مجلة البعث الأسبوعية

أديب قدورة: “الفهد” قلب حياتي رأساً على عقب .. الوسط الفني يضم أشخاصاً همّهم تغييب الفنان الناجح

“البعث الأسبوعية” ــ أمينة عباس

عُرِفَ في فترة السبعينيات بالنجم السينمائي الأول في سورية والوطن العربي، بعد النجاح منقطع النظير الذي حققه فيلم “الفهد”، العلامة الفارقة في تاريخ السينما السورية، وهو الفيلم الذي فُتِحَتْ له أبواب السينما العالمية على مصراعيها بعد أن فاز بالعديد من الجوائز العالمية، فخُلِدَ اسم أديب قدورة من خلال ملصق الفيلم في متحف السينما الخالدة في ألمانيا، بعد نجاحه في المهرجان العالمي للسينما الخالدة في مدينة بوسان الكورية، كما شارك في العديد من الأفلام العالمية، ورُشّحَ للوقوف إلى جانب الممثل العالمي أنطوني كوين، وجيرالدين تشابلن، ونجمة السينما الفرنسية بريجيت باردو في فيلم “وسترن”، فشبّهته صحيفة سويسرية بأنطوني كوين العرب.

 

للبدايات دوماً ذكرى لا يمكن محوها.. ماذا تحمل اليوم من عبقها؟

– بداياتي كانت في حلب، حيث استقر أهلي، وكنتُ منذ صغري أرتاد مسارحها مع مجموعة من أصدقائي الذين يحبون التمثيل، فأتابع ما تقدمه النوادي التي كانت منتشرة بكثرة في حلب.. في إحدى المرات، زارت حلب فرقةُ يوسف وهبي من مصر لتقدم عروضاً لها في سينما الدنيا، وتمكنتُ من رؤية أعضائها بعد العرض، فعرضوا عليّ التقدم لاختبار لكي أصبح نجماً سينمائياً في مصر، ولكن أمي رفضت سفري بشدة، فما كان مني إلا أن رضخت لها، خاصة وأنها مرضت مرضاً شديداً حينها.. هكذا التفتُّ لدراسة الفن التشكيلي، وبعد التخرج عملتُ كمدرّس للرسم في ثانوية البحتري في مدينة الباب، إلى أن شاركتُ في مسابقة للمسرح القومي في حلب، وخضعتُ لاختبار من قبل لجنة كانت تضم كلاً من حسين إدلبي وعمر حجو وعلي عقلة عرسان، وغيرهم.. نجحتُ كمهندس ديكور، حيث لم أتقدم كممثل، ولكن أثناء تواجدي الدائم في المسرح، بحكم عملي بالديكور، شاركتُ في أول مسرحية لي، وكانت “الأيام التي ننساها” للكاتب وليد إخلاصي، وتتالت مشاركاتي مع المسرح القومي في حلب (مسرح الشعب سابقاً)، مع المخرج حسين إدلبي، في مسرحية “مأساة جيفارا” لمعين بسيسو، و”على جناح التبريزي وتابعه قفة”، و”السيد بونتيلا وتابعه ماتي” لبريخت، و”سمك عسير الهضم” لمانويل جاليتش، و”هبط الملاك في بابل” للكاتب السويسري فريدريك دورنمات، وغيرها من المسرحيات الجادة والملتزمة بقضايا الجماهير.

 

كيف تم العمل في التلفزيون ومن ثم في فيلم “الفهد” العلامة الفارقة في السينما السورية؟

– بعد حضوري المتميز على خشبة المسرح، دعاني المخرج فيصل الياسري، في عام 1969، للمشاركة في المسلسل التلفزيوني “الدخيل”؛ وفي العام 1971، اختارني المخرج نبيل المالح بطلاً لفيلم “الفهد”، عن رواية بنفس العنوان لحيدر حيدر، وهو العمل الذي قلب حياتي رأساً على عقب، بعد النجاح الباهر الذي حققه إلى جانب حصوله على عدة جوائز، مثل جائزة تقديرية من مهرجان لوكارنو السينمائي عام 1972، وجائزة تقديرية من مهرجان كارلو فيفاري عام 1972، وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي الدولي عام 1977، كما حصل على جائزة مهرجان بوزان الدولي للسينما في كوريا الجنوبية عام 2005، تحت عنوان “الأفلام الخالدة”، كواحد من أهم الأفلام في تاريخ السينما الآسيوية، ونال إعجاب كبار النقاد السينمائيين في العديد من دول العالم.

