اقتصادسلايد الجريدةصحيفة البعث

أختام مؤجرة و”شقيعة” وبيانات بلا أسماء.. فوضى في التخليص الجمركي وجمعية شكلية مكبّلة بالممنوع

تحظى مهنة التخليص الجمركي في جميع دول العالم بتنظيم وعناية خاصة لارتباطها الوثيق بتسجيل وتنظيم النشاط الاقتصادي من استيراد وتصدير وغيرها، إلا أنها في سورية تعتبر من أعقد العمليات وأكثرها عشوائية نظراً للفوضى المسيطرة على عمل المخلصين وكثرة المتطفلين عليه من جهة، وتعقيد البيان الجمركي وعدم الوصول حتى الآن إلى صيغة منظمة وموحدة يمكن اعتمادها من جهة أخرى، مما ساهم بإنشاء طبقة من المستفيدين العاملين في المجال والمسيطرين على القسم الأكبر من العمل على حساب مئات الخبرات من المخلصين المعتمدين.

على المكشوف

ويمكن معرفة العشوائية المسيطرة على القطاع بشكل مباشر عبر رخص وأختام المخلصين المؤجرة “على عينك يا تاجر”، إذ يتراوح سعر الختم المؤجر بين 150 – 200 ألف ليرة! وهي تسعيرة باتت معروفة ومعتمدة من قبل كثير من المكاتب، ويتم تأجيرها للمستخدمين العاملين لدى المخلص الذي يحق له تعيين 3 – 4 مستخدمين، وهم من يقومون بالعمل الفعلي على أرض الواقع ويأخذون دور الوساطة بين الجمارك والتاجر.

وأكد رئيس جمعية المخلصين الجمركيين ابراهيم شطاحي أن 90% ممن يقومون بهذه المهنة هم عمال مستخدمون وأكثرهم لا تتجاوز شهادته الإعدادية، في حين يشترط بالمخلص إجازته الجامعية وإتقانه لغة أجنبية على الأقل، مشيراً إلى أن الإشكالية الأهم هنا تظهر عند تسهيل المعاملات الجمركية أو إنجاز البيان الجمركي في ظل غياب أسماء المستخدمين عن أية ورقة، ويبقى البيان باسم المخلص صاحب الختم، لذلك لا يمكن محاسبة المستخدم أو ملاحقته قانونياً عند الخطأ.

متطفلون

يبلغ عدد منتسبي الجمعية في دمشق وريفها 300 مخلص، غير أن الأغلبية العاملة ليست من المنتسبين، كما أن هناك فئة من العاملين ليسوا مستخدمين ولا مخلصين، بل “شقيعة” يأخذون بوليصة الشحن من الأمانة الجمركية ويتابعون البيانات بمفردهم، وبحسب شطاحي فإن السبب الذي يدفع المخلص لتأجير ختمه إما لعدم المعرفة الدقيقة بمفاصل العمل، أو تقدم المخلص في السن وعدم قدرته على مزاولة المهنة، فلا يوجد تقاعد للمخلصين وهناك من يبدأ العمل بسن 65 عاماً، كما يوجد مخلصون مسجلين في الجمعية اليوم بعمر 90 عاماً.

ليست حرفة

“الجمعية الحرفية للمخلصين الجمركيين في دمشق وريفها” لفتتنا هذه التسمية على مدخل الجمعية، فهي بعد الاطلاع على طبيعة عملها لا علاقة لها بالحرف، ولا تقدم منتجا ماديا، ولا يوجد ما يبرر اعتبارها حرفة، وإذا ما نظرنا إلى الدول المجاورة كالعراق والأردن ولبنان وحتى باقي الدول لم يعتبر أحد مهنة التخليص على أنها حرفة، بل لها نقابات مستقلة ومنظمة وذات صلاحيات محددة، رغم ذلك تذهب اليوم كل مساعي وطلبات الجمعية لتنظيمها نقابياً هباءً، ولم تستجب أية جهة تنفيذية أو تشريعية لمطلب الجمعية، حتى الاتحاد العام للحرفيين لم يوضح لنا سبب التمسك بهذه المهنة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في قانون الاتحاد كل ما يزيد من إيرادات الجمعية يتم توزيعه بنسبة 40% للاتحاد العام للحرفيين و20% للاتحاد الفرعي في المحافظة و40% يبقى للجمعية..!

