مجلة البعث الأسبوعية

“التربية” أمام امتحان عودة أكثر من أربعة ملايين طالب وطالبة.. واقع بعض المدارس لا يبعث على الطمأنينة الكاملة!

“البعث الأسبوعية” ــ علي حسون

تدرك وزارة التربية حساسية الأيام القليلة القادمة وهي على عتبة أبواب افتتاح المدارس في ظل الظروف المحيطة والمتعلقة بوباء كورونا، ليشكل تاريخ 13/ 9 تحدياً كبيراً سيواجه الفريق الحكومي بشكل عام، ووزارة التربية على وجه خاص، فبعد قرار تأجيل المدارس تسعى الوزارة بكامل طواقمها ومديرياتها لتبديد هواجس ومخاوف الأهالي على سلامة وصحة أبنائهم.

 

أمانة تربوية

تدرك “التربية” أن أكثر من أربعة ملايين طالب وطالبة هم أمانة في أعناق الإداريين والمشرفين والمدرسين، وكل من له علاقة بالعملية التعليمية، ولاسيما أن الأهالي لم تصلهم إشارات طمأنة تربوية على صحة أبنائهم، وأن تصريحات وتأكيدات المعنيين تصطدم بواقع ليس كما يرام!

لم يخف الأهالي في حديثهم لـ “البعث الأسبوعية” ترددهم في إرسال أبنائهم إلى المدرسة في حال بقيت الإجراءات الاحترازية قاصرة، ومديريات الوزارة مقصرة، مشيرين إلى أن ما يسمعونه من أحاديث لمديري مدارس وإداريين عن الواقع السيئ لـ “المنافع” والمغاسل وخزانات المياه في مدارسهم يدخل الخوف إلى قلبهم!

حديث بعض مديري المدارس وكوادرها الإدارية دفعنا إلى استقصاء الواقع من الداخل، ليتبين أن هناك مدارس لم تجر صيانة للخدمات حتى الآن بسبب تقصير وترهل إداراتها. في المقابل، ومن مبدأ المصداقية الإعلامية، نسجل أن أغلب مدارس دمشق وريفها قامت بعلميات الصيانة والإصلاح والتعقيم والإجراءات المطلوبة كافة.

 

خوف على الكرسي

ما يزيد الهواجس والتشكيك بجهوزية المدارس على أكمل وجه انسحاب بعض مديري المدارس من كلامهم لنا عن غياب الصيانة والإصلاحات، فعندما طلبنا صوراً عن واقع الخدمات في مدارسهم رفضوا التجاوب رفضاً قاطعاً، بحجة الخوف من إقالتهم في حال تسريب الصور الحقيقية لواقع المدارس للإعلام، أو أية معلومة أخرى، ولو على حساب مصلحة الطلاب، حسب زعمهم، مؤكدين على مخاطبة مديرياتهم من أجل إجراء عمليات صيانة بالسرعة الكلية!

 

اعتماد اللامركزية

ومع تردد مديري المدارس وتخوف الأهالي، تؤكد “التربية” جهوزية مدارسها لاستقبال الطلاب، وخاصة أنها شكلت لجاناً خاصة على مستوى مديريات التربية في المحافظات لتفقد واقع المدارس، وإجراء الصيانة اللازمة والفورية وتأمين بيئة صحية مناسبة، إذ ركز وزير التربية الدكتور دارم طباع على وجوب اعتماد اللامركزية في العمل من خلال تفعيل دور كل من مديري التربية والمجمعات التربوية ليمارسوا صلاحياتهم ومسؤولياتهم، وتفعيل الجولات الميدانية على المدارس، والخروج من روتين العمل الإداري، ومتابعة إنجاز الخريطة المدرسية التي تتضمن أعداد الطلاب والمدرسين والمستلزمات، والاستناد إلى البروتوكول الصحي، والتأكيد على دور المشرفين الصحيين في المدارس، وتجاوز الأمية المعلوماتية، وتوزيع الكتب على مقاعد التلاميذ بأسلوب راق ومحبب في بداية العام الدراسي، ومراعاة الظروف الحالية، وعدم إجهاد التلاميذ والطلبة وأوليائهم بالقرطاسية واللباس المدرسي، ومن ثم حل مشكلة الاكتظاظ بإجراء تسوية بين المدارس، طالباً من مديري التربية تقديم مقترحات بناءة ومبادرات تتناسب وواقع كل مديرية.

 

أثر سلبي

ما ورد على لسان الوزير لا يعدو “كلام اجتماعات ولقاءات مطمئنة”، ولا يتخذ صفة الواقعية إلا عبر ترجمته بخطوات فاعلة وجادة على أرض الواقع، وإسقاط تلك التعليمات والتوجيهات في أرض الميدان، وخاصة وأنه مضى على انقطاع الطلاب عن مقاعدهم الدراسية حوالى سبعة أشهر، ما يتطلب من الوزارة العمل على محورين: تربوي وتعليمي بآن معاً، لاسيما أن هذا الانقطاع أثر سلباً في تنمية قدرات ومهارات التلاميذ حتى وإن كان البديل التعليم عن بعد أو من خلال دروس المنصة، حسب رأي خبراء تربويين.

ومع رأي الخبراء، يبقى رأي المدرس في القاعة الصفية يحمل من الأهمية الكثير كونه الحامل الأساسي للعملية التعليمية والمشارك الفاعل في إنجاح الإجراءات الاحترازية وإيصال العملية التعليمية إلى بر الأمان والسلامة.

