مجلة البعث الأسبوعية

سوروس وأردوغان.. أسلحة الهجرة الجماعية لتدمير أوروبا وروسيا انطلاقاً من سورية والشرق الأوسط

” البعث الأسبوعية ” تقرير العدد

في مقال بعنوان “يجب على أوروبا أن تقف إلى جانب تركيا بشأن جرائم الحرب التي اقترفها بوتين في سورية”، يوضح جورج سوروس سبب اعتقاده بأن على الاتحاد الأوروبي دعم سلوك رجب طيب أردوغان العدواني في سورية وتقبل ابتزاز الرئيس التركي لأوروبا. وفي الوقت الذي يهدد فيه أردوغان الحدود اليونانية للاتحاد الأوروبي بشكل مباشر، من خلال حشد آلاف المهاجرين هناك، يلقي سوروس أيضاً باللوم على ما يسميه “التدخل الروسي” في سورية؛ ومع ذلك، فقد وصف مؤخراً تركيا التي يديرها أردوغان بأنها تهديد مباشر للاتحاد الأوروبي، وفي كتاب له صدر، عام 2019، بعنوان “الدفاع عن المجتمع المفتوح”، أوضح سوروس إن “الاتحاد الأوروبي محاط بقوى معادية: روسيا بوتين، وتركيا أردوغان، ومصر السيسي، وأمريكا التي يرغب ترامب في إيجادها لكنه يفشل”، كما أوقفت مؤسسات المجتمع المفتوح أنشطتها الرسمية في تركيا، في تشرين الثاني 2018، تحت ضغط السلطات التركية.

 

ورقة أردوغان ضد بوتين

قي مقال له، في “الفاينانشل تايمز”، في 4 آذار الماضي، يلقي سوروس الضوء على السردية الجيوسياسية التي سعت شبكات المجتمع المفتوح إلى إيجادها منذ بداية الحرب على سورية. بالنسبة لسوروس، يجب أن يُنظر إلى أردوغان على أنه شريك متميز لأوروبا وحام “للّاجئين” في مواجهة روسيا التي تُصنف على أنها العدو الاستراتيجي الرئيسي للاتحاد الأوروبي:

“الحكومة الوحيدة التي أنشأت قوات عسكرية للدفاع عن المدنيين المحاصرين في إدلب (..) هي تركيا. قتلت الغارات الجوية (..) 34 جنديا تركيا في نهاية الشهر الماضي. ولكن تركيا لم تجرؤ على مهاجمة روسيا مباشرة لأن القوات الجوية الروسية أقوى من القوات الجوية التركية. روسيا تمتلك أسلحة نووية وتركيا لا تمتلكها”!!

ومن المهم أيضاً أن سوروس يقارب الوضع الأوكراني من مسرح العمليات السوري: “في عام 2014، حثثت أوروبا على أن تصبح على بينة من التهديد الذي تشكله روسيا على مصالحها الاستراتيجية، وإن كان ذلك في سياق وجغرافيا مختلفين (..). كانت روسيا قد “غزت” أوكرانيا وهي تعلم أن أوروبا ستسعى إلى تجنب أي مواجهة، ومع ذلك، فإن ما يحدث في إدلب اليوم يتبع نفس النمط: أوروبا تتجنب المواجهة مع روسيا بشأن سياستها تجاه سورية في وقت يتعين عليها مجابهتها (..)، ومن خلال التركيز على أزمة اللاجئين التي خلقتها روسيا، تعالج أوروبا الأعراض، وليس السبب”.

يذهب سوروس بعد من ذلك، وإلى حد تقديم روسيا والدولة السورية على أنهما تتعمدان إرسال اللاجئين إلى تركيا وأوروبا: “على أوروبا المصممة على الحد من تدفق اللاجئين أن تعترف بأن تركيا تحملت بالفعل عبء إيواء ملايين اللاجئين السوريين من بلدهم. وتستضيف تركيا بالفعل 3.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها. ولا يمكنها استيعاب المليون الإضافي الذي يدفع به (الرئيسان) الأسد وبوتين نحو حدودها (..) لذلك، ينبغي على أوروبا أن تسعى إلى تعزيز الموقف التفاوضي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع بوتين في محاولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار من شأنه الحفاظ على منطقة آمنة في إدلب”.

