دراساتصحيفة البعث

هل يواجه نظام أردوغان دول العالم؟

ريا خوري

يلاحظ أن تركيا الأردوغانية تسعى لإحياء المشروع “الإخواني” في المنطقة العربية من خلال ما تقوم به لجهة تجنيد الإرهابيين وتصديرهم إلى دول عدة في المنطقة، وليس آخرها ليبيا. كان من أهم الارتدادات لتصدير الإرهابيين ما تلقته مصر، خاصةً وأن هناك سجلاً حافلاً من العلاقات المتوترة بين البلدين حول مجموعة من الملفات الساخنة، ومنها ملف دعم المشروع “الإخواني” في مصر.

منذ ثورة 30 حزيران عام 2013 في مصر، حمل الخطاب الذي ألقاه النظام التركي عداءً واضحاً للنظام السياسي الجديد الذي قاده عبد الفتاح السيسي، إلى أن وصلت الأمور حدّ التهديد والوعيد بين البلدين.

وبالعودة إلى جذور التوتر، نجد أن علاقات الدولتين كانت تتسم بأنها صداقة “الأعداء” بين باشوات وأغوات مصر وسلاطين بني عثمان، وأن تلك الصداقات كانت تتحوّل إلى رفض المصريين وتمردهم على السلطنة في الكثير من الأحيان، أو إلى التآمر والقيام بحروب أحياناً أخرى، وهو ما يراه العثماني أردوغان في نظيره السيسي حالياً، حيث يعتبره تمرداً على أوامر السلطان!.

لم يكن اختيار نظام أردوغان لليبيا عن عبث، فقد كان يهدف لاتخاذ ليبيا كمدخل إستراتيجي للتوغل في منطقة شمال إفريقيا العربية، وبالتالي العمل على محاصرة الاندفاع المصري الذي أوقف وحجّم التمدّد “الإخواني” بعد سقوط نظام محمد مرسي، حيث أثر ذلك بشكل كبير على نشاط الجماعات “الإخوانية” في ليبيا، وعلى درجة أقل أهمية بكثير في الجزائر وتونس أيضاً. نعم لقد اختار أردوغان البوابة الليبية مستغلاً الانقسامات السياسية العسكرية والأمنية الحادّة بين الليبيين أنفسهم، ووجدها فرصة ذهبية للتدخل، وبالتالي دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في طرابلس العاصمة بالمرتزقة والإرهابيين، والسلاح النوعي من أجل تغيير موازين القوى في البلاد، ومحاصرة الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، الذي له صداقات واسعة جداً مع كبار القادة المصريين. من هنا كان الموقف المصري حازماً في الوقوف في وجه التمدّد التركي غربي ليبيا، وتهديد القاهرة بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا إذا ما تجاوزت القوى الإرهابية والميليشيات المدعومة من تركيا الخطوط الحمر قبل مدينة سرت ومنطقة الجفرة، وهو ما أعاد خلط الأوراق من جديد، وحدّ من الاندفاع التركي.

لقد اعترفت تركيا بأن مصر تمكّنت من إجهاض حكم “الإخوان” بعد 3 تموز عام 2013، حيث اعتبرت أن إجهاض هذا المشروع كان بمثابة محاصرة ما يُسمّى “الربيع العربي”، وتقويض سياسة تركيا في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط. ليس هذا فقط، بل قامت الحكومة المصرية بطرد السفير التركي من القاهرة في تشرين الثاني 2013، لكن حجم المصالح الاقتصادية والتجارية بين البلدين فرض نوعاً من الواقعية السياسية على سلطات البلدين، وتمّت إعادة العلاقات بينهما.

ومع ظهور الاكتشافات النفطية والغازية في شرق المتوسط، عادت العلاقات للتوتر ووصلت حدّ تهديد مصر من خطورة التنقيب التركي عن الغاز والنفط في شرقي البحر الأبيض المتوسط، وتأثيره على المصالح المصرية. مصر من جهتها لم تركن إلى تطمينات النظام التركي، لذلك اقتربت من الموقف اليوناني والفرنسي اللذين عارضا بشدة أسلوب وتحركات تركيا الأخيرة.

طموحات نظام أردوغان لن تتوقف في ليبيا وفي شرق المتوسط، فهو يسعى للاستفادة إلى الحدّ الأقصى من الاحتياطي النفطي في ليبيا من خلال تعزيز وجود قواته وميليشياته وجماعاته الإرهابية هناك، والاستفادة من ثروات شرقي المتوسط عبر رفع منسوب التوتر بين الدول المتشاطئة، وخرق الاتفاقيات الدولية. والسؤال هنا: هل يمتلك القوة الكافية للاستمرار بما يقوم به ويواجه كل دول العالم؟.