مشيراً إلى أن التاجر هو ممارس مهنة وليس بالضرورة أن كل ممارس مهنة يكون لديه عمال، فالتاجر ليس صناعياً يحتاج عدداً من العمال بحسب رأيه.

ورأى أيضاً أن هناك مشكلة أخرى في قانون التأمينات الاجتماعية الذي لا ينصف العامل بشكل كامل، والمشكلة أيضاً في منعكسات تسجيل العامل في موضوع المالية من ناحية ضريبة الرواتب والأجور التي هي أيضاً غير منصفة، فالحد الأدنى المعفى من الضرائب هو 15000 ليرة، بينما الحد الأدنى لتسجيل عامل هو 50,000 ليرة، وبالتالي يدفع التاجر ضريبة الرواتب والأجور، وهي برأيه غير محقة وغير مطلوبة منه، وهذا التشوه كله يؤدي إلى عدم وجود بيانات صحيحة، ومع ذلك فإن عدد العمال المسجلين أمر غير معروف.

 

تناقضات هيكلية وقانون غير موائم

على الرغم من كثرة المشكلات التي تقف بين الحكومة والتجار، إلا أن عدم استقرار التشريعات يبدو أنه الأهم، برأي خازن غرفتهم، فعلى حد قوله: لا أحد يعرف ماذا تريد للحكومة!!

لكن ذلك يتزامن مع تناقضات هيكلية في عمل الوزارات فندها الحلاق بقوله: دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تأمين المواد والسلع كافة، وبأرخص الأسعار، أما وزارة الاقتصاد ومصرف سورية المركزي فدورهما تخفيض وترشيد الاستيراد حسب الظروف العامة، بغض النظر عن الرخاء أو الشدة، وحسب ما يتوفر لديهم من قطع أجنبي ومستلزمات القطر، أما وزارة المالية والجمارك فدورهما اقتصاص ما يستطيعان من أموال من أجل الإنفاق بالشكل العام، ويأتي دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في التنسيق وتسجيل العمال بشكل كامل واقتطاع الأموال من أجل تسديد رواتب المتقاعدين.

وتابع الحلاق: أي أن كل جهة من هذه الجهات لها دورها، ولكن بالتدقيق فيها نرى أن دور كل جهة منها متعارض مع دور الجهة الأخرى، وبالذات دور وزارة التجارة الداخلية التي تحاول توفير المواد بأرخص الأسعار، بينما وزارة الاقتصاد مهمتها تخفيف الفاتورة وترشيد الاستيراد.

لكن المنسق العام في كل ذلك هو غرفة التجارة، والتجار والصناعيون والزراعيون الذين يمتلكون خبرات في مجالاتهم، أي أن المنسق العام في كل ذلك هو القطاع الخاص بالتشاركية مع الحكومة التي هي صاحبة السلطة، أي أنّ كل واحدة من هذه الغرف تشارك الحكومة في الإجراءات الأمثل للقيام بها.

وبالرغم من أن التعميم الذي صدر مؤخراً كان من المفترض أن يضع النقط على الحروف، ويحسم الأمر بشأن الانتخابات إلا أنه جاء ليصب النار على الزيت، وليكشف عدم دراية متخذ القرار بالبيئة التجارية، حيث يرى الحلاق في التعميم “إقراراً من الحكومة بأن قانون غرف التجارة الذي صدر مؤخراً غير موائم لعام 2020، مع كل الاحترام للحكومة وجهدها الذي بذلته فيه، لكن هذا التعميم يثبت أن القانون بحاجة إلى تعديل رغم أنه صدر حديثاً”، كاشفاً أن عدد المستفيدين منه لا يتجاوز الألف، وهم الذين يحق لهم الترشح أو الانتخاب.

 

الحكومة تغرّد لوحدها

وعلى الرغم من اهتمامها الكبير بالقطاع الخاص، إلا أنه – أي القطاع الخاص – يرى أن الحكومة تتخذ كل قراراتها دون الرجوع إليه، أو حتى إشراكه في هذه القرارات لتنظيم عمله، حيث يتهم الحلاق الحكومة بأنها تفكر لوحدها وتقرر لوحدها من دون إشراك القطاع الخاص بقراراتها بشكل أو بآخر، والمشكلة الحقيقية – كما يرى الحلاق – هي عدم استقرار التشريعات.

ويطرح مثالاً على ذلك إجازة الاستيراد، فمنذ أيام كانت إجازة الاستيراد مسموحة لمدة سنة، والآن انخفضت إلى ستة لأشهر، ويؤكد أن هذا الإجراء اتخذ دون أن يعلم أحد سبب ذلك: حاولنا معرفة السبب لكن لم نعرف حتى الآن!!

وختم الحلاق: كمواطن سوري، قد أتقبل عدم استقرار التشريعات، لكن المصدّر الخارجي الذي يعاني التاجر السوري معه أشد المعاناة ليبيعه البضاعة لا يتقبل هذا الأمر وهذا التخبط وعدم الاستقرار، وأصبحت له منعكسات سلبية كبيرة، وأصبح المنعكس خارجياً.

 

الردّ الحكومي: التعميم مطلب

لكن للقطاع الحكومي رأي مخالف تماماً لما جاء به التجار، حيث يقول معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب في تصريح لـ “البعث الأسبوعية”: كافة القرارات التي تخص التجار وغرف التجارة يشارك فيها ممثلون عن غرف التجارة بالمحافظات كلجان التسعير وتعديل القوانين والأنظمة النافذة وجميعها شاركت فيها غرف التجارة.

وحول ما أثير مؤخراً حول التعميم الذي صدر عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلال برازي (رقم 790 /1 تاريخ 3 /7 /2020)، والآراء التي قيلت من أنه مخالف لقانون غرف التجارة رقم 8، رد شعيب أن هذا التعميم “صدر بناء على مطالب الغرف”.

وحول اعتراضات التجار التي بدأت مع صدور القانون رقم ٨، ولم تنته حتى الآن، وخاصة حول حساب درجة التاجر بناء على عدد العمال، أكد شعيب أن التجار اشتركوا في هذا القانون “من الأول للآخر”، وأضاف أنه نوقش في مجلس الشعب بوجود ممثلين عنهم، وحتّى اعتراضاتهم على حساب الدرجة بناء على عدد العمال، فكل ذلك تم بموافقة التجار وغرف التجارة.