شكلية فقط

شطاحي وفي حديثه لـ “البعث” رأى أن هناك قصوراً بالدور الذي يفترض أن تأخذه الجمعية، فهي اليوم غير مخولة بالمراقبة أو المحاسبة ومعالجة الخلل الحاصل من أي مخلص، فلو أن هناك من يحاسب المخلص على كل مخالفة كبقية النقابات كان اضطر أن يكون حذراً، لكن المهنة عشوائية بشكل عام، وحتى الإشراف على عمل المخلص في المعابر يتطلب وجود رئيس مراقبة من الجمارك التي بدورها تعطي البطاقة والرخصة للمخلص والمستخدم، وبات دور الجمعية يقتصر على استلام الاشتراكات وحديثاً بيع البيانات الجمركية للمخلصين، حتى الاجتماعات الاقتصادية المتعلقة بالبنود الجمركية لا دور للمخلصين فيها، كما أن التعليمات الصادرة عن الاقتصاد والجمارك لا تصل إلى المخلص وهو المعني الأول بتطبيقها، فمثلاً عند منع تصدير الألبان والأجبان لم يصل الكتاب للجمعية إلا وكان قرار السماح من جديد قد صدر!

ضرائب مزاجية..

وأوضح شطاحي أن رسوم البيان الجمركي محددة ونظام الاسكودا المطبق يعرض الرسم بمجرد كتابة البند الجمركي، أما بالنسبة لأجور المخلص فقد عُقد في شهر تموز اجتماع بين المالية والجمارك والجمعية لتعديل أجور البيانات المحددة حتى تتناسب مع التضخم الحاصل، إلا أن وزارة المالية لم تجب حتى الآن على المقترحات، لذلك لم يتم بعد اعتماد أجور جديدة بعد، مما ينعكس بدوره على الضرائب التي تتقاضاها الوزارة في ظل غياب أسس محددة، إذ وصلت شكاوى للجمعية أن مخلصين اضطروا لدفع ضريبة 50-100 ألف ليرة لمجرد وجود مكتب لهم رغم أنهم لم يصدروا أية بيان جمركي، ومع الإشارة هنا إلى أن كل منتسبي القطاع الحرفي يدفعون ضريبة دخل مقطوع، ماعدا الجمعية وبلا مبرر ملزمة بدفع ضريبة أرباح حقيقية، ويدخل مندوبو المالية إلى مكتب المخلص الجمركي كما التاجر رغم أنه يقدم خدمة ولا يبيع منتجا. أما تمويل الجمعية فهو – وفقاً لشطاحي – عبر الاشتراكات وبيع البيانات فقط.

ترخيص

ولفت رئيس الجمعية إلى ضرورة ترخيص مكاتب الاستيراد بالوكالة لمعرفة المستوردين الحقيقيين، فأغلب التجار اليوم لا يستوردون بأسمائهم، كما أن بعض المخلصين لديهم قائمة بأسماء وأختام من مكاتب تستورد بالوكالة ويتعاملون معهم بشكل دائم ويتوسطون بين المكاتب والتجار.

شغب

وشدد شطاحي على ضرورة الاهتمام بهذه المهنة لارتباطها الوثيق بالتنمية الاقتصادية، فالمخلص يقوم بالإجراءات التنفيذية في الاستيراد والتصدير والإدخال المؤقت أو إعادة التصدير، وهو خبير بالبنود الجمركية من مسموح وممنوع وموقوف وغيرها، ومع ذلك فإن هذه المهنة مهملة وبحاجة تنظيم وبدل أن تكون إيجابية في تحقيق التنمية جعل الإهمال من دورها أكثر سلبية، ويوجد فيها “شغب” تستوجب معالجته تعديل قانون الجمارك الحالي.

ريم ربيع