الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

وهذا الحريق!!

عبد الكريم النّاعم

يحار الكاتب من أين يبدأ! أكتب والحرائق في أشجار جبالنا الغربيّة ما تزال مشتعلة، عصيّة على الجهود المبذولة بقدر الإمكانيات المُتاحة،.. هذا الحريق الذي لفحت لواهبه كلّ نفس وطنية حرّة أبية تحمل ذرّة من نبض إنسانية الإنسان.

هذا الحريق يأتي مُرافقا للحرائق المتنوّعة التي أُوقدت نيرانها منذ عشر سنوات، ونتج عنها حريق الأسعار الذي تتلظّى نفوسنا بالاكتواء به، ولا نعرف كيف نتدبّر أمورنا، فالفجوة بين ما بأيدي عامّة الناس، وحريق الأسعار، فجوة تتّسع كلّ يوم حتى لتغدو كالهوّات الموجودة في الأساطير، وحاجيات الإنسان للطعام والشراب واللباس، وتأمين إعالة الأبناء لا يمكن الاحتيال عليها، وتعال دبّرها.

أنا أعلم أنّي قد لا أضيف غير معروف، ولكنّها كتابة تخرج من بين شقوق الروح في زمن بالغ الرداءة والصعوبة، إلاّ على الذين أثروا حراما، وشفطوا أموال البلد انتهاباً، فهم يتنعّمون بقدر ما في خزائنهم من مسروقات، ونحن من الذين يعرفون، ولكنّنا عاجزون.

هذه الحرائق في السنوات الأخيرة تكاد تكون موسميّة، وهذا يعني أنّه يُفترَض في الجهات المعنيّة أن تتوقّعها، وأن تحتاط لأخطارها، فما الذي فعلتْه هذه الجهات من أجل ألاّ تتكرّر هذه الكارثة، أعني كلّ الجهات التي لها علاقة بذلك؟!

هذه أشجار وغابات لا يمكن تعويضها بين يوم وليلة، إنّ تعويضها يحتاج لأعمار، ولأجيال، أنت قد تستطيع إعادة الكثير ممّا دمّرته هذه الحرب الظالمة المُتكالبة بسرعة أكبر من المتوقّع، على مستوى الحجر، أمّا مع الشجرة فذلك أمر آخر، وخسارة أعمق.

يتساءل الناس أين الطائرات المخصَّصة لإطفاء الحرائق؟! أين الطرقات التي تسهّل وصول سيارات الإطفاء؟ أين مَن يسأل كلّ مسؤول عن ذلك فيحاسبه بقدر تقصيره؟!

يُقال إنّ هذه الحرائق منذ سنوات تتكرّر بفعل فاعلين، وأنا لا أستبعد ذلك، أقلّها الإهمال، وأشنع من ذلك الذين يحرقون غابة بكاملها من أجل الحصول على الفحم للاتّجار به، وثمّة، كما يُقال مَن يفعل ذلك للاستيلاء على أراض جديدة يضيفها إلى أملاكه، وثمّة مَن لا يهمل نظريّة المؤامرة فيرى أنّ أيادي خفيّة، مدرَّبة، تُشعل هذه الحرائق بقصد المزيد من إفقار البلد وأهله بحيث لا يجدون ما يأكلون، وما ذلك بغريب على القوى المعادية، لاسيّما الصهيونيّة ومَن تصهيَن معها.

وثمّة مَن يجمع كلّ هذه الأسباب لتتضافر على إحداث هذا الكمّ المُفزِع من الخراب، وجعله متنقّلا متّقداً بحيث يصبح دورنا الفاعل هو دور الإطفائي الذي لا يملك إلاّ أدوات بدائية في مواجهة انفتاح باب من أبواب جهنّم.

لعلّ من أسخف التعليقات التي سمعتُها لأحد المذيعين، وهو يغطّي أخبار الحرائق في إحدى مناطقه الواسعة، وأنا أحيّي جهده، ولكن أن يقول المهمّ في الحريق أنّه ليس هناك ضحايا! صدّقني أن بعض الأحياء سيحسدون من مات لأنهم يقولون إنه ارتاح.

لا أدري لماذا تظل هذه الفجوة مخيفة بين حجم التضحيات والبسالة التي قُدّمت من قبل شرائح هذا المجتمع الفقيرة، وما يرتسم على الأرض؟!

يقول إمام البلغاء عليّ ع: “اتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم”، فدقّق في هذا الكلام العميق، الذي يشمل “العباد” كأعلى قيمة فوق ظهر هذه الأرض، و”البلاد” بكل جغرافيتها. البلاد ذلك البستان الربانيّ الذي هيّأه الله لإقامة مَن سمّاه خليفة، ولم ينس أنّنا مسؤولون حتى عن “البقاع والبهائم”، البقاع على تنوّعها، والبهائم على تعدادها، يقول إنّنا مسؤولون، بمعنى أنّ ذلك مسؤوليتنا في هذا العالم، وسوف نُسأل عن صيانة هذه الأمانة بين يدي مَن لا تخفى عليه خاقية.

aaalnaem@gmail.com