مجلة البعث الأسبوعية

“الراحة الحورانية”.. يمكنك تذوّق ما تريد قبل أن تختار!

“البعث الأسبوعية” ــ دعاء الرفاعي

يعود تاريخ صناعة الراحة في حوران إلى خمسينيات القرن الماضي على يد بعض الوافدين من فلسطين، والبعض الآخر ذهب إلى أن تاريخها يعود لعام 1920، حيث تعلم أبناء حوران هذه المهنة وأبدعوا فيها، لتأخذ فيما بعد شهرتها عبر عقود من المثابرة على تطويرها حتى وصل عدد أنواعها لأكثر من ٢٠ نوعاً.

يوجد في محافظة درعا العديد من الحرفيين والمصنعين البارعين بصنع هذه الحلوى، الذين توارثوا هذه المهنة عن آبائهم وأجدادهم، ويجيدون صنعها بالشكل اليدوي رغم تطور الآلات وإمكانية صناعتها بشكل نصف آلي؛ فهذه القطع الصغيرة المربعة أو المستطيلة ذات المذاق الطيب شكلت مع قطعة من البسكويت وجبة شعبية مسلية ولذيذة، استطاعت أن تجعل من حوران مقصداً للسياح لتذوق هذه الحلويات، وأصبحت موضع فخر لمحافظة درعا، فصانعو الراحة يفخرون براحتهم، ولاسيما بعد أن باتت تنتشر ليس في سورية فحسب، بل وفي الدول العربية وبعض الدول الغربية. وقد استطاع صناع الراحة في درعا دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية، عام 2009، من خلال صنع أكبر مكعب راحة في العالم بطول متر واحد، وعرض ٦٠ سم، بوزن ٤٠٠ كغ، وأخذت عملية تحضيره ما يقارب الشهر بأيد وخبرات شيوخ الكار في درعا.

تحضر الراحة بشكلها التقليدي عادة على شكل لوح كبير بطريقة فنية وبمقادير متجانسة من السكر والقطر والنشاء والمسكة ذات الطعم المتميز والرائحة الذكية، إضافة إلى حمض الليمون والمنكهات الطبيعية.

ويذكر يوسف مسالمة، صاحب معمل راحة، أنها يجب أن تطبخ على نار هادئة مدة ساعتين، يتم بعدها تبريدها في قوالب، وتقطع إلى مكعبات صغيرة متساوية الحجم والشكل، وتوضع في علب كرتونية مغلقة بشكل جيد، ويرش بين المكعبات، بعد وضعها ضمن العلبة، مطحون السكر الناعم لكي تبقى الراحة طرية ولا تلتصق ببعضها.

ويضيف مسالمة أن طرق صناعة الراحة تطورت خلال السنوات الماضية، وصار أصحاب المعامل يتفننون في صنعها عبر تقديم أنواع كثيرة منها، سواء بإضافة المكسرات أو الفواكه أو جوز الهند، أو بإضافة الملونات الصحية، لتعطيها مظهراً جميلاً، ولتزداد مع هذه الإضافات الجميلة القيمة الغذائية للراحة وتمنح من يتذوقها الشعور بالدفء خاصة في أيام الشتاء لاحتوائها على كميات كبيرة من السكر.

وحول أنواع الراحة الحورانية، يشرح لنا الحرفي فواز أبو زريق، صاحب أقدم معمل راحة في درعا، أن هناك أنواعاً كثيرة منها تم تطويرها عن الراحة التقليدية المعروفة، ولكن يبقى سر مذاقها اللذيذ يكمن ببصمات المصنعين لها، فكلما كان المُصنع خبيراً بطريقة تحضيرها وبالمقادير الصحيحة لها، قدّم راحة بمذاق لذيذ ومتميز، مبيناً وجود عدة أنواع عدة، فمنها المحشية بالفستق الحلبي أو اللوز، ومنها المعجونة بالفواكه والمرشوشة بالسكر الملون، مضيفاً أن طريقة تقديم الراحة في علب كرتونية فاخرة ساهم في انتشارها أيضاً، إذ يتم بعلب كرتونية منظمة ومنسقة بشكل أنيق وجذاب مع الالتزام بوضع البيانات الصحية على كل علبة تتضمن ما تحتويه من مكونات غذائية وسعرات حرارية.

عبد الوحيد العوض، مدير صناعة درعا، بين أن معامل الراحة في المدينة تعرضت للكثير من الأضرار والتعديات خلال سنوات الحرب، إذ كان يصل عددها إلى ٧٠ منشأة حرفية متوزعة على كامل أرجاء المحافظة، في حين يصل عدد المنشآت التي تعمل حالياً لحوالي ٢٠ معملاً بعد عودة الأمن والاستقرار لربوع المحافظة.

وذكر العوض أن قسماً كبيراً من الراحة يتم تصديره للأردن ودول الخليج، والفائض من إنتاج المحافظة يورد للمحافظات الأخرى، مضيفاً أن هناك عدداً من المغتربين السوريين في الأردن ولبنان ومصر وبعض دول أوروبا لم ينسوا ما ورثوه عن أجدادهم في صناعة الراحة واستطاعوا أنْ ينقلوها إلى كل مكان حطّوا رحالهم فيه، وأقاموا منشآت صغيرة لصناعة الراحة في تلك البلدان ونشروا هذه الصناعة ولاقت إقبالاً ونجاحاً كبيراً.

الزائر إلى محافظة درعا بإمكانه وبسهولة أن يعثر على محال بيع الراحة دون عناء لكثرة انتشارها وتوزع أماكن بيعها، إذ يستطيع أنْ يجد محلات الراحة في معظم الشوارع والأحياء تقريباً، ويمكنه تذوّق ما يريد قبل أن يقرر ما يرغب في شرائه واختيار النكهات والتعرّف على المكونات لتكون تجربته مع الراحة أكثر إمتاعاً.

يبقى أن نشير إلى تمسك المجتمع الحوراني بماضيه وأصالته عبر محافظته على أبسط مكونات الحياة، ومنها هذه الحلوى، لما تحمله من ذكريات الأجداد وعبق الماضي، ولما تضيفه إلى مجالس الشتاء من ألفة ومودة تكسبها دفئاً ومذاقاً حلواً علّه يخفف مرارة هذه الأيام.