مجلة البعث الأسبوعية

مزارعو الحمضيات يترقبون تسويق إنتاجهم لهذا الموسم هواجس من سيناريو الوعود المتكررة واتساع الفارق بين حسابات الحقل والبيدر

“البعث الأسبوعية” ــ مروان حويجة

مهما تعددت آليات المعالجة التسويقية التي يتجدد طرحها وعرضها وتداولها على شكل خطة استباقية قبل نضوح المحصول، إلا أن التجربة التسويقية المريرة التي لازمت محصول الحمضيات، بعد المضاعف الإنتاجي الكبير الذي تحقق تدريجياً على امتداد عقدين من الزمن، وعدم تلازمه زيادة الإنتاج

مع عجلة التسويق التي ناءت بكثير من النتوءات والمطبات، تجعل من حق المنتج أن يبحث عن النتائج قبل المقدمات، وعن الغلة أكثر من الخطة؛ وبالتالي من الطبيعي أن تتجدد لديه مع كل موسم هواجس تسويقية لا يمكن أن تبددها إلا حسابات البيدر، كونه المعني الأول بمآل أي تحوّل حقيقي في مسار العملية التسويقية، ولهذا فإن المعالجة تتجدد مع كل موسم لتحقيق الغلة والمردود، والعبرة في التنفيذ لكبح الخسائر المتلاحقة، وأما تجدد الحلول المقترحة والإجراءات المطروحة في كل اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات، لإيجاد المعالجة المستعجلة المنتظرة لتصريف فوائض محاصيلنا الزراعية سواء تصديرا أم تسويقا داخلياً أم تصنيعا، فإن تركيز الاهتمام من المزارعين المنتجين قبل غيرهم يكون – وهذا طبيعي- على الحل الأقرب والأيسر والأسرع، أكثر من الحلول البعيدة المدى، لأن المؤشرات الإنتاجية المتزايدة لمحصول فائض كالحمضيات موسما بعد آخر يزيد من المنعكسات السلبية للاختناقات التسويقية، ومن هنا فإن المعالجة التي يعوّل عليها في استقطاب الجزء الأكبر من الإنتاج الزراعي يشكل الأولوية المنتظر تحقيقها في سوق الهال، وأسواق المنتجات الزراعية والوحدات التسويقية والخطوط التصديرية والبيع من المنتج إلى المستهلك بدون أية حلقات وسيطة من خلال حاضنة تنموية زراعية متكاملة تحوي وحدات تبريد وفرز وتوضيب للخضار والفواكه، ومنافذ تسويقية تسهم في استجرار المحاصيل الزراعية من الفلاحين وتسويقها مباشرة للمستهلك لتخفيف حلقات الوساطة التجارية والحدّ منها، وتقديم مختلف المستلزمات الزراعية الضرورية للفلاح المنتج، وضمان حقوقه وجهده ومردوده من خلال حاضنة تسويقية متكاملة بما يخفف العبء عن المزارعين المنتجين.

 

خطوة نوعية

يمكن أن يشكل تجهيز سوق للحمضيات بجانب سوق الهال، في المنطقة الصناعية في اللاذقية، والذي تعتزم المحافظة تهيئته مع بدء الموسم الجديد، خطوة نوعية على صعيد العملية التسويقية وتنظيمها بآليات وأسس محددة وأكثر فاعلية؛ كما تسهم السوق المرتقبة في توفير بيئة متكاملة متخصصة بمحصول الحمضيات، توفر حركة انسيابية في تسويق المحصول وفق معايير وشروط الجودة وسهولة حركة الدخول والخروج واستيعاب الكميات ضمن حاضنة تسويقية مخصصة لهذا المحصول الوفير، والذي يأتي في مقدمة المحاصيل الأساسية في اللاذقية والمنطقة الساحلية.

وإذ يبدو من الأهمية بمكان تحقيق السرعة المطلوبة في تجهيز السوق قبل بدء موسم جني المحصول، ومتابعة حركة تسويق المحصول بكل تفاصيلها وحلقاتها، بما يوازي حجم وأهمية هذا المحصول المليوني في إنتاجيته، والمتميز بجودة نوعيته؛ فإن من الممكن أن تتلاحق خطوات دعم المحصول أيضاً من خلال لحظ إنشاء أسواق هال في النواحي والبلدات لتحقيق الربط بين مراكز الإنتاج والتسويق، وبحيث لا يضطر المزارع لنقل الإنتاج إلى المدينة المركز، أو مراكز المدن الرئيسية التي تستقطب الجزء الأكبر من المحاصيل، وهو ما يسهم في تحقيق ريعية أكبر وفي إتاحة فرص تشغيل ناتجة عن مختلف مراحل وحلقات العملية التسويقية بعد توفير البنى الأساسية والتحتية والخدمية الضرورية لأسواق الجملة.

