مجلة البعث الأسبوعية

سورية تتوزع على سبع مناطق متجانسة !! التنظيم العشوائي ترك دمشق فريسة للمخططات الارتجالية

“البعث الأسبوعية” ــ ابتسام المغربي

لا شيء أهم من التخطيط العمراني ومشاريع البنية التحتية، فمن خلال هذه المشاريع وجودة تنفيذها يتم الحكم على تطور البلاد. فما الذي ينقصنا؟ ولماذا وصلنا إلى هذا الدرك عمرانياً وخدمياً؟!

يمكن اختصار المسببات بضعف الأداء الحكومي في هذا المجال، وإصدار الخطط دون متابعتها، وتهميش وإضعاف المؤسسات المهمة كالتخطيط الإقليمي باتباعها لوزارة الإسكان، وتغييب خطط هيئة التخطيط والتعاون في مجال التطوير والتحديث المطلوب!

 

عنوان عريض

وكانت كلية العمارة في جامعة دمشق عقدت مؤتمراً لإعادة الإعمار “طبّلت” وسوقت له كثيراً، وبذخت بالضيافة، وبهرجت الحضور بالرسميين والخبراء الأجانب، مع أنها لم توفر الترجمة المطلوبة! إلا أن المؤتمر جاء دلالة صارخة على ضياع الهدف وعدم وضوح الرؤية!!

ورغم وجود محاضرين كباراً إلا أن الحوار كان عكس ذلك تماماً، واعتبر مؤشراً سلبياً عن الهدر في غير محله، فأين التوصيات؟ وأين خطة التنفيذ والرؤية أن وجدت؟ وكذلك ما يخص ندوة الاستملاك التي عقدت في نقابة المهندسين.. أين هي توصياتها؟ وما هي الأهداف التي خرجت بها؟ والمعروف أن الاستملاك عنوان في غاية الأهمية لدى الحديث عن إعادة الإعمار، لأنه مشكلة بحد ذاتها.

 

التنظيم العمراني

يقول الدكتور خالد الفحام، االمعماري المتميز والباحث بأسباب تدهور العمران والأراضي الخضراء،

إن أخطاء التنظيم تتوالى لنخرج بهذا الواقع الذي لا يمكن وصفه إلا بإنه تخريب للمدينة.. فعندما أزحنا شبكة النقل الجماعي التي كانت تخدم دمشق وضواحيها، بدأنا بالتخريب الذي تطاول على العمران التاريخي، والغوطة التي تم التعدي عليها بلا رحمة، وتم إرساء عمران لا سمة حضارية له، في تجاهل تام للقيم الطبيعية والبيئية.. تحولت الغابات إلى بيتون مسلح، وعمت ثقافة الباعة في كل الفراغات العمرانية، من المزة إلى شارع فيصل وشارع الثورة.. كل هذا ولم يخضع المصور التنظيمي لأية مراجعة وفقاً لما طرأ على أرض الواقع من متغيرات استفاق لها الوعي الوطني عندما تمت المباشرة بالدراسات التفصيلية للمخطط الذي قدمته “خطيب وعلمي” والتعديلات الكارثية التي ستتم على مساحات من التراث الطبيعي والتاريخي، والذي علت الأصوات لمواجهته حين تم إعلانه..

ويؤكد الفحام أن كثيراً من المستجدات والأعمال التنظيمية العشوائية تركت المدينة فريسة لتعاقب المخططات المحلية الارتجالية التي تفتقر للمنهجية العلمية.. أن مشكلات التخطيط، وماحدث لدمشق، تحتاج إلى الوقوف بوجه المصالح والأطماع وكل ما ينتجه الفساد والمستثمرون، وأي تنظيم يزيد عدد الأثرياء ويهتم بتحويل الأراضي الزراعية إلى جرداء، ويزيد من الاكتظاظ العمراني، ويؤكد أننا ضحايا أداء بعض الأوصياء على المدينة!! في ظل ضعف شامل للمؤسسات المعنية وغياب كلي للضوابط والقوانين والمعايير المحلية والعالمية.

 

المؤسسات العامة

المهندس وجيه السراج، مدير فرع الديماس للإسكان، أكد على ضرورة تعديل القوانين لدخول شركات مشهود لها عالمياً.. وحينها سيتطور آداء شركاتنا الوطنية من خلال الاطلاع على النظم الحديثة.

وللدخول في مجال إعادة الإعمار، تحتاج المؤسسة إلى شروط كثيرة، أهمها التمويل كونه محوراً أساسياً، والمؤسسة لديها المرونة للتعامل مع ذلك ولديها الإمكانيات.. ولا يمكن أن يكون التمويل مركزياً، كما كان في ضاحية عدرا التي تأخرت لعدم كفاية التمويل وكان بيد لجنة في الإدارة المحلية. والمشكلة الأكبر هي مشاريع البنية التحتية التي تزيد الأكلاف رغم أن بعض المؤسسات – كالاتصالات – تنفذ شبكاتها، وكذلك المياه، وتبقى الكهرباء الأعلى في التكلفة بسبب تنفيذ المحطات ومراكز التحويل والشبكات..