تجاهل جورج سوروس التسلسل الزمني للصراع في سورية، والأسباب الحقيقية للوجود العسكري الروسي، وقدم روسيا على أنها المسؤولة عن الأزمة، بل وذهب إلى حد استدعاء نظرية المؤامرة، مؤكداً أن استراتيجية روسيا لا تنطوي فقط على تنظيم اللجوء الجماعي للسوريين إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً على تحدي قواعد القانون الدولي المعمول بها منذ عام 1945: “منذ بداية تدخلها في سورية، في أيلول 2015 (..) أرادت روسيا استعادة النفوذ الإقليمي والعالمي الذي فقدته منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. ولقد سعى بوتين إلى استخدام الاضطرابات في الشرق الأوسط لمحو المعايير الدولية والتقدم الذي أحرزه القانون الإنساني الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. في الواقع، لم يكن خلق الكارثة الإنسانية التي حولت ما يقرب من 6 ملايين سوري إلى لاجئين سوى نتيجة ثانوية لاستراتيجية الرئيس الروسي في سورية.. كان ذلك أحد أهدافه الرئيسية”.

يشير جورج سوروس بانتظام إلى روسيا باعتبارها العدو الرئيسي لمشروعه المتمثل في دولة عالمية تنهي الدول القومية، وهو مشروع يشير إليه بشكل غير رسمي ومضلل تحت اسم “المجتمع المفتوح”. وكما في عام 2016، عندما أوضح أن “بوتين يشكل تهديداً أكبر على وجود أوروبا من داعش”، أصبح أردوغان “المناهض لسوروس”، في عام 2020، تهديداً أقل من بوتين للمجتمع المفتوح.

كانت روسيا على مدى عدة عقود العدو الجيوسياسي الأول لسوروس. وكان انهيار القوة الجيوسياسية الروسية وتراجع نفوذها من الضرورات الاستراتيجية لشبكات المجتمع المفتوح منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث فترة القطبية الأحادية المظفرة التي نشر خلالها كتابه البرنامجي “فتح النظام السوفياتي”، قبل أن يستثمر الملايين للتأثير على الموظفين ورجال السياسة والصحافة والفن والعلم في دول حلف وارسو السابق.

 

أسلحة الهجرة الجماعية  

في عام 2016، كان سوروس يطور بالفعل نظرية المؤامرة لروسيا “التي تسعى إلى تدمير الاتحاد الأوروبي باستخدام تدفقات اللاجئين السوريين”. موضحاً أن “قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يرتكبون خطأ جسيماً عندما يفكرون بأن روسيا بوتين هي حليفهم المحتمل في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.. الأدلة تناقض ذلك، وهدف بوتين هو تفكيك الاتحاد الأوروبي، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك (بالنسبة له) هي إغراق أوروبا باللاجئين السوريين، وتغذية الخوف من الإسلام”.

ومن غير الضروري أن نتذكر هنا إن التدخل الروسي ودعمه للدولة السورية التي تعرضت للهجمات من جميع الأطراف قد أوقف نزيف اللجوء من سورية. وأنه كان من شأن انهيار الدولة السورية أن يتسبب في كارثة إقليمية ودولية، ويولّد تدفقات ديموغرافية متواصلة عبر البلدان المجاورة، ومن ثم إلى أوروبا والقوقاز الروسي عبر تركيا وحتى عبر إيران. وأنه كان من شأن هذا الوضع أن يطلق ديناميات سقوط أشد دراماتيكية من تلك التي سبق أن دمرت أوروبا منذ بداية الحرب.

