ثقافةصحيفة البعث

“المختار من التذكرة الحمدونية لابن حمدون” جديد د. منيرة فاعور

“ثمرات العقول” سلسلة رائعة تصدرها وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب، تثري البيان بمختاراتها النثرية والشعرية من أمات كتب التراث الأدبي، وتهدف إلى تمكين اللغة العربية.

وتشارك د. منيرة فاعور في الكتاب الرابع من هذه السلسلة بعنوان “المختار من التذكرة الحمدونية – لابن حمدون” فنجد تقارباً ما بينه وبين كتابها “الأجوبة المسكتة فن الإقناع والإمتاع” الصادر أيضاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2019، من حيث جمع المختارات من أمات كتب التراث وتحليل أساليب البلاغة فيها والتضمين.

كافي الكفاة

استهلت د. فاعور الكتاب بمقدمة توثيقية من خلال مراحل السيرة الذاتية لابن حمدون، فهو محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون المكنى بأبي المعالي، ولُقب بكافي الكفاة، وبكافي الدولة وبهاء الدين. وينتمي إلى عائلة اشتُهرت بالرياسة والرواية والكتابة والفضل، عاصر عدداً من الخلفاء وهم: المستظهر بالله، والمسترشد، والراشد، والمقتفي، وعمل في وظيفة عارض الجيش، ثم أسند إليه الخليفة المستنجد وظيفة (صاحب ديوان الزّمام).

أبواب جامعة

ألّف “التذكرة الحمدونية” وهو كتاب موسوعي ضخم يشتمل على الأخلاق والأدب والتاريخ والشعر والنثر والنوادر ومتفرقات أخرى، فينضوي ضمن كتب الاختيارات التي تمثّل جهداً في النقل عن مصادر الأدب والتاريخ، وتفسّر في شرحها عن التذكرة: “إن المطّلع عليها يرى أن مصنّفها قد نظمها تنظيماً حسناً”، وتصف د. فاعور الكتاب الذي يقع في خمسين باباً: يتضمن كل باب فصولاً متقاربة ومعاني متناسبة، واعتمدت على النسخة الصادرة في بيروت عن دار صادر عام 1996، بتحقيق إحسان عباس وبكر عباس، وجاء كتاب التذكرة الحمدونية بعشرة مجلدات، خُصص العاشر منها للفهارس.

التذكرة والسجن

وتطرقت المؤلفة إلى مصير ابن حمدون الذي عُرف بالفصاحة والمعرفة التامة بالكتابة والأدب والشغوف بالعلم وجمع الكتب بعد تأليفه التذكرة الحمدونية، لقد دفع الثمن غالياً ليقدّم لأجيال العربية هذا الكتاب، فالتذكرة كانت ثمرة عمر من القراءة والمطالعة والتسجيل لما يراه من خلال منصبه الذي يشغله في صحبة الخليفة الذي أمر بسجنه لسببين، الأول لما يعتقد ما في الكتاب من غمز وتعريض بالدولة وسياستها. والثاني يعود إلى ما اتهم فيه من تقصير في شؤون العمل، وتأجج غضب الخليفة بتحريض الحاسدين بحجة أنه يغمز في الدولة التي يعمل في ظلها، فعانى من المرض والقهر النفسي، وتوفي في عام 562 هجرية، ودفن في مقابر قريش في بغداد.

من الحكم إلى الفكاهة

تتّسم بعض أبواب التذكرة بالحكم كما “في محاسن الأخلاق ومساوئها”، إذ استحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم “حسن الخلق نصف الدين”، وما قاله الإمام علي (رضي الله عنه) “خالطوا الناس مخالطة جميلة، إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم”، كما أخذ من أقوال الفلاسفة كما في قول أرسطاطاليس “ما بال الحسود أشد غماً؟ قال لأنه يأخذ بنفسه من غموم الدنيا، ويضاف إلى ذلك غمّه لسرور الناس”.

ولا تخلو بعض الأقوال من الفكاهة كما في قول البخيل في باب “في السخاء والجود والبخل واللؤم”: “قيل لبخيل من أشجع الناس؟ قال: من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه فلا تنشق مرارته”.

العين والعشق

ومن النثر إلى الشعر، إذ حفلت التذكرة بأجمل أبيات العشق في الأدب العربي ووصف المحبوب والغزل والهيام، وفي تخيّل المحبوب كما قال علي بن يحيى في باب الطيف والخيال:

زارني طيف الحبيب فما/ زاد أن أغرى بي الأرقا

وتوقفت د. فاعور عند باب في إحماد المواصلة والعناق وأجمل ما قاله ابن الرومي:

أعانقها والنفس بعد مشوقة/ إليها وهل بعد العناق تدان/ كأن فؤادي ليس يشفي غليله/ سوى أن يرى الروحين يمتزجان

ويعود ابن حمدون إلى ابن الرومي في وصف المحبوب فيقول:

يا شبيه البدر في الحـ    سن وفي بعد المنال

وطالما أخفى العاشقون مشاعرهم، لكن أعينهم باحت بالسر ورغم ذلك عملوا على كتمان السر، فاختار ابن حمدون أقوال شعراء عدة في “إسرار الهوى وإعلانه”، منهم البحتري:

إذا العين راحت وهي عين على الجوى/ فليس بسرّ ما تسر الأضالع

حكايات الدراويش

في القسم الأخير من الكتاب اختارت د. فاعور بعض ما اختاره ابن حمدون عن أخبار الدراويش، قال بنان: إذا قعدت يوماً على مائدة وكان موضعك ضيقاً، فقل للذي يليك: لعلي قد ضيّقت عليك، فإنه يتأخر إلى خلف ويقول: سبحان الله.. لا والله يا أخي، موضعي واسع، فيتسع عليك موضع رَجُل.

ملده شويكاني