مجلة البعث الأسبوعية

“سادات”.. ذراع أردوغان لدعم الإرهاب والتدخل في شؤون المنطقة

“البعث الاسبوعية” ــ سنان حسن

لم يتوان رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في توظيف العامل الديني والعرقي لتنفيذ أجنداته ومشاريعه التوسعية وصولاً لتحقيق أهدافه في إعادة بناء سلطنته العثمانية البائدة، وقد مثّلت أحداث ما يسمى بـ “الربيع العربي” مثالاً جلياً لهذا الاستغلال، فالقاسم المشترك في كل المجموعات التي دعمها أردوغان في الدول، التي حدثت فيها أحداث الربيع المزعوم، كان تنظيم “الإخوان” وأذرعه الإرهابية، والتي شكّلت جسراً لتدخله في شؤون تلك الدول. ولكن الأكثر خطورة في كل ذلك هو توظيف تلك الأذرع في النزاعات والحروب التي يخوضها بعيداً عن التدخل المباشر باسم الجيش التركي “جيش سري”، حيث استطاع منذ عام 2012 تجنيد الآلاف من المرتزقة الإرهابيين وزجهم في الكثير من جبهات القتال لتحقيق أجنداته، وكانت بداية الحرب الإرهابية على سورية أول خطوات هذا الاستخدام، فقام باستجلاب أهم متزعمي القاعدة والطليعة المقاتلة في ليبيا “المهدي حاراتي وعبد الكريم بلحاج” والإرهابيين المنضوين تحت إمرتهما للقتال في سورية، ولكن كيف تمّ نقل هؤلاء وبأي طريقة، وهل الأمر مجرد عملية اعتباطية أم أنها مرتبة ومدروسة مثل الكثير من عمليات نقل المرتزقة في العالم، والتي تديرها شركات كبرى لصالح دول بعينها، على غرار “بلاك ووتر” الأمريكية، التي كان البنتاغون الممول الأول لها في الحرب على العراق، فما قصة هؤلاء الإرهابيين الإسلامويين، وكيف يتنقلّوا من مكان لآخر، وما دور أردوغان وعصابته في كل ذلك؟

 

التأسيس

في 28 شباط 2012 وفي ظل أحداث ملتهبة في كل من سورية وليبيا والعراق أعلن 23 ضابطاً تركياً متقاعداً تأسيس شركة تحت مسمى “سادات” تمارس نشاطاً عسكرياً خارج إطار الجيش التركي، داخل تركيا وخارجها من دون إذن الدول المعنية كنشاط تجاري، ويعد عدنان تانريفيردي المؤسس الرئيسي للشركة، وهو ضابط متقاعد ويشغل رئيس إدارتها، ويُعرف عنه في الأوساط التركية بعلاقاته المثيرة للجدل داخل وخارج تركيا، والأهم من ذلك فإنه، حسب جهات عديدة، قريب من الجماعات الإسلامية المتشددة في الوطن العربي والعالم، وقد عينه أردوغان بعد أحداث الانقلاب المزعوم في منصب كبير مستشاريه.

تعد “سادات” الحاضن الرئيس لكل المجموعات الإرهابية المرتبطة بالإسلام السياسي في المنطقة القريبة من تركيا، فهي المسؤولة عن تدريب تلك المجموعات وتسليحها ونقلها وإرسال المستشارين العسكريين الأتراك لتشغيلها، بمعنى أدق الشركة هي صاحبة الوكالة الحصرية لكل الإرهاب الإسلاموي في المنطقة وبأوامر مباشرة من زعيم النظام التركي الإخواني، وتقول التقارير الإستخبارية: إن هذه الشركة هي من ألقي على عاتقها تدريب مجموعات “داعش” الإرهابي الرئيسية في العراق ومدها بشبكات الانترنت العملاقة وسيرفراتها التي استقدمتها من ألمانيا: “45 ” ألف سيرف تمّ نشرها على الحدود العراقية التركية والسورية، كما أن الشركة قامت باختيار معظم متزعمي “داعش” من العراقيين والسوريين من ذوي الأصول التركية “تركمان” ممن يعرفون بالولاء لمطلق لتركيا، وكانت معهم لحظة بلحظة كل فترات القتال.. وفي سورية قامت الشركة بتدريب مليشيا “الجيش الحر” وما تزال، وقد اعترف رئيس الشركة عدنان تانريفيردي خلال مشاركته في أحد البرامج الإذاعية أن شركة سادات توّلت تدريب وتأهيل عناصر ما يسمى “الجيش الحر” في معسكرات داخل تركيا للمشاركة في الأعمال القتالية داخل سورية. في حين يشير حساب “قطر يليكس” إلى أن شركة سادات قامت بدعم تنظيمين مسلحين في سورية تربطهما علاقة بمرتزقة “داعش”. ويؤكد تقرير استخباراتي أوروبي أن أردوغان استخدم شركة “سادات” الأمنية لجلب آلاف المقاتلين من دول أوروبية مثل ألمانيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا لتجنيدهم في شبكات إرهابية للحرب في سوريا وساعدهم في الحصول على جوزات سفر تركية. كما تمّ الكشف أن سادات وفي ضوء الصراع المتفجر على الحدود الأرمينية الأذربيجانية قامت بنقل 2500 مرتزق من شمال سورية لجبهات القتال وأغلبهم من تركمان محافظة اللاذقية.

