ثقافةسلايد الجريدةصحيفة البعث

طلال حسن.. ابن النخيل الأسمر يورق في دمشق

من حيث يصبّ “الرافدين” في أرض العراق ينبع حب بردى في دمشق، جملة تختصر رحلة حب وعشق للطفولة اختطها الكاتب العراقي الكبير طلال حسن على مدى عقود من الزمن الجميل، يكتب ويبدع للأطفال ويرسم على ثغرهم ابتسامة أمل بمستقبل أجمل يليق بالشعوب العربية وأطفالها.  كان الكاتب طلال حسن دائم السعي والتعب والعمل لأجل ثقافة تنير مخيلة الأطفال وتغذي ذائقتهم الخام، وقد كان لنا حوار معه حول أدب الطفولة الذي يحب، وعلاقته بأهله وأرضه في سورية التي يعشق.

عن تجربته في أدب الأطفال ورأيه فيه في الوقت الحالي، قال: إنني أواكب أدب الأطفال قراءةً وكتابةً في الوطن العربي، وخاصة في سورية ولبنان ومصر والعراق وبعض أقطار الخليج العربي منذ أوائل السبعينيات، ويبدو لي أن الثقافة العربية عامة، وأدب الأطفال خاصة شهد نهضة كبيرة، في سبعينيات القرن الماضي ولاسيما بعد ظهور مجلات رائدة مثل “أسامة” في سورية، و”مجلتي والمزمار” في العراق، لكن هذه النهضة تعثّرت كثيراً عندنا في العراق، منذ بداية الثمانينيات بسبب الحروب المتواصلة وتصاعد التصفيات السياسية لقوى اليسار خاصة، أما الآن ورغم الظروف الصعبة التي تمرّ بها معظم الأقطار العربية، فإن بعض المجلات لا تزال محتفظة بتألقها، بل ازدادت تألقاً في مادتها وطباعتها ومستوى إخراجها الراقي.

حكايتي مع “أسامة

كانت مجلة “أسامة” المنبر الذي استضاف الكاتب طلال حسن، ومن خلال علاقته بالمجلة يحكي عن واقع الثقافة في سورية، وعلاقته الماضية والحالية بها، حيث قال: بصراحة إن أبناء جيلي الذين بدأنا القراءة منذ خمسينيات القرن الماضي تربينا على ما يصلنا من مجلات وكتب من مصر وسورية ولبنان، وعلاقتي بمجلة “أسامة” الحبيبة، بدأت منذ عام 1979 بعد زيارة القائد المؤسس حافظ الأسد للعراق، ومن جهتي لم تنقطع علاقتي بالمجلة سنة واحدة من حيث الكتابة طبعاً، فالمجلة قلّما تصل إلى العراق، وأذكر أن الأديبة الراحلة دلال حاتم أرسلت لي عدة مرات مجلات وكتباً عديدة، قمت بتوزيعها على الأدباء المهتمين بأدب الأطفال في مدينتي الموصل.

في الواقع، ارتحت تماماً لما كان يُنشر لي في “أسامة”، رغم ما شابه من قلق وخوف وتهديد مبطن، ورغم صعوبة الحصول على الأعداد التي نشرت فيها قصصي، انقطعت آخر الخيوط التي كانت تربطني بالمجلة، ورسائل هذه المجلة، عقب اجتياح العراق للكويت، ولم يعد يصلني من رئيسة تحرير المجلة أية رسالة مع أن رسائلي لها لم تنقطع أبداً، وكانت كلها دون جدوى.

وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، سافر خال أولادي إلى سورية، وقصد مجلة “أسامة” بناء على طلبي، والتقى بالأستاذة دلال حاتم فرحبت به عندما أخبرها أنه من قبلي، وأرته تسع رسائل حبلى بقصصي، لكنها لم تفتحها، ولماذا يا ترى؟ فهذه القصص على حدّ قولها لو نشرت، فكيف سيتسنى للأستاذ طلال استلام مكافآتها؟ ولعلّ ما روته دلال حاتم، دفعني للبحث عن طريقة، أحصل بها على مكافآتي، التي بدأت تتراكم منذ عام 1982، لكن كيف السبيل إليها، وبعضها قد “توفاه الله” منذ فترة بعيدة؟ وجاءتني الفرصة، حين قرأت مرة، أن وزيرة الثقافة السورية الدكتورة نجاح العطار دخلت قاعة احتفالات في دمشق، وقد أمسكت بيدها يد الكاتب المسرحي السوري الكبير سعد الله ونوس وكان وقتها يعاني من مرض عضال، وأُقيم له احتفال تكريمي كبير، وأوحى لي هذا الحدث بفكرة نفذتها على جناح السرعة، فكتبت رسالة إلى وزيرة الثقافة طلبت فيها أن تسهل أمر حصولي على مكافآتي في مجلة “أسامة”، ولابد أن الوزيرة وقتها قدّرت ما يواجهه ويعانيه الأديب العراقي من صعوبات تحت وطأة العزلة والحصار، فأوعزت إلى الجهات المعنية بصرف مكافآتي وبعضها قد مات بالتأكيد بتقادم الزمن.

