مجلة البعث الأسبوعية

الإجهاض في زمن كورونا.. نيسان وأيار سجلا نقطة الذروة وضباية الفيروس لعبت دورها!!

“البعث الأسبوعية” ــ ميس بركات

مصير مجهول ووضع معيشي خانق ومنظومة طبية تنتشل نفسها من سنوات حرب طاحنة، وعشرات المسببات الأخرى التي جعلت الكثير من المتزوجات يغيرن نظرتهن لمفهوم الأمومة خلال الأشهر الأخيرة، إذ ترك انتشار فيروس كورونا بصمته على جميع مناحي الحياة، لا سيّما الإنسانية منها، وأضحى الإجهاض في زمن الكورونا ظاهرة لا يمكن تجاهلها، دون التوقف عندها والغوص في حيثياتها ومنعكساتها السلبية على مجتمع لا يمكن أن يقبل التضحية بأجنّته في وقت هو بأمس الحاجة لأجيال جديدة تعوّض ما فقده في سنوات حرب قطفت أعمار الكثيرين من شباب البلد.

 

ظروف استثنائية

مع ذلك، لا يمكننا إدراج حالات الإجهاض الكثيرة التي نسمع عنها يومياً تحت بند فيروس كورونا، فالوضع المعيشي الضاغط على جميع الأسر السورية جعل التفكير في تحديد النسل لزاماً على أغلبها؛ فبين غلاء مخيف طال جميع مستلزمات الطفل الرضيع بدءاً من الحليب وانتهاء بالحفاضات، وبين غلاء آخر طال جميع مكونات الحياة، كان التفكير بعدم الإنجاب الحل الأسلم، لا سيما لدى الأسر متوسطة الدخل، الأمر الذي دفع بالأمهات إلى مراكز رعاية الأسرة لاتخاذ التدابير التي تحول دون الإنجاب في ظل هذه الظروف الاستثنائية، وإلى عيادات الأطباء للإجهاض في حال حصوله، إذ يؤكد الأطباء تزايد نسبة حالات الإجهاض خلال الآونة الأخيرة حتى قبل انتشار فيروس كورونا بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة من جهة، وبسبب ما خلفته الحرب من كوارث اجتماعية أخلاقية لم يكن بالمقدور ضبطها والسيطرة عليها من جهة أخرى، ناهيكم عن الانفتاح المخيف على الثقافة الغربية التي تشرعن الإجهاض وترى أن عدم استمرار الحمل هو من حق الأم لأي سبب تراه عائقاً أمام استمرار حملها.

 

ضبابية المرض

من خلال عودتنا لأهل الاختصاص، أكد لنا عدد من الأطباء الأخصائيين بالأمراض النسائية أن ازدياد حالات الإجهاض خلال الأشهر الأخيرة أمر طبيعي نتيجة الخوف والهلع الذي أصاب المواطنين من انتقال عدوى فيروس كورونا إليهم، فكيف الحال إذا كانت العدوى ستنتقل إلى امرأة حامل لا تعلم ما سيحلّ بها وبجنينها في حال انتقلت العدوى له ولها، الأمر الذي دفع الكثير من الأمهات خلال شهري نيسان وأيار للإجهاض الفوري دون انتظار رأي الأطباء، نظراً للضبابية التي كانت تحيط بهذا المرض في تلك الفترة. لكن، ومع تقشع تلك الضبابية، بدأ بعض الأمهات الحوامل بالتريّث في موضوع الإجهاض، فالكثير من الإصابات التي حصلت في سورية كانت بدرجات ليست خطيرة، وأغلبها تماثل للشفاء، كذلك لاحظنا وجود العديد من الإصابات لنساء حوامل في الأشهر الأخيرة، وتم شفاؤهن وولادة أطفال أصحاء لم تنتقل لهم العدوى. ويؤكد الدكتور فؤاد عساف، اختصاص أمراض نسائية – ريف دمشق، إصابة أكثر من خمس أمهات حوامل لديه بفيروس كورونا، ومحاولتهن التخلي عن الجنين، لكن إصراره كطبيب مختص على عدم الإجهاض حال دون وقوعه لتتم ولادة أجنّة أصحاء وشفاء الأم من الفيروس. وكشف عسّاف انخفاض حالات الإجهاض خلال الشهرين الأخيرين نتيجة لجوء أغلب النساء إلى استخدام موانع الحمل لتجنّب الحمل أو البقاء في خطر وقلق الإصابة بالفيروس خلال فترة الحمل، خاصّة في ظل عدم وجود دواء فعّال وأجهزة صحيّة ومشاف مجهّزة لحالات المصابين بهذا الفيروس.