 

كيف حصلتَ على لقب فتى الشاشة السورية الأول؟ ومن أطلقه عليك؟

حصلتُ على هذا اللقب بعد النجاح الكبير لفيلم “الفهد” من خلال استفتاء جماهيري عبر صحيفة “الثورة” كأفضل ممثل سوري للعام 1976، وكأفضل ممثل عربي من خلال استفتاء جماهيري عبر صحيفة “الدستور” الأردنية عام 1979، ورشحتُ لجائزة أفضل ممثل عن آسيا وأفريقيا من خلال دوري في فيلم “بقايا صور”، لنبيل المالح، والذي نال بدوره جائزة أفضل مخرج في المهرجان المذكور.

 

أهّلكَ فيلم “الفهد” لأن تكون فناناً عالمياً.. ماذا عن هذه المحطة في مسيرتك؟

– بدايةً رشحتُ لفيلم إيطالي هو “الطريق إلى دمشق” للمخرج الإيطالي تويني، وهو يتحدث عن تاريخ دمشق منذ البدايات إلى تلك المرحلة، وجسدتُ فيه شخصية قائد روماني، وكان الفيلم من بطولة النجم السينمائي الفرنسي جورج ويلسون الذي اشترط وجودي معه؛ ولدى تمثيل المشهد الأوّل في الفيلم، قال عني: “هذا أوّل ممثل يقف أمامي “بطريقة صحيحة”، وهذا ما ذكرتْه الصحافة، وكتبتْ عنه كثيراً؛ وقد ذكرت إحدى الصحف السينمائية الدولية، أيضاً: “ظهر في سورية ممثل عالمي اسمه أديب قدورة”، إضافة إلى العديد من الألقاب التي أطلقتها عليّ الصحافة الفنية الألمانية والبولونية والفرنسية، ورُشّحتُ للسينما العالمية من خلال السينما الفرنسية بفيلم “وسترن”، ببطولة مشتركة مع الممثل العالمي أنطوني كوين وجيرالدين تشابلن ونجمة السينما الفرنسية بريجيت باردو من خلال فيلم بوليسي، ولكن لم ير هذا الفيلم النور لأسباب إنتاجية؛ أما المخرج تويني، والذي كان مدرّساً في معهد العلوم السينمائيّة في إيطاليا، فقد درّس طلابه أدائي وتقاسيم وجهي في دروس عن الممثل وأدائه، وقد شاهدتُ صورتي مع نجوم عالميين في بيته، وقال لي: “أنت من هؤلاء!”.

 

بماذا يذكّرك فيلم “الحدود الخفية”؟

– بعد فيلم “الفهد”، رُشحتُ لفيلم “الحدود الخفية”، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، بمشاركة النجمة المصرية المعروفة نجلاء فتحي وإخراج محمد شاهين؛ وحين وقعتُ العقد، طلبت مني المؤسسة التوجه إلى مدينة حلب لتقديم استقالتي من المسرح الذي كنتُ أعمل فيه بعد أن أصبحتُ النجم السينمائي الأول، وحين عدتُ من حلب طلب مني مدير المؤسسة العامة للسينما حينها فسخ العقد، والسبب أن بعض الممثلين احتجوا على وجودي في فيلم ثانٍ بعد “الفهد” مباشرة؛ ومنذ ذلك الوقت، اكتشفتُ أن الوسط الفني يضم أشخاصاً همّهم تغييب الفنان الذي يحقق مستوى معيناً من النجاح.

 

أكدتَ في بداياتك أنك لن تعمل إلا في أعمال درامية ملتزمة وجادة إلا أنك وقعت بعد ذلك في فخ الأعمال السينمائية التجارية؟

– أعترف أنني فعلتُ ذلك بناء على نصيحة شخصية سينمائية فرنسية من كبار أساتذة التدريس السينمائي، وقد التقيتُ بها في أحد المهرجانات السينمائية في باريس وأخبرني – وهو الذي كان له اهتمام بالإنتاج السينمائي في العديد من دول العالم، ومنها سورية – أنه، ولأن الإنتاج السينمائي في سورية قليل جداً، فإن الأفلام الجادّة ستكون نادرة، لذلك لا مفر لي من العمل مع القطاع الخاص لأحقق تواجداً مستمراً، وضرب لي مثالاً على ذلك الممثل الإنكليزي العالمي أورسن وولز، وهو من الممثلين الجادين في عطائه السينمائي، ومع هذا كان يعمل في أفلام تجارية كي يبقى حاضراً أمام الجمهور.. من هنا، فتح نجاحي في فيلم “الفهد” الأبواب كلها أمامي، فرُشّحتُ بعده مباشرة من قبل دار الهلال المصرية لكي أكون النجم السينمائي المصري الأول، وانهالت عليّ العروض من مصر للمشاركة في عدة أفلام، فمثّلتُ في عدد كبير منها، إلى جانب حسن يوسف وسهير رمزي ونجوى فؤاد وصلاح ذو الفقار.. وهكذا

حققت لي هذه الأفلام الانتشار في السينما العربية.

