مجلة البعث الأسبوعية

هل عاش القدماء ألف عام.. أم أنها أخطاء حسابية؟!

تحدّثت الكتب السماوية عن أشخاصٍ عاشوا أعماراً طويلة بلغت 900 سنة، وهي أعمار يجدها بعض المعاصرين غير قابلة للتصديق.

يقول الخبراء إن هذا الاختلاف يرجع إلى سوء فهم متعلّقٍ بترجمة النصوص القديمة، أو أنّ الأرقام في تلك الثقافات كان لها معنى رمزي.

وقد يبدو ذلك شرحاً منطقياً، لكن في المقابل توجد حُجَجٌ مضادّة أيضاً للتفسير السابق تترك المؤرخ يتساءل عما إذا كان عمر الإنسان قد انخفض بشكلٍ كبير فعلاً على مدار آلاف السنين الغابرة؟

على سبيل المثال، أحد التفسيرات الحالية لموضوع طول أعمار السلف هو أنّ مفهوم الحضارات القديمة لمدة السَّنَة يمكن أن يكون مختلفاً عن مفهومنا للسنة في أيامنا الحالية (365 يوماً)، فربما كانت السنة تعني قديماً دورة واحدة للقمر (شهراً) بدلاً من الدورة الشمسية (12 شهراً).

وحتى إذا أجرينا حساباتنا على ذلك الأساس، فسنجد أن عُمر النبي آدم – الذي تثبت التوراة أنّ عمره 930 سنة – سينخفض وفق هذه الحِسبة إلى 77 عاماً في وقت وفاته.

ربما يكون هذا العدد من السنين أكثر منطقيةً في العصر الحالي، إلا أنه يعني أيضاً أن آدم أنجب ابنه شيت في سن 11 عاماً. وكان عمر أخنوخ – الجد الأكبر للنبي نوح – يبلغ من العمر 5 سنوات فقط عندما أنجب ابنه متوشلخ!

 

وقد أشارت كارول هيل، في مقال لها بعنوان “تفسير الأرقام في سفر التكوين”، إلى أنّ تضارباتٍ مماثلة ستنشأ عندما نعدِّل أرقام السنين لتمثِّل فصول السنة بدلاً من المدارات الشمسية، بمعنى أن تكون السنة القديمة هي عبارة عن فصل من فصول السنة (3 أشهر فقط)، مثل الصيف أو الشتاء، وليس مجمل السنة كما نعرفها الآن.

كما ظهرت أرقامٌ غير منطقية أيضاً عند محاولة ضبط الأعمار الواردة في النصوص القديمة، مع افتراض أن المؤرخين كانوا يستخدمون نمطاً معيناً لتحريف الأعمار الفعلية (مثل ضربهم عدد السنين بعددٍ معين). فقد كتبت كارول في مقالها: “يمكن أن يكون للأرقام في التوراة معنى حقيقي (رقمي)، ومعنى مقدّس (أي رمزي)”، ومن هنا جاء اللبس.

في وثيقة أثرية تضمّ ملوك سومر، يبلغ عمرها 4 آلاف عام، وفي نصوص التوراة، يظهر في بعض الحالات أنّ عهد الملك الواحد قد تجاوز 30 ألف عام. لاحظ المحللون استخدام الأعداد المربعة، أيّ أنّه لو كان هناك ملك حكم 20 عاماً، فتضرب تلك الـ 20 بنفسها: 20×20= 400 عام.

ومثل التوراة تظهر الوثيقة السومرية انحداراً ثابتاً في الأعمار مع مرور الزمن. وتميِّز القائمة السومريّة بين عهد ما قبل طوفان نوح وما بعد الطوفان.

فعهود الحكم قبل الطوفان أطول بكثير من عهود ما بعد الطوفان، على الرغم من أنّ أعمار ما بعد الطوفان تظهر أيضاً عدة مئات من السنين أو حتى أكثر من ألف عام.

أما في التوراة، فيلحظ العلماء انخفاضاً تدريجياً في الأعمار على مدى أجيال، فمثلاً عاش النبي آدم 930 سنة، بينما عاش نوح 500 سنة، وعاش إبراهيم 175 سنة، وفقاً للتوراة.

