ثقافةصحيفة البعث

تجربة الأديب مالك صقور في ندوة “دعم منظومتنا الثقافية الوطنية”

تميّز د. مالك صقور رئيس اتحاد الكتّاب العرب، بالتنويعات السردية في قصصه الهادفة المستمدة من وجع الإنسان وحبكة المجتمع، فبنى قصصه على المحاورة بغية اكتشاف خلفيات القصة الماضية ضمن خط المقاومة واختباءات الفساد.

مالك صقور كان ضيف ندوة “دعم منظومتنا الثقافية الوطنية” بإدارة الإعلامي محمد خالد الخضر، والتي اتخذت طابع القراءة والنقد بمشاركة د. ريما دياب والإعلامية فاتن دعبول في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة-، إذ قرأ صقور ثلاث قصص مبتدئاً في كل قصة من الشخصية الرئيسية لنستشفّ الأحداث الدائرة حولها وما تحمله من تضمين واستنباط لإشكاليات الواقع ومفارقاته بلغة واقعية يتمثّل بها صوت السارد، إلا أنها تستحضر من التاريخ وتنهل من المعاصرة. والأهم تقنية السرد البارعة بالتغلغل في أفكار المتلقي لجعله يشعر أنه إزاء مشهد سينمائي قصصي موغل بالعمق والحزن، فكانت البداية مع قصة “من مفارقات الحياة” وتدور أحداثها حول زمهرير الذي يعيش مع أمه لأنه لم يتحمّل زوجة أبيه ومن ثم فشله بالدراسة وترك المدرسة، إلى عمل زمهرير بتهريب الأدوات الكهربائية، والمفارقة بهروب أساتذة المدرسة منه لأنهم لايملكون دفع القسط الشهري لثمن مايشترونه منه، كما كان يهرب من طريقهم حينما كان في المدرسة، ليحلّل صقور من خلالها الأبعاد الاجتماعية التي تؤثر على حياة الإنسان ابتداء من انفصال الزوجين ضمن الأسرة إلى المجتمع ككل، إلى ما يصل إليه كثيرون من أمثال زمهرير. اتصفت القصة بالقصر مقارنة مع القصتين التاليتين ووصفها صقور بالأقصوصة.

وبين صفحات قصة “حبة شجاعة” المستمدة من وحي “أبو حيان التوحيدي” نتخيّل عوالم أخرى أخذنا إليها البطل من الكوخ الذي أراد أن يحرقه بما فيه من كتب متراصة كما فعل التوحيدي، إلى واقع سرقة الأموال وتبييضها بحوارات ذاتية للشخصية يستحضر فيها حواراته مع من “يعرف من أين تؤكل الكتف”، ليقترب من الحدث الواقعي “الذين لهفوا أموال غيرهم، هربوا أموال الدولة”، فتدور القصة حول المكاشفة “الحقيقة أنني غبي” بينما يصفه الآخرون الذين تخلوا عن المبادئ والقيم بـ”نقص جرأة”. اعتمد صقور على المفارقات بين الطرفين بغية تحليل واقع وسلوكيات كل طرف “الذي يحزنني لا يحزنهم”، وتتصاعد الأحداث مع التداعيات واستحضار الذكريات بشخصية “أبو إلياس المبيض” الذي يزور القرية فتتجمع حوله النسوة لتبييض الأواني المعدنية بصورة مقاربة لما يقوم به الفاسدون والعاملون بالممنوعات بتبييض الأموال، “أما الأوراق النقدية فكيف يتمّ تبييضها” لتأتي الإجابة بقفلة القصة “منهم من يتبرع للمساجد أو للجمعيات الخيرية”!.

القصة الثالثة “أربعون عاماً في لحظتين” الأولى كانت في ظل برج صافيتا، والثانية في ظل سفح جبل قاسيون، أي مجنون ينتظر أربعين عاماً، كانت عزة صادقة حينما قالت: انتظرني سأعود، فبدأت من صورة المقاوم غيفارا لتنتهي باغتيال الشهيد عماد مغنية بيد عدو واحد، والتي صوّر فيها صقور حال تبدل الرفاق والمفارقات التي آلت بينهم، بين من بحث عن المال بسبل شتى وبين من التصق بالأرض أكثر من خلال الرموز التي حملتها القصة لإيصال رسالة الوحدة الوطنية من أم حنا والأيقونة والصورة والمعنى إلى ما كتبته عزة بعد أربعين عاماً واستشهاد البطل مغنية “ما الفرق أن يكون على رأسك نجمة حمراء أم عمامة سوداء مادام رصاصكم موجهاً إلى صدر العدو”.

سلطان الكلمات 

وأشار الإعلامي محمد خالد الخضر إلى ما قام به د. مالك صقور بالترجمة لأهم كتّاب العالم، ورأى أن ما يترجمه يشبه إلى حدّ كبير ما يكتبه، فمن يقرأ ما ترجمه عن بوشكين في أجزائه الثلاثة يعرف أن هناك رؤية روحية فيما يذهب إليه صقور في كتاباته وترجماته نحو العفوية والصدق والنقاء إلى الفن المتماسك موضوعياً، الذي يترابط منذ البداية إلى النهاية كما أنه لم يتخلَ أبداً عن هموم الوطن، فكان سلطان الكلمة في الوقت الذي وقف فيه كثير من المثقفين على الحياد.

فضح المستور

الإعلامية فاتن دعبول قدمت قراءة نقدية عن مجموعة صقور “درة” ورأت أنها تنطلق من الحدث المتصاعد ثم تعود لتبني القصة من البداية، فيجد المتلقي نفسه مندمجاً ومتورطاً منذ اللحظة الأولى في عمق الحكاية، وتوقفت عند الفضاءين الزماني والمكاني واعتماد الكاتب على ضمير الأنا لإضفاء حيوية القص وقوة أكبر على الشخصيات لتصل إلى أن “درة” إضافة إبداعية مهمّة في الكتابة السردية، تنضوي في أجندة الأدب الإنساني وتنحاز إلى عالم المحرومين والفقراء وتفضح الفساد، المكشوف منه والمستور، وتنتمي إلى أدب المقاومة وتعزّز ثقافة الانتماء.

دلالة الكرسي

أما د. ريما دياب فقدمت قراءة نقدية عن مجموعة “السماء ليست عالية”، تحدثت فيها عن لغة الكاتب التي تفاوتت بين الفصحى والعامية تماشياً مع ضرورة القصّ، وامتازت بالألفاظ السهلة والعبارات الرشيقة وعكست قصص المجموعة العادات والتقاليد التي سادت في مجتمعنا من جهة، ومن جهة أخرى صوّرت التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، وتوقفت عند أمثلة متعدّدة من شخصيات المجموعة وعند الرموز والدلالات، كـ”دلالة الكرسي” التي تكرّرت في أكثر من موضع، فأشارت إلى أن بعض الأشخاص يفعلون كل شيء في سبيل الوصول إلى الكرسي، ومن يجلس على الكرسي يفقد أحاسيسه فلا يشعر بأحد من الناس، وحلّلت أبعاد المجموعة من خلال الأفكار الضمنية التي تضمّنتها وسيطرت على المعنى، منها حق المواطن في العيش.

ملده شويكاني