تحقيقاتصحيفة البعث

عائلات تبحث عن سقف يؤويها.. وأسعار الإيجارات تقتص من أحلامها!

فتح باب منزله ليطلّ مالك البيت طالباً منه الإخلاء بقصد البيع: “معك شهر أبو حسن لتفضي البيت”، بالنسبة للمستأجر 30 يوماً كافية لتقضي عليه، فهو يعمل كأجير في محل سمانة وأب لولدين، وأيلول حلّ بأعبائه ونفقاته الكثيرة، وهذا يعني أنه سيقع فريسة المكاتب العقارية من جهة، وغلاء البيوت على مساوئها من جهة ثانية!.
مشكلة عامة؟
مشكلة هذه العائلة مشابهة لقصص عائلات كثيرة قضت نصف حياتها مستأجرة لا مالكة، ولأن مشقة الحصول على بيت لم تكن في يوم من الأيام سهلة على ذوي الدخل المحدود وأصحاب المهن اليومية الذين يقتاتون على ما تمنحهم إياه أجسادهم، فقد باتوا يرضون بكل الاحتمالات التي تردهم، سواء أكان المنزل غير مشمس والعفونة تأكل من أضلاعه نتفاً، أم كان مجرد غرفة في زقاق، لتأتي الحرب بما خلفته وتجعل من فرصة الوصول إلى بيت العمر حلماً وربما كابوساً لدى الكثيرين. وهنا لا نبالغ في الوصف أبداً…فمن أكلت الطريق من كعبيه “شقفة” وهو يبحث عن غرفة، يعي حقيقة ما نتحدث عنه، ومقصد الكلام سكن الإيجار، لأن الشراء حديث آخر، ومتعب على مسمع الناس البسطاء، وثقيل ومكرر عند أصحاب الشأن، ولا يفضي لشيء على مايبدو..!.

حاولنا التقصي عن الإيجارات في المناطق العشوائية عبر المكاتب العقارية منتحلين صفة الباحث عن منزل صغير أو غرفة للسكن، وعندما نقول منطقة عشوائية، مباشرة يستحضر الذهن سوء المسكن، فهي إما مائلة أو أن تمديد الكهرباء تمّ عن طريق أسلاك الهاتف، وبالتالي لا تتحمّل أي ضغط، وإما أن جدرنها لا تتحمّل دقة مسمار، عدا عن التمديدات الصحية المهترئة والتهوية المعدومة وغير ذلك من رطوبة وروائح كريهة. ولكي نكون واقعيين لم نتفاجأ بالأسعار بقدر ما دُهشنا بطريقة التعاطي، إذ يظهر السمسار وكأنه ولي أمر مالك البيت ومحامٍ عنه، يبدأ باستعراض “محاسن المنزل” والعواقب التي تترتب على المستأجر في حال تضرّرت “لمبة” أو “حنفية”، إذ طلب أحدهم على سبيل المثال مبلغ 60 ألف ليرة كضمانة في حال تمّ “تخريب” شيء مثل “زر الكهرباء أو مقبض الباب”، ولـ”جيبه” 55 ألف ليرة. أما الطامة الكبرى فهي رغبته مع المالك، بتسجيل العقد فقط لـ 6 أشهر خوفاً من زيادة على الرواتب بعد تشكيل الحكومة الجديدة!!.