والحقيقة أننا لو ألقينا نظرة فاحصة على مسؤوليات أزمة الهجرة الهائلة التي واجهت الاتحاد الأوروبي منذ بداية الحرب على سورية، فسوف ندرك بسرعة الدور الذي لعبته المنظمات غير الحكومية المرتبطة بمؤسسة “المجتمع المفتوح”. والواضح أيضاً أن سوروس نفسه يتحمل مسؤولية شخصية عن تعامل الاتحاد الأوروبي الكارثي مع قضية الهجرة منذ عام 2015. ففي أيلول 2016، وعد سوروس باستثمار 500 مليون دولار في أسهم “يستفيد!!” منها المهاجرون، وبلغت ميزانية منظمته “المجتمع المفتوح” للهجرة، في عام 2018 وحده، 63.3 مليون دولار. عدا عن ذلك، فإن سوروس لم يدعم المنظمات غير الحكومية التي تقوم بإعادة توطين المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوروبا فحسب، بل وساهم شخصياً في وضع “خطة ميركل”، من أجل منح اللجوء لـ 500 ألف لاجئ سوري.

وكان سوروس قدم، في 2015، خطة أولية، حملت عنوان “إعادة بناء نظام اللجوء”، متضمنة المبادئ التوجيهية التي يجب اتباعها بحيث لا تعود أوروبا ممراً مفتوحاً لجميع الهجرات من أفريقيا والشرق، أي نوعاً من “محور” قاري للهجرة العالمية. وفي هذا الكتيب، يشرح سوروس، من بين أمور أخرى، كيف أن “الاتحاد الأوروبي يحتاج الآن إلى خطة شاملة للاستجابة تؤكد من جديد فعالية “التحكم” بتدفق طالبي اللجوء، بحيث يمكن تنفيذ الهجرة بترتيب وأمان، وبوتيرة تتكيف مع القدرة الأوروبية على الاستيعاب. ولكن – ولكي تكتمل هذه الخطة – “يتعين عليها أن تمتد إلى ما وراء حدود أوروبا. (..) يجب أن يكون مصير الشعب السوري على رأس الأولويات. وبالمثل، يجب أن تقترن هذه الخطة الأوروبية باستجابة عالمية، تحت سلطة الأمم المتحدة وبمشاركة البلدان الأعضاء فيها. ومن شأن ذلك أن يُوزع عبء الأزمة السورية على عاتق المزيد من الدول”.

وكما نرى، فإن سوروس لم يتصور، في أي وقت، إمكانية رفض الاتحاد الأوروبي للتدفق الهائل للسوريين، بل يجب ببساطة تنظيمهم وتوزيعهم على أفضل الدول الأوروبية. وهو يتكلم هنا، في توقيت هذا النص، عن مليون لاجئ، دون احتساب اللاجئين القادمين.

وكمثال على كيفية تعامل شبكات سوروس مع أسلحة الهجرة الجماعية هذه، يمكن للمرء أن يتذكر أنه، في عام 2015، في جزيرة ليسبوس اليونانية، وضع مراسل سكاي نيوز يديه على دليل مصغر حقيقي لرحلة اللجوء يحتوي على خرائط وأرقام هواتف وعناوين المنظمات التي يمكن أن تساعد اللاجئين، وفيه تم تفصيل العديد من الطرق الأوروبية، بالإضافة إلى الخطوات التي يجب اتباعها للوصول إلى الوجهة المقصودة. كما تم إدراج مراكز فحص المهاجرين. وقد أعطيت هذه الكتيبات، المكتوبة باللغة العربية، للاجئين قبل عبور البحر الأبيض المتوسط من قبل مجموعة W2eu (مرحباً بكم في أوروبا)، وهي شبكة ممولة مباشرة من “المجتمع المفتوح” ومرتبطة بالشبكات الأوروبية للنشطاء “بلا حدود”.

 

“الاستبدال العظيم”.. الثمار المرة

وفقاً للمكتب الإحصائي التابع للمفوضية الأوروبية Eurostat، قدم أكثر من 1.8 مليون لاجئ ومهاجر إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2015ء، أي أكثر من ضعف العدد الذي تم تقديمه في عام 2014. وجاء التدفق الرئيسي من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، وكانت الزيادة الحادة نتيجة زعزعة الاستقرار هناك، بما في ذلك الحرب في ليبيا، و”الربيع العربي”، والحرب في سورية، والحرب الدينية في النيجر. لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي أنموذج مطور للهجرة ولا سياسة متماسكة، وكانت نقاط التفتيش الحدودية شديدة التراخي، وكانت مخيمات اللاجئين سيئة التخطيط، وتم اتخاذ بعض الإجراءات للتخفيف من حدة الوضع، لكنها في الغالب كانت محدودة للغاية وبعد فوات الأوان. وفي نهاية عام 2015، تم سن اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا فقط حيث تم منح 3 مليارات يورو لأنقرة لـ “بناء وصيانة مخيمات اللاجئين”.