 

قلّة في الخدمات

لم يختلف حال المدينة عن الريف، فالخوف والقلق واحد، والمنظومة الطبية الضعيفة واحدة في كلتا الحالتين، ووهم انتقال ونقل العدوى ذاته عند جميع الحوامل اللواتي لم يترددن أيضاً في الكشف المبكر عن الحمل والإجهاض المبكر له أيضاً، إذ يؤكد الدكتور اسكندر سعيد، اختصاصي نسائية – دمشق، استمرار النساء الحوامل بحملهن قبل انتشار الوباء في سورية، خاصة كونهن في الأشهر الأخيرة من الحمل. لكن ومع بداية الصيف والانتشار التصاعدي للفيروس بدأ الخوف والإشاعات حول موت الأمهات الحوامل في حال الإصابة ما اضطر الكثيرات للجوء إلى الإجهاض خوفاً على صحتهن وصحة الجنين، إلّا أن الطب وحالات الحوامل اللواتي انتقل لهنّ الفيروس أثبتوا العكس، خاصة في حال عدم وجود أمراض سكري أو قلب عند الأمهات، ليتماثلن للشفاء دون وجود مضاعفات جانبية سلبية.

لكن معاناة الأطباء مع هؤلاء المريضات كثرت بكثرة الأسئلة والاتصالات، خاصة مع ندرة زيارة الحوامل لعيادات الأطباء تجنباً لانتقال العدوى لهن. ونوّه الدكتور سعيد إلى قلة الخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية في بلدنا، والتي اتضحت خلال فترة انتشار الفيروس، والحاجة الماسة لتلك الخدمات مقارنة بخدمات أخرى أقل أهمية لا تمتّ للصحة بصلة لكن تفوقها بالاهتمام من قبل الجهات المختصة، مشيراً إلى قيام المستشفيات بتقليل الخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية إلى الحد الأدنى، ومنها من ألغتها تماماً بسبب النقص في أعداد العاملين أو بسبب نقلهم لأداء مهام جديدة.

 

محرّم شرعاً

ورغم أن وزارات الصحة العالمية تؤكد أن أغلبية حالات إصابة النساء الحوامل بفيروس كورونا تماثلت للشفاء دون أي آثار سلبية، إلّا أن المشهد العام يوحي بالقلق وعدم الثقة بتأثير هذا الوباء، الأمر الذي دفع رجال الدين للخروج بفتاوى بعضها يحلل الإجهاض خلال هذه الفترة، وبعضها يدعو لأخذ كافة التدابير التي تحول دون حدوث الحمل كي لا تصل الأمور للإجهاض الذي هو محرم شرعاً وديناً.

ومن وجهة نظر الدكتور عبد المؤنس الرزاق أن تأجيل الحمل خلال الوقت الراهن هو الحل الأسلم ريثما ينتهي الوباء، إذ لا يمكن المراهنة على صحة المرأة، فقد تكون ذات بنية ضعيفة وغير قادرة على تحمل أي عدوى. وقدّم المؤنس فتوى بهذا الخصوص أرجعها إلى حاشية ابن عابدين، والتي تؤكد أن الإجهاض خلال الأربعين يوماً الأولى مكروه تنزيهاً، أي يمكن الإجهاض في حال الضرورة (ضيق تنفس أو تعب أو سوء معيشة..)، أما الإجهاض في الـ 80 يوماً فهو مكروه تحريمياً، أي أقرب إلى الحرام، وحين يصل الجنين إلى عمر الـ 180 يوماً يصل الإجهاض إلى التحريم شرعاً، خاصة وأن الروح والحركة تُبث في الجنين في هذا العمر. ويعتبر الإجهاض في هذا العمر قتلاً للنفس إلّا في حالة واحدة وهي أن يكون هناك تهديد لحياة الأم أو الجنين، عندها تترجح أقوى الحياتين، وهي حياة الأم، مشيراً إلى أهمية عدم الانقياد خلف الأوهام والخوف من المرض قبل حدوثه، بل يجب أن تكون الأم متيّقنة ومدركة لمرض حقيقي شخصّه الأطباء لها ويمنعها من استمرار الحمل.