نتمنى دخول شركات صينية وروسية لمشاريع الإعمار. والاطلاع على التجارب المتطورة.

ترميم المجتمع

الدكتور طلال عقيلي، أستاذ في التخطيط العمراني، وباحث في مجال التراث والعمارة التراثية، يقول أن إعادة الإعمار ليست الهدف بحد ذاته، إنما نحتاج إلى ترميم ما تضرر في المجتمع السوري. أن مفهوم المجتمع السوري للجوار، للقضايا المشتركة، يجب أن يكون هدفاً.. لا نريد أبنية تشوه المجتمع بصرياً، وإنما إعادة المجتمع الذي سيعيش في هذه الأبنية.. لا نريد مخالفات لا فوق الطاولة ولا تحت الطاولة، نريد عودة المجتمع، وسكناه وفق رؤية تتناسب معه بكل ما يعني ذلك من خصوصية، عودة الحارة وعاداتها التي استمرت مئات السنين، وشكلت عمارة خاصة وذهنية أعطت الإبداع على كافة الصعد.

المهندسة وسيلة كشكية، التي عملت في وزارة الداخلية وهيئة التخطيط الإقليمي، ترى أن أهمية الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي تكمن في تعاطيه مع احتياجات التنمية المكانية المتزايدة، من خلال تنمية مكانية متوازنة وتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، مشيراً إلى أخهمية توزيع سورية على سبع مناطق متجانسة طبيعياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، إضافة إلى أهمية تحديد وقوع سورية بين ثلاث قارات وخمسة بحور.

وترى كشكية أن منهجية التنمية المتبعة في ىسورية منذ السبعينيات تركز على المحور شمال – جنوب وعلى شريط الساحل وحرمان الإقليم الشرقي من التنمية، ما أدى إلى انتشار المدن على محاور الطرق وزيادة الاستثمارات المتعدية على الأراضي الزراعيةن وخلق تدهور بيئي كبير، وتحول المناطق الشرقية إلى مناطق طاردة للسكان لتأثرها بالجفاف ونقص المردود الزراعي رغم ثقلها في الناتج الاقتصادي الوطني، ما يتطلب توجيه التنمية نحو المناطق الواعدة زراعياً ووضع إدارة متكاملة للتراث الطبيعي والثقافي وربطه بالمجتمعات المحلية وتعزيز الإنتماء بالهوية الوطنية.. وجميع هذه التوجهات تم شملها بمسودة خطة تنموية لم يتم اعتمادها. وتتساءل وسيلة عن أسباب ذلك، وترى أن المركزية في اتخاذ القرار، وعدم الجرأة في اتخاذ القرار لدى الإدارة المحلية، وعدم توفر الكوادر المؤهلة في إدارة البلديات، لعبت دوراً سلبياً في التدهور العمراني.

 

معهد

أحدث المعهد العالي للتخطيط الإقليمي لسد الفجوة القائمة في التخطيط العمراني، ولكن دوره تحول إلى إعطاء شهادات باختصاصات مختلفة، وابتعد عن التخطيط ووضع الرؤى المفروض، بدلاً من أن يكون أحد الاذرع الرئيسية لتحقيق ذلك. فأين هو المعهد منتديم دراسات متكاملة في التخطيط الأقليمي والعمران وتدقيق المخططات التنظيمية، ودراسة التوسع في المدن ومناطق إعادة الإعمار، وإجراء مداخلات على المخططات التنظيمية، ووضع هيكليات إحداث مديريات عمل لتنفيذ خطط الدولة. وتقديم دراسات استشرافية للقرارات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية السكانية؟

 

هيئة التخطيط الإقليمي

واذا بحثنا في ملف هيئة التخطيط الإقليمي فسوف نجد أنها أكثر بعداً عن تحقيق أهداف إحداثها، فالهيئة التي كانت مستقلة وتتداخل في كل ما يتعلق بالتخطيط الإقليمي، وأوقفت مشاريع غير مدروسة كفاية، تحولت إلى مجرد دائرة، وهيكلية بلا عمل.

 

ماذا بعد؟!

لنخرج من إطار المصالح الضيقة، ولنعد إلى الخطط، ولنراجع خطط وزارة الإسكان لنطلع على كم الفوضى وإدارة عمل الشركات، ولنكتشف كم هي مرتفعة أكلاف البنية التحتية، وكم هو صعب دور المؤسسات العامة بغياب النواظم والمحددات والرؤى التي تستند إلى وعي الموارد والإمكانيات والخبرات المطلوبة، والتي تؤكد أن مسارنا تقف في طريقه سدود الفهم الخاطئ لدور المؤسسات العامة، وتغليب اسم ورأي المسؤول على الخطط والمعرفة والخبرة.. مطباتنا عالية، ولكننا نستطيع هدمها بوضع الخبرات والكفاءات في مواقع اتخاذ القرار في التخطيط والتنفيذ والمتابعة، والأهم الوقت وعدم استنفاده بعدم المساءلة، علينا وضع خطط قابلة للتنفيذ، وإلا فما جدوى تكديس رؤى وأوراق لا ينفذ منها بند!!