أما القرآن، فيذكر أن النبي نوح لبث في قومه 950 عاماً، دون أن يوضّح كم عاش قبلها، وكم عاش بعد الطوفان الذي أهلك معظم قومه.

يقول الباحث في جامعة برانديس، دوايت يونغ: “لا تبدو هذه الأرقام مصطنعة بسبب ضخامتها. فسنوات الملك إيتانا الـ 1560، وهو الأطول عمراً من بين ملوك ما بعد الطوفان، ليست سوى مجموع سنوات عهدي الملكين السابقين له. ويبدو أن بعض الأعمار نشأت كمضاعفات للرقم 60. ويمكن التعرف على أعداد كبيرة أخرى على أنها مربّعات للرقم الحقيقي.. مثلاً 900 عام هو مربع 30 عاماً، وكذلك 625 هو مربّع 25 عاماً، و400 عام هو مربع 20 عاماً”.

ولا تقتصر الأعمار الطويلة على الشخصيات الشرقية، أو تلك التي ذُكرت في الكتب السماوية، بل كان المعمرون في الصين القديمة موجودين أيضاً، فقد عاش طبيب يدعى كوي وينزي من نسل تشين ليبلغ من العمر 300 عام، وعاش جي يولي من نسل هان 280 عاماً.

وقد يكون مفتاح الشرق لطول العمر هو “الحياة المغذية”، ليس فقط التغذية الجسدية، ولكن أيضاً التغذية العقلية والروحية.

ففي كتاب الملوك “شاهنامه” قصيدة ملحمية فارسية كتبها أبو القاسم الفردوسي في نهاية القرن العاشر الميلادي، حكى عن الملوك الذين حكموا ألف عام، ومئات السنين، وصولاً إلى 150 عاماً.

وحتى في هذه الأيام، قد يبلغ أحدهم عمر 150 عاماً أو أكثر، وغالباً ما يحدث ذلك في المناطق الريفية، حيث تكون الوثائق قليلة مقارنةً بالمُدن. وربما كان التوثيق أقل قيمة في المجتمعات الريفية منذ أكثر من قرن، ما يجعل من الصعب إثبات مثل هذه الادعاءات.

ففي عام 1996، في نيبال، قال بير ناريان تشودري إنّه يبلغ من العمر 141 عاماً. ولم يكن لدى تشودري الأوراق التي تُثبت ما يقوله، لكنه كان حاضراً بقوة في الذاكرة الجماعية للقرية. فقد كان يتذكره جميع الشيوخ تقريباً أيام شبابهم حين كان تشودري يتحدث عن العمل في التعداد الأول لنيبال عام 1888.

وبالمثل، يدَّعي العديد من الأشخاص في منطقة القوقاز في روسيا أن الأعمار تصل حتى أكثر من 170 عاماً، من دون وثائق عادةً لدعم ادعاءاتهم.

لكنّ العوامل المتكررة في هؤلاء الذين عاشوا حياة طويلة بشكل استثنائي أنهم عاشوا حياة متواضعة دوماً، وأدوا أعمالاً بدنية شاقة أو تمارين رياضية، غالباً في الهواء الطلق، من الشباب وحتى الشيخوخة.

كما أنّ نظامهم الغذائي بسيط، وكذلك حياتهم الاجتماعية التي تشمل أسرهم. ومن الأمثلة على ذلك شيسالي ميسلنلو، الذي عاش 170 عاماً، وعمل بستانياً في منطقة أذربيجان في روسيا. ولم يعرف ميسلنلو الاستعجال أبداً في حياته.

في النهاية، لا يمكننا تطبيق قواعد العصر الحالي على العصور القديمة، حيث كان الهواء نقياً والنظام الغذائي مختلفاً تماماً عن وضعنا حالياً.

ويُترك للعلماء المعاصرين خيارهم: إما تصديق ما تقوله السجلّات القديمة وذاكرة القرية عن المدى العمري الذي يبدو غير معقول بقياسات عصرنا، أو أن يضعوا في اعتبارهم المبالغات الحسابية، أو الرمزية، أو سوء الفهم الذي ذكرناه بالأعلى.

وبالنسبة للكثيرين، الأمر ببساطة هو مسألة إيمان!