دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة دولة فاشية

هيفاء علي

هو عنوان مقال لـ بروس فرانكلين، أحد أبرز المؤرّخين والعلماء الثقافيين الأمريكيين، مؤلف ومحرّر لتسعة عشر كتاباً وأكثر من 300 مقالة عن الثقافة والتاريخ، نُشرت في أكثر من 100 كتاب، كما أن معظم أعماله تتمحور حول تاريخ وأدب حرب فيتنام.

يتحدث فرانكلين في مقاله هذا كيف تحوّلت الولايات المتحدة إلى دولة فاشية، وكيف شنّت حرباً إمبريالية تلو الأخرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تكن أيّ من هذه الحروب ضرورية، وكيف عملت على تقسيم الأمة الكورية إلى دولتين قبل ثلاثة أيام من استسلام اليابان في 14 آب 1945 ما جعل الحرب الكورية حتمية، وبعد ثمانية أيام وافقت واشنطن على المشاركة الكاملة في الحرب الفرنسية لإعادة استعمار فيتنام. كان من المفترض أن تكون القوة الإنتاجية الهائلة للصناعة الأمريكية قد ذهبت إلى مكان ما لتلبية احتياجات المستهلكين التي كانت تنقصهم إبان الحرب. فبدلاً من أن يصبح المجمع الصناعي العسكري وحشياً، كان بإمكانه القضاء على الفقر، وإنشاء شبه مدينة فاضلة في الرعاية الصحية والتعليم والبيئة والثقافة والترفيه للجميع.

يضيف الكاتب: منذ عام 1619 تميّز تاريخ الولايات المتحدة بالصراع بين أولئك الذين يسعون للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وأولئك الذين يسعون إلى الغزو والسلطة على الآخرين. لقد بلغ النضال ذروته في الحرب الأهلية التي انتهت بإعادة الإعمار والتعديلات 13 و14 و15 التي أنهت العبودية وأعلنت حقوقاً متساوية لجميع المواطنين الذكور، ولكن بمجرد انسحاب القوات الفيدرالية من الجنوب، دمّر الإرهاب كل المجالس التشريعية التقدمية المنتخبة بحرية في الولايات الجنوبية واستبدلها بالهيئات التشريعية التي ابتكرت “الرموز السوداء” لمعاملة كل عبد محرّر مثل معظم المعتقلين السود كمجرمين وبالتالي كعبيد، ليتضح أن العبودية في السجون أسوأ من الشكل القديم لعبودية المزارع الخاصة. وبعد ذلك، حتى أولئك الذين نجوا من العبودية في السجن فقدوا تلقائياً حقهم في التصويت، وما زال هذا القانون يُستخدم حتى اليوم لحرمان ملايين الأفرو-أمريكيين من حقهم في التصويت.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، تبنّت الولايات المتحدة بشكل متزايد خصائص الدولة الفاشية، ومن بينها الحروب الامبريالية التي لا نهاية لها، حيث تمّت عسكرة جهاز الشرطة ليغدو خارج السيطرة، وتمّ نشر المراقبة في كل مكان، فيما غدت الانتخابات مرهونة بالثروة والأثرياء، وممارسة العنصرية وكره النساء جارية على قدم وساق، زد على ذلك تعميم ثقافة غارقة في تمجيد الأبطال الخارقين والحروب، وبالتالي أصبح الحزب الجمهوري منظمة فاشية جديدة. لكن الحركات التقدمية والمقاومة القوية استمرت في محاربة هذه القوى القمعية، مع تحقيق بعض النجاح. وفي حال فوز ترامب والجمهوريين بالمعركة في الانتخابات المقبلة، فسوف يعيش الأمريكيون في ظل دولة فاشية حقيقية تترسخ أكثر فأكثر.

في عام 1958، اعتقد 76٪ من الأمريكيين أن الإدارة الأمريكية كانت تحكم “لمصلحة الجميع” و18٪ فقط اعتقدوا أنها تحكم “لمصلحة قلة قليلة”. كان هناك معارضة قوية للحرب لدرجة أن الطبقة الحاكمة أدركت أنه لا يمكنها أبداً نشر جيش من المجندين. لقد تعلمنا أن الولايات المتحدة ليست منيعةً، وكما قال مارتن لوثر كينغ، إننا نحارب “في الجانب الخطأ من ثورة عالمية”، وإن “أكبر مزود للعنف في العالم اليوم هي “حكومتنا” التي تحارب ثقافة بلدنا ضد تاريخ حرب فيتنام كل يوم”.

يتابع الكاتب: الغالبية العظمى من الأمريكيين يعارضون الحرب الأبدية، لكن ما الدليل؟ يزعم جميع مرشحي البيت الأبيض الرئيسيين أنهم ضد الحروب الأخيرة، ويتهم المرشحون بشكل روتيني خصومهم بالترويج وحتى التصويت لهذه الحروب. كانت الاحتجاجات ضد الحرب على العراق في الواقع أكبر من الاحتجاجات ضد الحرب في فيتنام. منذ ذلك الحين، أجبرت الحكومة على شنّ حروبها الحالية بطائرات من دون طيار، أو قوات خاصة، أو اغتيالات، أو شنّ حروبها بالوكالة، أو حتى في السر.

اليوم، وفي الوقت الذي تتجه البلاد نحو انتخابات رئاسية ينتظرها العالم كله بفارغ الصبر، ثمة من يتساءل ألم تجد الولايات المتحدة بديلاً موثوقاً به لترامب؟ ألن تكون إعادة انتخاب دونالد ترامب خطراً كبيراً على السلام العالمي؟.

حقيقةً، اختار الناخبون في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بأغلبية ساحقة جو بايدن كمرشح يرجح أن يهزم ترامب، ولن يتمكّن ترامب من الفوز في انتخابات نزيهة إلا إذا سرق الرئاسة، وفي هذه الحال سيكون فوزه انتصاراً للفاشية. إنه مريض ويشكّل مخاطر جسيمة على السلام الآن إلى أن يتمّ إبعاده عن البيت الأبيض.

بصفته ممثلاً قوياً للصناعات والقوى التي تدمّر بيئتنا، فإنه يمثل أيضاً تهديداً خطيراً لبقاء جنسنا البشري، لكن بسبب سوء إدارة ترامب فإن الركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد هو بالفعل أسوأ بكثير من ركود عام 2008، على الرغم من أنه أثبت أنه مربح للغاية لبعض الشركات والمضاربين في الأسهم والمستثمرين. إذا فاز بايدن، فسوف يرث فوضى أسوأ بكثير من تلك التي تركها جورج دبليو بوش لأوباما لتنظيفها.

وحول رأيه بحرب ترامب الاقتصادية على الصين، أشار فرانكلين إلى أنها مغامرة خطيرة للاقتصاد العالمي، ويبدو أن العالم نسي أنه في 2008-2009، كان الاقتصاد الصيني هو المحرك لإخراج العالم من الركود. ومع ذلك، يرى ترامب كل شيء على أنه لعبة محصلتها صفر، رابح وخاسر، لكن التعاون والاعتراف بأننا نوع واحد -أنواع مهدّدة بالانقراض- ضروريان لخلق مستقبل ملائم للعيش، يختم الكاتب.