ثقافةصحيفة البعث

“منذ الأزل”: “بشرفك خلص”

أغنية “منذ الأزل” التي تنتمي لعالم “الفيديو كليب”، وبلغة أكثر دقة إلى نوع اسمه “ميوزكال-فيديو”، وهو حامل قوي للفنون، ورائج كالنار في الهشيم هذه الأيام، ببساطة لأنه تجربة فنية جميلة، فيها من السينما الصورة، ومن الموسيقى اللحن، ومن الكلام الشعر، إنها جرعة مكثفة من الفنون، وتناسب الجمهور صاحب مزاج الفرجة السريعة، نظرا لقصر وقتها، ولهذا يمكن الحكم على هذا النوع من الفنون حسب مكوناته.

بالنسبة للإخراج أو اقتراح حركة الشخصيات الذين يقدمون شبه قصة، نرى منها سيارة بيضاء كشف “كابريس موديل 1982” مطعمة بقطع “شفروليه موديل 1984” تأتي من جهة مبنى الجامعة القديم، وعن يسارها المتحف الوطني، الشارع جميل ومرصوف بحجارة بازلتية، والمكان يعطي أجواء رومانسية، السيارة تقترب من الكاميرا، وقبل ذلك بثوان تكون قد بدأت كلمات الأغنية. إلى الآن الأمور على ما يرام، لولا الكلمات التي يؤديها المغني بطل -الفيديو كليب- والتي يجب التوقف عندها “أنا ما رديت/ سمعت القصة وفليت/ آه مليت، كنتي معي، باللاوعي، عم قلك تعي، يا لله رجعي/ فهميني كيف/ ما قهوة ورصيف/وشوية مطر/ وبلحظتها بلش خفيف/ بتقليليش”.

الكلمات في المقطع السابق ليس هناك أي رابط بينها، ولا يمكن فهم ما هي الذهنية التي اعتمدت في رصفها بجانب بعضها البعض، كيف يقول “كنتي معي باللاوعي”؟ اسمه –اللاوعي-وعندما نعيه يصبح وعياً ويتوقف عن كونه لاوعياً، شاعرنا يعلم أنها كانت معه هناك في “اللاوعي” ويقول لها “تعي” هناك حوار كامل إذا في لا وعيه، هذا باختصار شعر هلوسة، لا يجمع بين كلماته إلا القافية، والتي يبدو أن مؤلفها لا يشق له غبار في القوافي، لكنه في المعنى حدث ولا حرج.

لا تقتصر الهلوسة فقط على الكلمات، ما نراه أن ثمة خلافاً عاطفياً بينهما، وهي تنزل من السيارة وتمشي في حال سبيلها مبتعدة، ثم يحاول اللحاق بها، فيبرز أصدقاؤه فجأة لا نعلم من أين، ويبدؤون بثنيه وإمساكه عن اللحاق بها، فيبدو المشهد كأنه مشكلة “قتالة”، ينجحون أخيراً بإقناعه بكف الأذى عنها، ويصعدون بحركة متفق عليها إلى السيارة وهم يعزفون ويغنون فيها، يجوبون في الشوارع لنسمع المقطع التحفة الثاني من الأغنية: “أنا عشت القصة وضعت بنصا ومالي حصة عرفتي كيف/ ماعطيني فرصة عملت جرصة ويا لطيف”، ثم تظهر الفتاة في حديقة تقرأ في كتاب “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، يقترب نحوها عازفا على الغيتار وينحني على ركبة ونصف أمامها، لكنها تنهض وتغادر، ثم لقطات من يمين الكادر إلى يساره يحاول أن يسترضيها بالحركة “المونتاجية” السريعة، وبأداء أقرب إلى “التلطيش” أو التحرش، بعدها يتكرر المشهد الذي يهجم فيه عليها ويمسكه الأصدقاء؛ كل الأفعال التي تقوم بها الشخصيات لا تؤسس ولا تقترب من شبه قصة بصرية، لأن هذا النوع يقوم بثلاث طرق: إما أن يقف المغني ومن معه قبالة الكاميرا ينظرون إليها وهم يؤدون رقصات، أو يكتفون بالغناء، والاحتمال الثالث أن تكون على شكل قصة، يبقى احتمال ضعيف أن تكون رسوم كرتونية، وقد تجتمع الاحتمالات السابقة، اثنان أو ثلاثة معا، هذا المقطع “منذ الأزل” يتعامل مع قصة مرئية بالمشاهدة ولكنها غير مكتملة وغير مفهومة، ما يزيد من ضراوة هذه المشكلة صوت المغني الذي يؤدي بطبقة منخفضة لستر عيوبه الصوتية على مستوى المساحة و”الأوكتاف”، فيبدو كأنه لا يجرؤ على رفعه في وجه الجمهور، مما يجعل هذا الصوت المرهف، الناعم، لا يتناسب مع أفعال الغضب والشروع بالقتال الذي يمنعه عنه الأصدقاء من فاعلي الخير.

الفتاة تبدو بعيدة عن الفيديو كليب نفسه، أصدقاء يعزفون أو يقومون بمنعه عن الغضب والتهور، بينما هي تظهر ثم سرعان ما تبتعد، لا تفعل شيئاً إلا أن تبتعد مفارقة، حتى عندما تضع يديها على وجهها وتفتح أصابعها لتظهر عيناها، سرعان ما تلتفت وتبتعد، في خضم كل ذلك تبدو أنها لا تمتلك القدرة على النطق، ولو على مستوى تحريك الشفاه أثناء الموسيقى للإيحاء بأنها تقول شيئا ما.

يُحسب لهذا العمل أنه يُظهر شوارع معروفة من دمشق، بطريقة جميلة وفاخرة، وهنا لا بد من الإشادة بالصورة البديعة التي تكشف عن مواهب “رامي معقد” الذي يقدم مستوى سينمائي احترافي واعد، يرقى إلى لغة بصرية تكشف عن فهم جيد لديه بطبيعة المادة التي يشتغل عليها، فشكل رافعة كبيرة للعمل، جعلته يحقق فرجة لكنها معطوبة الكلمات والموسيقى والأداء.

“منذ الأزل” هي الأغنية السابعة من ألبوم “تجربة رقم 1” لفرقة “سفر” السورية المعاصرة التي انطلقت عام 1999. ظهر العمل مؤخراً على طريقة الفيديو كليب، وهو من إخراج يزن شربتجي، الأغنية من كتابة وتلحين وتوزيع أعضاء الفرقة.

يبقى أن نذكر، بأن الكلمات “الفلكية” التي ربحتها موسوعة الشعر العربي مع هذه الأغنية، غير محددة اسم الشاعر المبدع الذي قام بنظمها، فقد جاءت بتوقيع كل الفرقة، وقد يكون ذلك حرصاً عليه، وهكذا يتقاسمون المسؤولية جميعاً عن هذه الإساءة للشعر!.

تمّام علي بركات