ثقافةصحيفة البعث

رمضان النزهان.. الفرات يفيض من لوحاته وقلبه

بينه وبين الفرات حبل سري لم ينقطع يوماً يمده بماء ريشته التي يعصرها ألواناً مبهجة مفرحة في لوحاته، ويمده بالانتماء إلى أهل الخير والكرم والنبل، ابن الفرات المرهف يستطيع أن يحمله في سكناته وحركاته ولمساته الفنية ليُخرج لنا للنور هذا الكمّ الجميل من الألق والسحر الجذابين، لكل ما في العين من إصغاء للدهشة، رمضان النزهان يستطيع بلمستين من ريشته أن يفك طلاسم استحضار كنوز ملوك الجان في شفافيات لوحاته وأقفال المفاتيح للأبواب المعتقة، وتلك التفاحة التي تتوارى وراء قماش شفيف فلا نعرف أهي نفسها سبب خروجنا من الجنة أم سبب دخولنا في جنة ألوانه؟. التقيناه وكان لـ”البعث” هذا الحوار معه.

تأثير البيئة

* تعطي البيئة في الحياة من تفاصيلها الكثير، وحال المبدعين أكثر حساسية معها، فما أثر البيئة المحيطة على الفنان النزهان وعلى لوحاته الفنية؟

** الفن وما فيه من غنى وتنوع هو تجليات يفيض بها العقل الإنساني الذي هو فيض جمالي عن الحق كلّي الجمال، فالإنسان في أعماقه متذوق للجمال يبحث عن وسيط ليعبّر به عن مكنونات تلبي الحاجة الجمالية التي هي بمثابة الحاجة إلى المأكل والمشرب. الإنسان ابن بيئته وما يقدمه انعكاس لها، والفنان بحسه وعقله المبدع يلتقط تلك الإشارات البيئية ويوظّفها بما يتناسب مع وسطه: آداب بأنواعها وفنون بأشكالها المتنوّعة، فيكون المنجز لديه هو من روح تلك البيئة وخصائصها الاجتماعية والوجدانية والدينية والمعرفية.

دوامة الحرب وتداعياتها

* يذهب الكثير من النقاد إلى أن اللوحة التشكيلية في سورية تمر بمرحلة ركود نوعاً ما، فما رأي الفنان النزهان في مستقبل الفن التشكيلي السوري؟

** إن كان المشهد التشكيلي في سورية يوحي بالركود يعود ذلك لأسباب خارجة عن إرادة الفنان، فالحرب وتداعياتها السياسية والنفسية والمادية والاجتماعية هي المسبب الأول والرئيسي في هذا الركود، والحقيقة قبل الأزمة كانت سورية أنموذجاً للاهتمام الإبداعي من خلال صالات متعددة ومعارض متتابعة رصدت الكثير من التجارب الإبداعية وساهمت في تشكيل وعي جمالي عالٍ لدى الكثير من متذوقي الفن ومتابعيه، أما بعد الحرب تنفسنا الصعداء بعودة تدريجية للحياة التشكيلية ثم ما لبثنا أن دخلنا في دوامة الحصار الاقتصادي الذي يكبل كل من الفنان والقائمين على رعايته، فعدنا للدوامة مرة أخرى.

* بالتأكيد لابد من وجود خطوات عملية يمكن أن يتبعها مريدو ومحبو الفن التشكيلي للنهوض باللوحة السورية من جديد؟

** لابد بداية من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والنفسي كخطوة بداية للنهوض بالفن لأن ذلك الاستقرار هو الحاضنة الأساسية والبيئة المناسبة لكل الجوانب الإبداعية ومنجزوها، ولا بد من وجود مؤسسات تهتم بالفن وترعاه وتقدم الدعم له كحال الكثير من دول العالم، ولا يمكن تجاهل نشر ثقافة الوعي الجمالي ومدى أهميته في حياتنا اليومية من خلال تربية جمالية تدخل في مناهجنا تساهم في التعرف والتفاعل والتقدير لكل المنجزات الإبداعية لينشأ جيل واع حساس مدرك لقيمة الفن ودوره في الحياة.

العلاقة مع الفرات

* تغنّى الشعراء بالفرات، وهناك تشابه في أسلوب أهله في الحياة بين مياهه وريشة الفنان رمضان النزهان المائية، فما هي هذه العلاقة؟

**”وجعلنا من الماء كل شيء حي”، هذا المدلول ليس فقط للجانب الحياتي إنما للجانب الجمالي، فالفرات وما يحمله على ضفتيه من طبيعة تتميز بكافة أشجارها وتنوّعها وتعدد ألوانها يشكل عند الفنان ملهماً أساسياً من خلال رصده لهذه التغيرات الفصلية وخصوصاً في الخريف لما له من خصوصية في الألوان الصفراء والبرتقالية والبنية بما يأخذ بالإبصار ويثير التفاعل بهذا السحر الطبيعي المفعم بالألق والسحر، وانعكاس تلك الألوان على صفحات الماء التي تشكل عالماً عجيباً من الجماليات تثير النفس الحسية والبصرية وتنعش الروح بتشكيلات مميزة تشكل عند الفنان أفكار ومواضيع للوحات رائعة.

* كل فنان يحمل في عمله الإبداعي رسالة تكتمل وتتطور رويداً رويداً، فهل تحدّثنا عن رسالتك في لوحاتك وكيفية قراءتها؟

**للفن آثار اجتماعية هائلة فهو يغيّر شخصيتنا وتجربتنا في المجالات غير الجمالية ويجعلنا أكثر حكمة وسمواً، ويعمّق رؤيتنا لذاتها وذات الآخرين، فالمبدع والمتلقي متممان لبعضهما يأخذ كل منهما من الآخر حقيقته ومعناه بل إن البشر جميعاً في اللحظة الجمالية يعدون ذوباً وامتزاج كلّي.

مساحة حب

في الختام كان للفنان رمضان النزهان مساحة من حبر وورق تركنا له حرية تقديم الكلمات ليختم حديثه معنا حيث قال: الفن بوظيفته المعرفية يفتح لنا مغاليق العالم الوجداني، فالعلم هو التمكن الفكري والتصوري للعالم والفن هو التمكن الإدراكي والانفعالي، ما فائدة كلمة لا تدفع نقمة، وما فائدة نغمة لا تغمس لقمة، وما فائدة عمل طاحوني يدور ويعود حيث بدأ؟!.. لا فائدة من فن ما لم تنته بنا مزاولته إلى نهايات تقود لقيم مثل الحق والخير والجمال، فهذه القيم ليست وسائل بل غايات، إنها مطلقات لذلك أتلمس في عملي الغايات المطلقة وأسعى أن يكون الدخول إلى عملي الفني ليس مثل خروجه، لا أريد أن يكون الدخول مضيعة للوقت بل لا بد عند الخروج من عملي الفني من كيمياء وطريق وإحساس مختلف.

جُمان بركات