وأضاف حسن: خلال هذه الفترة أيضاً كنت على صلة وثيقة بمجلة الحياة المسرحية، وهي من أرقى المجلات المتخصّصة بالمسرح في الوطن العربي، كما كنت على صلة وثيقة باتحاد الكتّاب العرب في دمشق، وقد أصدر الاتحاد لي سبعة كتب للأطفال والفتيان، كما صدر لي مسرحية في حمص.

النص واللوحة

دائماً هناك علاقة بين كاتب القصة وراسمها، وهذه العلاقة تخلق روحاً مميزة فكيف إن كانت بين أب وابنه؟. عن التأثر والتأثير بين النص والرسم قال طلال حسن: من حسن حظي أن ابني عمر رسام أطفال، وهو مبدع -هذا ما يقوله الآخرون عنه- ومتفرغ للعمل ليل نهار، ويتواصل مع أبرز المجلات العراقية والعربية، وصدر من رسومه 25 كتاباً، وأمامه آفاق رحبة في مجال رسوم الأطفال فهو ما زال شاباً، مع أن رسوم الأطفال لم تكن من بين اهتماماته عندما تخرّج من كلية الفنون في الموصل، فآفاقه في البداية كانت تقتصر على عمالقة الفن التشكيلي في العالم أمثال بيكاسو وسلفادور دالي وفان كوخ وغيرهم، وذات يوم قدمتُ له قصة كتبتها للأطفال وقلت له ارسم لي هذه القصة، لم يرتح لطلبي، وهذا ما أحسستُ به مباشرة لكنه أخذ القصة مني، وذهب إلى أمه يشكوني “أبي يريد مني أن أرسم له بطة”، ونشر رسمه مع قصتي في مجلة عربية للأطفال، وفرح جداً حين رأى رسمه منشوراً، ومنذ ذلك الوقت، وهو لا يرسم غير البطة -أي رسوم الأطفال- التي منحت لخياله الخصب آفاقاً لم يكن ليجدها في عالم ورسوم الكبار، واليوم، ومنذ البطة نحن نعمل معاً، وقلما أتدخل في عمله، فله عالمه الخاص، وأنا أحترمه، وإن كنتُ أؤكد دائماً على الجانب الجمالي، وهو يقول لي إن هذا الجانب يأتي مع الزمن وتراكم الخبرة.

تألق الشباب

مازال الشغف والحب للكتابة مقيماً في روح الكاتب طلال حسن بنفس الحماس والألق ولم تغيّره الظروف، وعن هذا الشغف تحدث: أنا الآن تجاوزت الثمانين، وقبل أكثر من ثلاثين سنة، أحلت نفسي للتقاعد، وتفرغت للكتابة، إنني دائماً أقول لبعض أصدقائي: أنا شاب في الثمانين وأعمل كلّ يوم، ليس في أيامي جمعة أو أحد، فأيامي وأيام ابني عمر كلها عمل، صدر لي حتى الآن، رغم أن الظروف لم تكن مواتية لي، اثنان وثلاثون كتاباً، وأصدرت بعد التغيير في العراق عام 2003 ثلاث مجلات للأطفال، وساهمت في إصدار الكثير من صفحات الأطفال في معظم الصحف والمجلات التي صدرت في الموصل بعد التغيير، وحصلت على الكثير من الجوائز داخل العراق وخارجه، وكتبت عن نصوصي ثلاث رسائل ماجستير، وثلاث أطروحات دكتوراه.

طائر من حنين وحب

وعن عودته لبلده الثاني سورية وخطوات رحلة العودة التي يحب قال بكل محبة: زرت دمشق مع عائلتي قبل عشر سنوات تقريباً، سورية العروبة والتقدم والحرية والثقافة والطفولة النقية باقية وستبقى دائماً فهذا قدر الأحرار، واليوم وخلال هذه الفترة عدت لأنشر قصصي مع رسوم ولدي الفنان عمر عبر صفحات مجلة أسامة بعد الحفاوة التي لاقاني فيها فريقها الحالي من كادر التحرير والرسوم فيها. ستظل دمشق كالعش الذي أسّست فيه بعض كلمات وقصص للطفولة وتركت فيه ذكرياتي ورحلت مع كل غيمة لأعاود الحنين إليه، ولا بد أني عائد في يوم من الأيام، فهل تراها مازالت تنتظرني دمشق؟.

جُمان بركات