الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الأشجار.. ودمشق الحبيبة!

حسن حميد

أود بدايةً أن أعتذر من قرائي الكرام الذين اعتادوا قراءة ما أكتبه، إن صدق ظني، حول الكتّـاب والكتب والفنون عامة، لأنني كنت أقول، ولم أزل، إن ما أعرفه عن الثقافة والأدب والأعلام والقضايا الكبرى هو الذي أرغب بالإشارة إليه لأنني أعرف أهميته وأسراره وما فعله من تأثيرات كبرى في حياة الناس، وعادة أتجنب الكتابة في شؤون عامة لا أعرفها المعرفة الحقة، ولكنني هنا، أعتذر من قرائي لأنني سأتحدث عن شأن عام أراه يومياً وأعيشه، وأقول يا ليته على غير هذه الصورة، وموضوعي هنا ليس كبيراً، ولا شاسعاً، إنه، ببساطة، أمر يتعلق بهذه المدينة التي عشقتها، دمشق، مثلما عشقها كل من رآها أو سمع عنها، فهي دارة العمارة والمجد والجمال، بل هي تحفة رائعة من تحف العالم الرائعة.

هنا أشير إلى أمر يتعلق بهندسة الحدائق، أو لأحدد أكثر فأقول، هندسة الشوارع عبر قيافتها الحدائقية، كلنا نحب الأشجار، والأعشاب، والألوان، والتكوينات الهندسية بالأزهار، والنباتات، والعرائش، ودمشق قديمة العهد بهذه الهندسة الحدائقية، ولكن أود لفت انتباه أهل المسؤولية عن هندسة الحدائق والشوارع، وهنا أخص الشوارع، ثمة شارع هائل في أهميته وحضوره وحيويته هو الشارع المنطلق من منطقة الحجاز غرباً والذهاب إلى باب سوق الحميدية، وهو شارع النصر، وحوله توزعُ يدُ العمران الأبنيةَ الجميلةَ المحيطة بطريق عريض له اتجاهان، ذهاب وإياب، وفي المنتصف أشجار النخيل التي عادة ما تهمل خلال فصل أو فصلين من السنة فتتدلى أغصانها اليابسة، وعلامة اليباس هي إشارة ومناداة لكي تعمل يد الهندسة على التشذيب والقيافة، ولكن اللافت للانتباه في هذا الشارع هو هذه النباتات ذات الخضرة البهيجة المتعالية إلى حدّ أنها تغطي قامة الإنسان، هذه النباتات هي كتلة خضراء أحسب أنها بحاجة ليد هندسة الحدائق لتجلو جمالها على نحو أكثر إبداعاً، لأن دواخل هذه الكتلة الخضراء لا يعلم ما فيها، ولا ما تخفيه سوى أهل العلم، وأظن أن جمالية أخرى مقترحة من الخضرة والأزهار سوف تطوي هذه الكتلة المغلقة على نفسها، وأنها ستعطي الشارع حيوية أكثر، وجمالية أوفى، وسحراً يسر الناظر إليه، وأظن أن الشارع سيغدو أكثر رشاقة وحضوراً مما هو عليه اليوم، لأن الرتابة التي عرفها منذ سنوات طوال باتت لا تسر الناظرين، ولا تبهج الأنفس.

شارع آخر مهم جداً هو شارع أتوستراد المزة، وهو شارع رعته عين الهندسة مرات ومرات، مثلما رعته يد الهندسة مرات ومرات أيضاً، لكن في هذا الشارع الذي رأيته مؤخراً مثل فرس محجلة بعد أن تم ترشيق أشجار النخيل، توجد أشجار أحسبها أشجار كينيا، تدلت أغصانها السفلى حتى افترشت الرصيف من هنا وهناك، فعلاها الغبار، وداستها الأحذية، ولاذت بها بعض الأكياس البلاستيكية والأوراق المتطايرة، أظن أن ترشيق هذه الأشجار، وعلى الطرفين، سيمنح شارع الاتوستراد بهجة مضافة.

وشارع آخر أشير إليه أيضاً، هو الشارع المنحدر من بوابة الميدان باتجاه المنطقة الصناعية الجنوبية امتداداً نحو سبينة والباردة والكسوة.. هو طريق يصرخ يومياً بأنه بحاجة إلى عناية اليد الهندسية والعين الهندسية معاً لأن ما هو عليه اليوم لا يسر أحداً على الإطلاق، ونظرة من أهل الهندسة والمسؤولية معاً لهذا الشارع ستعيده إلى ما كان عليه من جلال وبهاء وجمال بوصفه مدخل دمشق الحبيبة الجنوبي.

بلى، الطرق، والحدائق، والأشجار، والعمارات هي ثياب المدن الجميلة التي تتباهى بها لأنها تعيدها إلى عمر الطفولة، وعمر البكورية.. وكلاهما دارة للجمال والزهو المتجددين، وكلاهما محط الرهان على الابتكارات والرؤى البهّارة.

Hasanhamid55@ yahoo.com