في دراسة له حملت عنوان “سوروس والمجتمع المفتوح: سياسة فوقية للعولمة” ( 2018) يشير عالم السياسة الفرنسي بيير أنطوان بلاكويفنت إلى أن تشكيل سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي قد تأثر بشكل كبير بأفكار سوروس، الذي أصبح يعرف باسم “الكاردينال الأسود لأزمة الهجرة”، ويحذر أن السيناريو الجيوسياسي لسوروس واضح تماماً: “زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط تخلق تدفقات من الهجرة، وتستخدم التدفقات نفسها لاحقاً لإضعاف أوروبا”.

ويصنف المحلل السياسي الفرنسي رينو كامو حهود سوروس في إطار نظرية “الاستبدال العظيم” التي تنص على استبدال الأوروبيين قريباً بمهاجرين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويشير كامو إلى “الاستبدال العظيم تسمية لفترة تاريخية، على شاكلة حرب المائة عام، أو الحروب الدينية، أو حرب الفروند، أو الثورة الفرنسية، أو حروب الاسترداد (في إشارة إلى سقوط الأندلس)، أو الحربين العظميين الأولى والثانية.. إنه اسم، تقريبي بالضرورة، للظاهرة الأهم في تاريخ فرنسا منذ خمسة عشر قرناً، لأن التاريخ إن استمر، مع شعوب أخرى، فلن يكون تاريخ فرنسياً”.

 

خاتمة

إن الدراما التي تدور منذ ما يقرب من عقد من الزمان في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم تشهد تفاقماً لذلك الاستخدام البشع واللاإنساني لأولئك الذين جرى اقتلاعهم من ترابهم الوطني. إن الأفواج البشرية التي غادرت أوطانها بسبب عنف وإرهاب المجموعات المسلحة، أو تحت تأثير القوة الناعمة للشبكات العالمية، تغدو مجرد ألعوبة لتحقيق أهداف جيواستراتيجية غير معلنة.

وحتى اليوم، وفي الوقت الذي يستخدم فيه أردوغان هذه الكتل من البشر للضغط على أوروبا، يدعو سوروس الاتحاد الأوروبي إلى دعم أردوغان ضد مصالح الاتحاد الأوروبي ذاتها. والحقيقة، فإن

استخدام نظام أردوغان وشبكات سوروس لهذه الدراما الإنسانية يكشف عن أجندة جيوسياسية مشتركة تستخدم “الهجرات الجماعية”، أو بالأحرى “الهجرات القسرية المصنعة”، كتكتيك جديد لتحقيق غايات سياسية محرمة دولياً.

وحتى اليوم، وفي الوقت الذي يستخدم فيه أردوغان هذه الكتل من البشر للضغط على أوروبا، يدعو سوروس الاتحاد الأوروبي إلى دعم أردوغان ضد مصالح الاتحاد الأوروبي ذاتها. والحقيقة، فإن

استخدام نظام أردوغان وشبكات سوروس لهذه الدراما الإنسانية يكشف عن أجندة جيوسياسية مشتركة تستخدم “الهجرات الجماعية”، أو بالأحرى “الهجرات القسرية المصنعة” – كما تسميها عالمة السياسة كيلي م غرينهيل، الأستاذة في جامعة هارفارد – كتكتيك جديد لتحقيق أغراض سياسية محرمة دولياً. ولا بد هنا من التأكيد أنه لولا كتلة المهاجرين، التي ساعد هو نفسه في خلقها من خلال سياسته العدائية في سورية، لن يكون لدى أردوغان أي وسيلة أو ذريعة لحشد آلاف الرجال على الحدود اليونانية التركية ضد الاتحاد الأوروبي.

ويمكننا التأكيد، أخيراً، أن الفوضى التي عصفت بسورية ستدمر أوروبا قريباً.. هذا هو مشروع العولمة والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين لمستقبل أوروبا.