 

بعد كل النجاح الذي حققتَه انسحبتَ من الوسط الفني تدريجياً حتى غبتَ عنه نهائياً منذ سنوات.. أية أسباب وراء ذلك؟

– ابتعدتُ لأسباب شخصية بداية، ثم وجدتُ أن أجواء العمل قد تغيرت تماماً نحو ما لا أريد؛ ولأنني حققتُ ما حققتُه من نجاح كبير وشهرة واسعة، لم يعد يعنيني مجرد البحث عن فرصة، وقد بات همّي البحث عن دور جيد يتناسب مع تاريخي ومسيرتي، وهذا ما لم أجده بعد أن تغيرت أحوال الدراما والسينما، لذلك فضلتُ الابتعاد، وتابعتُ حياتي بالعمل مع أبنائي في مشاريع خاصة، علماً أن ظهوري الأخير في الدراما التلفزيونية يعود إلى العام 2006، عبر مسلسل “أعيدوا صباحي”، بينما شاركتُ عبر السينما في الفيلم القصير “توتر عالي”، عام 2015، مع المخرج المهند كلثوم، وجسدت فيه شخصية رجل يتحدث عن ماضيه الجميل، ويفكر به باستمرار، وكيف يعيش حالياً حياة عشوائية في بيئة عشوائية يطغى عليها القهر والحرمان، أما الفيلم الثاني فهو درامي وثائقي من إخراج رامز محيثاوي، وهو بعنوان “السلطان”، وجسدتُ فيه شخصية قائد الثورة السورية ضد الفرنسيين، سلطان باشا الأطرش.. اليوم، حالتي الصحية لا تسمح لي بالوقوف أمام الكاميرا، ورغم ذلك لن أتردد في قبول أيّ عرض إذا كان النص والمخرج والدور مهمين.

 

صرّحتَ أكثر من مرة أنك تفرّغت للكتابة والتأليف.. فماذا أنجزت؟

– الكتابة بالنسبة لي تعبئة فراغ، وقد أنجزتُ كتابات عديدة للإذاعة والتلفزيون، مثل “بلدي يا بلدي” لإذاعة حلب، والمسلسل التلفزيوني “ذئب السيسبان” الذي نُفِّذ في اليونان، وكذلك مسلسل “تحت السماء الزرقاء” الذي نفِّذ في الأردن، وهو من إخراج عمر العلي، إضافة لفيلم بعنوان “عرس الأرض” وهو إنتاج لبناني، وما زال بعض هذه الكتابات حبيس الأدراج لعدم وجود مناخ إنتاجي مناسب.

 

هل تتابع ما يُقدَّم على الشاشة الصغيرة وماذا يعجبك منها؟

– أنا متابع جيد للأعمال الدرامية وأحرص على متابعتها والوقوف عند كل العناصر فيها: النص، الإخراج، التمثيل، والموسيقا التصويرية.. لا أريد أن أذكر أمثلة لكن يمكن القول أن مستوى هذه الأعمال يتفاوت بين الجيد والمقبول والممتاز وغير المقبول.

من أعمال أديب قدورة التلفزيونية:”الحب والشتاء” عام 1977، “شجرة الدر” عام 1979، “أبو الخيل” “عز الدين القسام” عام 1980، و”حصاد السنين” عام 1985، و”عذراء الرمال” عام 1990، و”جواد الليل” و”سفر الحجارة” عام 1999، و”سحر الشرق” عام 2001، و”حد الهاوية” و”عمر الخيام” عام 2002.

ومن أفلامه السينمائية: “الليالي الملتهبة” عام 1960، “امرأة من نار” عام 1971، “رحلة عذاب” عام 1972، “المطلوب رجل واحد”، و”غوار جيمس بوند” عام 1974، و”العندليب” و”الحسناء و”قاهر الفضاء” عام 1975، و”الحب الحرام” و”ليل الرجال” عام 1976، و”الحب المزيف” عام 1980، و”الانتقام حباً” عام 1983، و”بنت شرقية” عام 1986، و”لا وقت للخداع” عام 1992.