 

تقسيم الطلاب

تعتبر المدرسة ريم أن من الضروري عودة أبنائنا إلى مقاعدهم وكتبهم المدرسية على أن ترافق هذه العودة سلسلة من الإجراءات الاحترازية الصحية، المتمثلة بتأمين البيئة الصحية الجيدة والتي تتضمن التباعد بين التلاميذ ومراقبتهم بشكل دقيق خصوصاً تلاميذ الصفوف الابتدائية، مشددة على ضرورة تخصيص كل تلميذ بأدواته الخاصة، والتأكيد على أن يحضر معه طعامه الخاص به، وإغلاق البوفيه ضمن المدرسة ووجود التهوية الجيدة.

واقترح مدرسون أن يتم تقسيم طلاب الصف الواحد إلى مجموعات تتناوب على الدوام المدرسي، أو اختصار الفترة الزمنية للدوام بحيث يتم تعويض وإعطاء المواد الأساسية، أما بقية المواد فيمكن تداركها بورقة عمل، إضافة إلى التأكيد على مشرفي النظافة بالمدرسة بتنظيف الحمامات بشكل دائم بعد خروج أي طالب منها، مع تخصيص وقت للتثقيف الصحي.

 

بروتوكول صحي

مما انتهى إليه اقتراح المدرسين المتعلق بالتثقيف الصحي، تستمر “الصحة المدرسية” بتنفيذ البروتوكول الصحي المعتمد لضمان عودة آمنة للتلاميذ والطلاب إلى المدارس، وتوضح المديرة الدكتورة هتون الطواشي أن الوزارة بدأت بتدريب مشرفين صحيين لكي يتم توزيعهم على المدارس، حيث سيتم تدريب 13200 مشرف صحي بما يتناسب مع عدد المدارس في القطر، وسيخصص لكل مدرسة مشرف صحي لمتابعة حيثيات الاجراءات الاحترازية وتطبيق البروتوكول الصحي، مشيرة إلى أنه تم تنفيذ خطة عمل طارئة تتضمن تقييماً كاملاً للبيئة المدرسية، من خزانات مياه ومرافق صحية ومقاصف، بهدف تأمين مياه نظيفة ومرافق عامة آمنة ومقاصف مطابقة للشروط الصحية والتأكيد على النظافة الشخصية، واعتماد ثقافة غسل اليدين في المدارس، والعمل على تزويد المرافق العامة ببروشورات تشجع على هذه الثقافة، فضلاً عن وجوب رصد حالات الانتانات التنفسية في المدارس، والإخبار الفوري عن الحالات الشديدة منها.

 

المجتمع المحلي شريك

ولم تغفل الطواشي الدور الأساسي والشريك للمجتمع المحلي في الوقوف مع وزارة التربية لضمان سلامة وصحة الطلاب، وخاصة تعاون الأسرة مع المدرسة، مؤكدة على تعاون مديريات التربية مع الفرق الصحية التي زارت المدارس لتفقد الواقع الخدمي، وصيانة ما يلزم، وتأمين بيئة نظيفة، ليوضح مدير تربية دمشق، سليمان اليونس، في هذا السياق، أن المديرية قامت بعلميات الصيانة والإصلاحات لكافة المدارس التي بحاجة لذلك، محملاً مديري المدارس مسؤولية وجود خلل أو تقصير في تطبيق الإجراءات، وخاصة أن المديرية خصصت ميزانية بالتشاركية مع الجهات المعنية من أجل القيام بعمليات الصيانة.

 

خطط مسبقة

الجدير ذكره أن وزارة التربية وضعت عدداً من الخطط للعام الدراسي، كتقسيم الدوام خلال الأسبوع على مرحلتين لتخفيف عدد الطلاب، واختصار بعض المواد التعليمية وتدريسها كأوراق عمل، وفي حال حصول أي طارئ وضعت الوزارة في حسبانها التعليم عن بعد، لكن تحتاج هذه العملية إلى منظومة جاهزية من قبل جهات أخرى، إضافة إلى إلزام المدرسين بالكمامات وتخصيص أوقات خاصة للتوعية من كورونا، وجعل الاستراحة (الفرصة) مقسمة لاعداد محددة، مع تعقيم يومي للصفوف والمرافق الصحية، وتعقيم باصات المدارس الخاصة وتعقيم الطلاب قبل الركوب.

 

أسئلة مشروعة

ما سبق ذكره يبقى مجرد كلام على الورق، يُدخل الطمأنينة إلى قلوب الأهالي – ربما – لكن تبقى هناك أسئلة مشروعة من قبيل مدى التطبيق الفعلي لهذه الإجراءات، وهل لدينا كوادر كافية لتغطية جميع المدارس، وهل سيكون تدريب المشرفين الصحيين كافياً ليتحملوا مسؤولية كبيرة في حال حدوث طارئ، وهل الجولات على المدارس من قبل الفرق الصحية كانت جولات حقيقية فعّالة أم أنها خلبية؟!

آخر القول.. تبقى هواجس الجميع من افتتاح المدارس وعودة الطلاب إلى الصفوف الدراسية مشروعة، ولا يسعنا إلا التعويل على اضطلاع وزارة التربية بمسؤوليتها بهذا الخصوص، من خلال تأمين أجواء صحية تبدد مخاوف الأهالي وتقطع الطريق على من يروج لشائعات الخوف والتهويل من المرض لإبقاء التلاميذ خارج أسوار المدرسة.