 

توعية صحية ونفسية

ولأن هذه العمليات تتم بسرية كاملة وبعيدة كل البعد عن القانون، لم نجد إجابات لأسئلتنا في وزارة الشؤون الاجتماعية التي تبدو غير قادرة على متابعة ورصد مثل هذه الحالات في زمن تفاقمت لتصبح ظاهرة مستشرية في مجتمعنا، لنتجه إلى الطب الشرعي الذي أكد لنا على لسان زاهر حجو، المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي في سورية، أن موضوع الإجهاض في زمن الكورونا شائك للغاية والهيئة لا تستطيع التعامل معه إلّا بورود حالات وشكاوى، مؤكداً عدم وصول حالات إلى الهيئة من هذا النوع حتى الآن، حيث تنحصر الحالات بالإجهاض الجنائي فقط، في حين نشط عمل الجمعيات التي حاولت رصد هذه الحالات وتقديم برامج رعاية وتوعية لمخاطر الإجهاض خاصة خلال الأشهر التي انتشر بها الفيروس، لتبيّن لنا الدكتورة مريم حنيدي، مسؤولة برنامج الجودة في جمعية تنظيم الأسرة، تقديم الجمعية كافة خدمات الإجهاض عدا الإجهاض لمنعه قانوناً، إذ تتركز خدمات الجمعية على مشورة ما قبل الإجهاض، وتتضمن التوعية بالإجهاض الآمن والإجهاض غير الآمن والذي يحوي مشاكل ومخاطر كبيرة، كذلك تقديم محاضرات عن أهمية استخدام وسائل الوقاية من الحمل غير المرغوب به، مشيرة إلى أن العيادات التابعة للجمعية لا تقوم بالإجهاض، وتحتاج عملية الإجهاض لإثبات خطورة الحمل على صحة المرأة وشهادة ثلاثة أخصائيين بذلك، وفي حال تم الإجهاض خارج العيادات تقوم الجمعية بمعالجة المضاعفات، فدور الجمعية ينحصر بمراقبة الحمل والنصيحة في العيادات، مؤكدة أن خدمات الجمعية جميعها مجانية دون أي شروط للمريضة، وتشمل الأدوية، ويصل عيادات الجمعية إلى 48 عيادة في سورية، 6 منها في دمشق، و12 في ريف دمشق. وعن الإجهاض في زمن كورونا، أشارت حنيدي إلى ازدياد نسبة الإجهاض في كورونا لأن المرض جديد على الجميع، ولأن منظمة الصحة العالمية لم تثبت وجود علاج حقيقي للفيروس، الأمر الذي انعكس سلباً على الحوامل اللواتي طلبن الإجهاض مؤخراً بنسبة كبيرة خوفاً من انتقال العدوى للجنين وخوفاً من الولادة في المشافي حالياً وانتقال الإنتانات إليهن أو على الجنين.

وعن الخدمات التي تقدمها الجمعية خلال الفترة الحالية بيّنت حنيدي أن الجمعية قدمت برامج متعددة وتم تشكيل فريق طبي خاص بكورونا وتقديم جلسات توعية صباحية للنساء الحوامل، وتم توزيع المعقمات والكمامات والكفوف على عياداتنا، كذلك تقديم دعم نفسي خلال كورونا، خاصة في ظل الحجر الصحي والضغط النفسي الذي يعانيه أفراد الأسرة نتيجة اضطرارهم للجلوس مع بعضهم أوقاتاً طويلة وتوقف عمل الكثير من الرجال، كذلك تم تشكيل مجموعات وإرسال رسائل توعية ونشر محاور رعاية على صفحة الفيس الخاصة بالجمعية.