 

تعويل

في السياق التسويقي أيضاً، لابد من التعويل نسبياً على الأسواق الشعبية للمنتجات الزرعية بعد أن تم التشديد على حصر تخصيص المنافذ التسويقية في هذه الأسواق بالمزارعين الحقيقيين، وتوفير اشتراطات حماية الإنتاج، سيما أن عدة أسواق شعبية تم وضعها في الخدمة في مختلف مناطق ومدن المحافظة؛ ولذلك فإن تحقيق الغاية المنشودة من إحداث هذه الأسواق، والمتمثلة في دعم تسويق المحاصيل الزراعية بالبيع المباشر من المزارع المنتج إلى المستهلك، تبقى الشغل الشاغل لئلا تشوب هذه التجربة أية شائبة تنعكس على مسارها التسويقي، من خلال الحفاظ على التخصيص الكلي للمنافذ التسويقية للمزارعين المنتجين دون غيرهم، وتوفير مقومات حماية المنتج الزراعي.

 

إجراءات تحضيرية

حول واقع تسويق الحمضيات وسبل تذليل الصعوبات والمعوقات واعتماد الآليات التسويقية التي تخفف الأعباء عن الفلاحين وزيادة مردودهم، أوضح رئيس اتحاد فلاحي المحافظة حكمت صقر أن هناك إجراءات تحضيرية تتم متابعتها من قبل المنظمة الفلاحية مع الجهات المعنية لتمكين منتجي الحمضيات من تحقيق مردود أفضل خلال الموسم المقبل، من خلال إلغاء الحلقات الوسيطة، مشيراً إلى أن أسعار محصول الموسم الماضي تحسّنت عن الموسم الذي قبله بشكل ملموس، وأن من شأن الإجراءات التي يتم اتخاذها على مستوى الجهات والمؤسسات المعنية، والتي يتم اعتمادها في اجتماعات تتّبع الواقع التسويقي، وما يتم طرحه من مقترحات وحلول، أن تشكل مؤشرات واعدة بتسويق أفضل للمحصول.

 

الاستفادة من الملاحظات

وبين صقر أن اتحاد فلاحي المحافظة يعمل بشكل مستمر على إطلاع الأخوة الفلاحين بكل هذه الإجراءات والخطوات، حرصاً على تحقيق الجدوى التسويقية الأكبر في كل خطوة يتم اتخاذها، مع الاستفادة أيضاً من بعض الملاحظات من الموسم الماضي لتداركها بما يضمن حماية الإنتاج وحصول الفلاح على أفضل سعر ممكن، والتخفيف ما أمكن من تأثير العرض والطلب ما بين بدء الموسم ونهايته، لأن أية زيادة في السعر يجب أن تصب عند الفلاح المنتج للمحصول، أي أن يحقق المردود المناسب له قبل أي طرف آخر، فلا يكون التاجر، أو “الضمّانة” والوسطاء، هم من يستأثرون بالربح والمردود.

 

منفذ أساسي

سألنا رئيس لجنة تسيير سوق الهال، غسان خير، عن مساهمة سوق الهال في تصريف فائض الحمضيات ومعالجة الاختناقات التسويقية، فأكد أن سوق الهال شكل منفذاً أساسياً في تسويق الحمضيات خلال الموسم الماضي وما قبله، بالمقارنة مع المواسم السابقة، ولاسيما بعد فتح معابر حدودية مع العراق، وأيضاً معبر نصيب مع الأردن، الذي يتم فتحه وإغلاقه حسب ظروف جائحة كورونا، مبيناً أن الكمية المقدّرة من الإنتاج الذي تمّ تسويقه في سوق الهال خلال الموسم الماضي وصلت إلى نحو ٣٠٠ ألف طن من مختلف أصناف الحمضيات، وهذه الكمية تشكل مؤشراً واضحاً على مساهمة سوق الهال في تصريف جزء هام من الإنتاج الذي بلغ على مستوى محافظة اللاذقية خلال الموسم الماضي نحو ٨٤٠ ألف طن.

وعن الرأي الذي يقول إن التاجر هو الرابح الأكبر والأوحد من التسويق في سوق الهال، يرى خير أن هذا الكلام ليس صحيحاً لأن الحصيلة التسويقية يتشارك بها الجميع، من الفلاح المنتج إلى التاجر وصاحب مشغل التوضيب ومنشأة التشميع والناقل والمسوّق وكل أطراف العملية التسويقية، مع فتح الكثير من فرص التشغيل في عملية التسويق، كما أنه في سوق الهال يتم قبول كل الكميات الواردة إلى السوق دون استثناء، ولا يتم رفض استجرار أية كمية يورّدها الفلاح أيا كانت جودة الثمار، وأيا كانت النوعية، لأن هناك تسويقاً وتصريفاً لكل منتج من الحمضيات بكل تصنيفاتها.