قدمنا أسفنا بحجة صعوبة الطلبات وتوجهنا إلى مكتب آخر يقودنا لغرفة أرضية قد تكون مبتغانا، وما إن فتح بابها حتى قفزت الفئران هاربة: “كيف سنعيش مع هذه الفئران”؟، قلت بلهجة الاستغراب، ليردّ السمسار بتهكم: أطعميها صباحاً ومساء المسألة بسيطة!،…فالبحث عن منزل للإيجار كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، وعند السؤال عن أسعار المنازل أجاب: “سعر الغرفة اليوم 5 ملايين”، وهناك منازل بالتقسيط يدفع الشخص نصف ثمن المنزل ويستلمه –على ذمته– بعد شهر، لكن كيف ستكون حال هذا المنزل وأين، الله أعلم!.
من يحكمهم؟
صعوبة الحياة تدفع الكثيرين للانصياع لرغبة صاحب المكتب العقاري والسكن بأسوأ المقومات، ولاسيما من لديه أطفال، وللأسف يتحكّم السمسار بالمواطن “المعتر”، فهو في السكن العشوائي لا رادع له؟!. ولمعرفة ماهية عمل تلك المكاتب وترخيصها ومن يحدّد نسبة ربحها قامت “البعث” بإجراء عدة اتصالات، أولها مع المحافظة التي قالت إن عملها محصور بتوثيق العقد، أما مراقبة عمل المكاتب العقارية فهي من شأن المصالح العقارية، لتتبرأ الأخيرة من المهمّة كونها محصورة بمراقبة الوثائق التي تصلها، أما عمل السماسرة على ذمتهم فهو عند الاتحاد العام للحرفيين وبالتحديد جمعية المجازين أو معقبي المعاملات؟.

أجرينا اتصالاً مع رئيس اتحاد الحرفيين ليوضح أن جمعية المجازين بعهدة وزارة التجارة الداخلية وهناك جزء قد يكون في وزارة المالية!. أيضاً تواصلنا مع المكتب الصحفي في التجارة الداخلية ليحدّد لنا وجهتنا بالضبط، جاء الاستغراب عبر سماعة الهاتف مع برودة في التعاطي: “أول مرة نسمع بجمعية المجازين!”. ولم يكن لنا في نهاية المطاف سوى سؤال أصحاب المكاتب العقارية أنفسهم، ليقول أبو حيدر صاحب أحد المكاتب: نحن في المناطق العشوائية لا نرخص أبداً، وبالنسبة للأرباح فهي عرفٌ سارٍ منذ الأزل لا يقيده شيء، فقد يطلب مالك المنزل 50 مليوناً ويترك لي حرية تحديد المربح وكل مكتب وشطارته، أما الإيجارات فهي تبدأ من 50 ألفاً ولا تنتهي عند الـ100 ألف، وإن وجد أقل من50 تكون سيئة جداً، وأنا وغيري من أصحاب المكاتب العقارية نأخذ عمولة إيجار شهر كامل سواء غرفة أو بيت من المستأجر، وهي أيضاً عرفٌ سارٍ. كذلك صاحب مكتب الزين قال: ما يحكم العمل هو العلاقات الشخصية ومكتبي غير مرخص، كما أنه لا يوجد أي اتفاق بين المكاتب على رقم محدّد للربح: “كل واحد وشطارته”. أما ما يواجهونه من مشكلات فيقول مالك مكتب الريم: لا يوجد لدينا مشكلات مع أي جهة باعتبارنا لا نرخص، بينما من يعمل داخل دمشق لا بد من وجود بعض المعوقات، أما أسعار المنازل فتصل في الأحياء العشوائية إلى مئة مليون رغم عدم استكمالها لشروط السكن، يؤكد أبو الريم. “من وين ترخيص المكتب في حال قررتوا ترخصوا” سألنا، ليردّ أبو الريم: “صدقيني مابعرف بس يمكن من المحافظة” هو نفسه لا يعلم!!.
حال المواطن
حال المستأجرين والوضع المعيشي بالعموم، يستدعيان النظر واتخاذ إجراءات تحدّ من جشع “سماسرة” العقارات، فالمواطن لا يطلب تأمين سكن رغم أنه حقّ من حقوقه، بل يطلب كبح جماح تلك المكاتب، فالحال صعبة والناس لم تعد تتحمّل، وللأسف الجهات المعنية تتقاذف الكرة وتتهرّب من مسؤولياتها، فلمن نشتكي ومن يجيب؟!.
نجوى عيدة