 

كشف فرنسي

الاستخبارات الفرنسية كانت أول من لفتت الانتباه إلى أنشطة سادات المشبوهة في المنطقة، وقد ذكرت في تقاريرها أن الشركة تقوم بأنشطة تدريب واستشارات عسكرية في ليبيا وباكستان، مشيرة إلى أن هذه الشركة كانت تتستر وراء ستار ديني وتستغل علاقاتها الوثيقة بـ أردوغان حتى تنفذ مهمتها، مضيفة: إن غالبية الضباط العاملين في سادات هم من الذين طُردوا من القوات المسلحة التركية بسبب أنشطتهم وأفكارهم الرجعية.

 

دور داخلي وخارجي

أنيط بشركة سادات نوعين من العمل الأول داخلي يتمثّل في حماية حزب العدالة والتنمية ومتزعميها من أي محاولة للإطاحة بهم، وقد بدا ذلك جلياً خلال أحداث الانقلاب المزعوم 2016 حيث تولّت مجموعاتها المدربة عملية مواجهة وحدات الجيش المتمردة وقتلت معظم المهاجمين، وتمّ الإفراج عن جميع أفرادها الذين تمّ اعتقالهم عقب حوادث الأمنية التي رافقت الانقلاب بموجب عفو رئاسي صدر من أردوغان شخصياً، كما تمّ تكليفها في أعقاب هذه الأحداث بمهمة إعادة هيكلة الجيش التركي بصنوفه البرية والبحرية والجوية كمكافأة على حمايتهم أردوغان وإفشالهم مخطط الانقلاب عليه، وهي منذ ذلك التاريخ تعبأ الشباب التركي المتطرّف في معسكرات خاصة، بحيث يتم استقدامهم من فروع الشباب أو ما يسمى بجمعية الغرف العثمانية التي أوجدتها مديرية الشؤون الدينية في تركيا لحماية المساجد في أعقاب انقلاب 2016 حيث يتم سوق هؤلاء الشباب إلى معسكراتها الخاصة وتدريبهم والاستفادة منهم في المهمات الداخلية والخارجية.

كما لعبت الشركة دوراً مهما في دعم مجموعات الإرهاب الإسلاموية في العراق وسورية، ومدتها بالعتاد والمستشارين، وفي السياق فقد تمّ الكشف سنة 2014 عن أن طائرة تابعة للخطوط التركية نقلت أسلحة إلى متشددي بوكو حرام في نيجيريا. وفي ليبيا، ومع تطور الأحداث بشكل كبير وتوقيع مليشيا السراج اتفاقية مشبوهة مع النظام التركي، أنيط بسادات أيضاً دور كبير في نقل المرتزقة إلى جبهات القتال في ليبيا، وقد صرح أردوغان رسمياً بأنه سيرسل بعثات من الضباط والمتخصصين لإقامة غرفة قيادة عمليات في ليبيا لكنهم ليسوا من الجيش التركي، وهو ما يؤكد استعانة أردوغان بعناصر مرتزقة ومستشاريين من سادات لتنفيذ ذلك، وبالفعل كان للمرتزقة السوريين النصيب الأكبر من العملية، حيث قامت الشركة بنقل ما يقارب 17500 مرتزق بينهم 2500 “داعشي” تونسي وقامت بتدريب مليشيا الوفاق وقيادة العمليات ضد الجيش الوطني الليبي في طرابلس ومصراتة وترهونة والاصابعة، وقد ارتكبت عناصرها جرائم رهيبة بحق المدنيين الليبيين، وبالتحديد في ترهونة والاصابعة، وهي تتخذ حالياً من القواعد الجوية في الوطية ومصراتة قواعد تدريب لها. كما تقوم بالتعاون مع مشيخة قطر على استقدام مرتزقة من الصومال وتدريبهم في معسكرات خاصة ومن ثم نقلهم للقتال في ليبيا.

إضافة للأدوار العسكرية والإرهابية التي تقوم بها شركة سادات الأمنية فإن لها دور آخر لا يقل خطورة عن العمليات الإرهابية التي تقوم بها في مناطق النزاع وهو إعادة إرهابيي “داعش” وغيرهم من التنظيمات الإرهابية ذوي الجنسيات الأوروبية إلى بلدانهم التي جاؤوا منها عند تجنيدهم، وقد شكل اللاجئون البوابة لتنفيذ هذه المهمة، كما شكلت ليبيا المسرح الجديد لتنفيذ هذه العملية أولاً لقربها من أوروبا وفوضى عمليات هروب اللاجئين من سواحل شمال أفريقيا.

 

توسع قاتل

يوماً بعد يوم يتم الكشف عن الدور المشبوه الذي يقوم به أردوغان في المنطقة والعالم بالاعتماد على العامل الديني والنزعات العرقية والطورانية لتنفيذ المخططات التي كلف بتنفيذها خدمة لمصالح أمريكا و”إسرائيل”، والقول أنه يعمل وفقاً لأجنداته الخاصة هو ضرب من الخيال في ظل صراع تحت الرماد بين القوى الكبرى، فالسكوت عن أفعاله حتى الآن يؤكد أن يسير وفق أجندة مرسومة له وإلا كيف يمكن قراءة تحديه حالياً لأوروبا والناتو في البحر المتوسط دون ضوء أحمر من واشنطن؟ التي تريد من الأعمال التركية الاستفزازية في بؤر الصراع المتنقلة الحفاظ على مواقعها دون أن تضطر إلى الزج بقواتها العسكرية، وبالتالي فإن وجود شركة أمنية تهتم بالمرتزقة الإسلامويين هو جزء من هذا الدور الذي يقوم به، ولكن يبقى السؤال إلى متى سيواصل هذه السياسة ومتى سينتهي دوره وهل ستبقى هذه الشركة الإرهابية بعيدة عن عيون المحاسبة الدولية؟!