ثقافةصحيفة البعث

ضحى الخطيب.. طفلة تصنع لوحات للأطفال من قصاصات ملونة

الحبُ يملأ قلبها وعلبة ألوانها التي كلما فتحتها تتخيّل أنها سرب فراشات أو فتاة صغيرة ترتدي الحذاء الأحمر الذي يسير بسرعة، تلك الفكرة أو غيرها من مشاعر الطفولة تبقى لها تلك القدرة السحرية على تحفيز الدماغ ليبدع عند الفنانة ضحى الخطيب التي قالت في حوارها مع “البعث”: هذا العالم السحري في عقول الأطفال وقلوبهم هو ما أحاول رسمه حين يجتمع الخيال مع الواقع، أو حين يقدّم الطفل أكثر الأفكار تعقيداً بطريقة بسيطة، وهنا تأتي مسؤولية العاملين في مجال ثقافة الطفل، إذ لا يمكننا أن نكون كالعازف على مقام محدّد، فما نقدّمه للطفل بسيط ومعقد وهنا تكمن الإشكالية. وفي الوقت نفسه علينا تقديم الأفضل للمُبشّر بالفرح ونريد إبعاده عن النمطية والأفكار السلبية ووضعه على الطريق الصحيح في التذوق والمحاكمة وخلق الأفكار المُلهمة.

الرسم للأطفال

عمل الفنانة ضحى الخطيب في مجال رسوم كتب الأطفال ومجلاتهم كان خيارها، وعن هذا الخيار قالت: وجدت فيه متعة وخصوصية، ومساحة واسعة لقول ما أرغب قوله بعيداً عن التكرار والنمطية، ولعلّ أكثر ما يفرحني هو إثارة دهشة الطفل وفرحه، وتلقي ذهنه وروحه للوحتي التي أعمل لتكون لها بصمة خاصة، من حيث تأثير استعمالي للخامات والتقنيات المختلفة في ترجمه النص اللغوي إلى نص بصري يجعل القلب يبتسم ويثير الأسئلة النوعية، إضافة إلى كون مجال لوحة الطفل عموماً هو شغفي، ولطالما فكرت بأن الألوان لغة واللوحة هي رأي ووجهة نظر خاصة بهذه الظروف اليوم.

غيمة بيضاء

تحلمُ ضحى الخطيب أن تكون مؤثرة بإيجابية، وأن تبني لوحات خفيفة على القلب والروح للصغار والكبار، وتبقى في ذاكرتهم مثل غيمة بيضاء من السهل التقاطها. عن طفولتها وحياتها تقول: الحياة منحتني الكثير، ولعلّ السبب الأساسي في كوني ولدت في عائلة دمشقية، أبي وأمي من المثقفين الإيجابيين المتوازنين، إضافة إلى التربية والحب اللذين قدماه لنا أنا وأختي فقد علمانا كيف نفكر، وتعاملا معنا من منطلق “أبناؤكم ليسوا لكم أبناؤكم أبناء الحياة”، علمانا كيف نكون إيجابيين في التعاطي مع البيئة والمجتمع، سلاحنا الفكر والثقافة والتنوع والأفكار البعيدة عن النمطية، وأن نكون مسؤولين تجاه أنفسنا وبلدنا.

دمشق

الحارات الدمشقية جزء من حياة الفنانة ضحى الخطيب التي قالت عن مدينتها: للأسف الحرب والأوقات السوداء التي مرّت بها سورية، والفساد الذي ساد، جعلت الكثير من الأفكار والسلوك الذي تربيت عليه محض خيال وكأني غارقة في رومانسية عبثية، لكن أنا عن نفسي متأكدة من أن هذا الوقت سيمضي، ومن حسن حظي أني أؤمن أن الوقت صديقي، ومن حسن حظي أيضاً أني ولدت في دمشق وتذوقت التوت والليمون الجامد ومشيت في الحارات وسكنت البيوت الدمشقية وكل التفاصيل التي لا تفارق روحي، ومن حسن حظي أيضاً أني تعلمت عيش أي تجربة بإيجابية وحب، وبدوري أخفّف من التكرار والتفاصيل المزعجة الكئيبة والجدران الرمادية ولا أغرق بالمقارنات في دمشق وعرائشها والأبواب والأقواس الموشومة بالألق، في الحقيقة، أعطتني دمشق خلفية معرفية روحية وجمالية وظّفتها في مختلف مراحل عمري من خلال رسومي ولوحاتي.

الجمال

وعن تجربتها كفنانة للأطفال أجابت: يستطيع العقل أن يكون انتقائياً ويلتقط الجمال رغم الخراب وأنا أحب سورية، ولأني أحبها كإنسانة وفنانة فمن واجبي تجاه نفسي وبيتي وبلدي التقاط الجمال، وبدوري أحاول إعادة تدويره وزراعته وترميم ما تهدّم ولو باللون، وهذه الفرصة أتاحها لي العمل كرسامة في مجال كتاب الطفل وكوني عضواً في هيئة تحرير “أسامة” المجلة التي لا أستطيع اختصارها بكلام، فهي أتاحت لي التعرف على أشخاص نوعيين بثقافتهم وفكرهم وإيمانهم بالطفولة وبسورية المستقبل، وتبقى المجلة هي الأجنحة التي تحملنا صوب طفولة ملونة وعالم من الدهشة اللطيفة.

لغة الكولاج

أما عن فن الكولاج فأضافت: هو اليوم بالنسبة لي أسلوب أحبه وأتعلّم منه ويضيف لقلبي وروحي الكثير، يدهشني التعامل مع عالم الورق والتعامل مع الخامات المختلفة، هو سحر يجعلني أغرق في أعماق لوحتي أو يحملني إلى مزاج التحليق، أحبّ التعامل بلغة الكولاج لأنه يحفّز ذهني، وكأنني في كل لوحة أمام تمرين ذهني تخلقه المصادفة حيناً واختلاف التقنية والتكنيك المستعمل حيناً آخر، لتولد لوحة تختزن بتفاصيلها وألوانها مشاعري والحكاية وتثير انتباه الطفل وفضوله وابتسامته.

آدم

ابنها “آدم” هو روحها الذي لولاه لكانت مجرد جسد، عن تجربة الأمومة تجيب ضحى الخطيب الأم: أنا وآدم نتبادل الأدوار، مرة هو سمائي وأنا فراشة، ومرات ضحكته تجعلني حقولاً ملونة الأمومة، بهذه البساطة وبهذا التعقيد، تعاملي مع آدم مبنيّ على مخزون ثقافي ومعرفي وسلوكي وقرارات حسب كل مرحلة عمرية يمرّ فيها، وهو اليوم عازف كلارينيت يحوّل مشاعره وأفكاره إلى موسيقى مثلما أنا أحوّلها إلى ألوان، لكن آدم ككل الأطفال يملكون عالماً داخلياً تضيء فيه مواهبهم غير تلك التي يدعمها الأهل كالتطريز ولعب السلة، وأنا كلّ ما يشغل قلبي وفكري أنني أريد تقديم الأفضل له، ولو على سبيل إبعاد قلبه وعينيه عن كل شيء قبيح، وحذف وتشذيب ما أمكن من الأشياء التي تضرّه في طبعه وتحسين الظروف لتكون ضحكته من قلبه ولو بكلمة.

جُمان بركات