 

تحضيرات

ولفت رئيس لجنة سوق الهال إلى أن التحضيرات للموسم الجديد تتواصل على غير صعيد، حيث اقترحت اللجنة تخصيص مساحة من سوق الهال للتحميل والشحن، بحيث تكون الساحة بعد تجهيزها بمثابة مشروع متكامل لتسويق المحصول، وقد تمّ إعداد دراسة حول المشروع وتجهيزه ورفعه إلى المحافظة ليكون مركزاً متكاملاً بما يسهم في تنظيم عملية التسويق بشكل أفضل، وبما يحقق الانسيابية في العملية التسويقية. ويرى خير أنه على مدى موسمين تسويقيين، يمكن القول أن العديد من الصعاب تم تجاوزها وأنه لم تعد هناك تلك الاختناقات الحادة التي حصلت خلال المواسم السابقة.

 

هواجس المزارعين

لكن، وبرغم ذلك كله، فإن للمزارعين هواجسهم التسويقية طالما لا يحصلون على مردود يغطّي الأتعاب والأعباء والتكاليف، بل إن هناك من يقول أنه لا انفراج في تصريف فائض الحمضيات طالما لا تزال الأسعار متدنية ولا تغطي كلفة الإنتاج. وبحسب مؤشرات تصريف الإنتاج في السوق المحلية، فإن هذا الموسم – كسابقيه – لا يزال بلا مردود للمزارع الذي يبيع كيلو الحمضيات بسعر الكلفة، لأنه مضطر للتسويق من خلال سوق الهال في ظل غياب أي خيار آخر أمامه سوى بقاء ثمار المحصول على الأشجار، مع حساب خسارته للكلفة الإنتاجية من أسمدة وأدوية ومحروقات، وهذه تضاعفت تكاليفها جداً، ناهيك عن جهد وتعب عام بأكمله.

ويتساءل المزارعون عن مصير العديد من الحلول التي كان يتم تداولها بكثرة فيما مضى، ومن أهمها معمل تصنيع العصائر الذي لم يبصر النور هذا الموسم، ولا الموسم الذي يليه في أحسن الأحوال، بحكم الفترة الزمنية التي يحتاجها التجهيز. وهذا يعني أن المشكلة التسويقية ستبقى قائمة، لموسمين على الأقل، دون أي انفراج سريع أحوج ما يكون إليه الفلاحون الذين لا يزالون يتكبدون الخسائر موسماً بعد آخر، بمعايير وحسابات الجدوى الاقتصادية قياساً على ضغط الأعباء، والتضاعف الكبير في النفقات والتكاليف الإنتاجية التي بلغت مستويات لم يعد يحتملها المزارعون المنتجون.

 

حلقة مفقودة

وإذا كانت هناك نشرات كمية وسعرية تصدر تباعاً عن الكميات المسوّقة من خلال سوق الهال ومراكز التسويق، فإن هناك من يرى أن الحلقة التي تضاهي هذه النشرة في أهميتها تتمثل بضرورة بيان سعر شراء المحصول من المزارع المنتج ومقارنته مع السعر المضاعف الذي خرج به المحصول من السوق إلى الباعة عبر الحلقة الوسيطة، ”تاجر الجملة”، الذي أظهر تجاوبه الشكلي مع خطة دعم سعر محصول الحمضيات هذا الموسم – على سبيل المثال- بفعل المتابعة الحثيثة والدؤوبة من الجهات المعنية لتحسين سعر شراء المحصول من المزارع، مستفيداً من التسهيلات والإعفاءات والدعم، ولاسيما تأمين المحروقات المدعومة للنقل والشحن، فعمد إلى تعويض زيادة سعر الشراء من الفلاح، وخصوصاً للأصناف المتأخرة النضج، بزيادة مضاعفة في سعر بيعه في أسواق “المفرّق”، حتى وصل سعر الكيلو في محال المفرّق في أحد الأصناف “الحامض” إلى أكثر من ثلاثة آلاف ليرة، في حين لا يمكن أن يتخطى سعر شرائه من المزارع المنتج ربع هذه القيمة؛ وهنا تكمن الحلقة الأضعف في المعادلة التسويقية التي يكون المزارع دائماً الثابت فيها، بينما يلعب تاجر الجملة دور المتحوّل في مبدأ العرض والطلب، لأن تكاليف الإنتاج الزراعي وتحديد الكلفة الإنتاجية للمحاصيل والمنتجات الزراعية، لا يحظى بالأهمية؛ وعليه فإن عدم احتساب هذه التكاليف وتعميمها وترويجها يشكّل ثغرة كبيرة يستغلّها التجّار، وغيرهم ممن يستجرون المحاصيل بحسابات ربحهم المضاعف الذي يقتنصونه من المزارع المنتج المستحق الفعلي لهذا المردود الخجول والمتواضع، قياساً بالأعباء والتكاليف التي يتحملها على مدار الموسم.