مجلة البعث الأسبوعية

تفكيك شيفرات التطبيع الإماراتي مع إسرائيل.. الصدع الشرق الأوسطي يزداد تشققاًاً بين صفيحتين زلزاليتين

“البعث الأسبوعية” ــ تقرير العدد

في 13 آب 2020، قبل أسابيع قليلة من الموعد النهائي المحدد، في 18 تشرين الأول، لإنهاء الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على مبيعات الأسلحة التقليدية إلى إيران، و3 تشرين الثاني، موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أطلق البيت الأبيض مفاجأة بإعلانه إبرام اتفاق رسمي لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات. جاء هذا الإعلان في وقته المناسب بالنسبة للبعض، وشكل استفزازاً واضحاً وقراراً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لآخرين، ولكنه أثار العديد من التساؤلات منذ البداية.

 

رهان محفوف بالمخاطر

بادئ ذي بدء، كانت تلك صفقة هشة تحت ضغط دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، وكلاهما يعاني من استطلاعات الرأي غير المواتية، خاصة وأنه يمكن أن يحدث دائماً ما هو غير متوقع. فمن خلال عبوره الحاجز ليصبح ثالث رئيس دولة عربية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل (بعد مصر في عام 1979، والأردن في عام 1994)، يخاطر ولي عهد أبوظبي على الساحة الدولية. ولا شك أن محمد بن زايد، تسبب بالإحباط، وألقى الزيت على نار شارع عربي سريع الاشتعال دائماً، إلا إنه يشعر بالثقة على الساحة الداخلية، ويعرف أن لديه دعماً قوياً على الساحة الدولية. أما الانتقادات الموجهة إلى مبادرته فقد كانت لاذعة أكثر لأن الإمارات وضعت – كما يبدو – ثلاثة شروط لهذا التطبيع: أن توقف إسرائيل أي ضم إضافي للأراضي الفلسطينية، وألا ترفض إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وألا ينقل سفارته الخاصة إلى القدس. وبالتالي، لم يفرض الزعيم الإماراتي أي تنازلات حقيقية على الحكومة الإسرائيلية، بل اكتفى بالحفاظ على الوضع الراهن. ولا شك في أن في ذلك دليل على أنه كان يدرك هشاشة الإمارات على الساحة الإقليمية، بعد انهيار أسعار النفط، وأزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية المقلقة، وهروب رؤوس الأموال والمغتربين، ولكن قبل كل شيء عودة إيران إلى الساحة الإقليمية، لدرجة أنه لم يكن أمام الإمارات من خيار سوى استئناف الحوار مع طهران.

فيما يتعلق بثمن هذا التطبيع، تلقت دولة الإمارات وعوداً باستثمارات كبيرة، وتبادلات تجارية وسياحية، ونقل التكنولوجيا العالية، ولكن قبل كل شيء التعاون الأمني والعسكري، وعلى الأرجح في المجالات الحساسة للفضاء وصناعات الأسلحة. أما بالنسبة للبرنامج النووي المدني الإماراتي، فلا شك أن إسرائيل حصلت على ضمانات (حق الزيارة مثلاً!؟) لأن أصبحت أبو ظبي أصبحت أول دولة عربية تشغل محطة للطاقة النووية (بتكنولوجيا كورية جنوبية)، في الأول من آب 2020.

وبالنسبة لإسرائيل، يرتبط الخطر حصراً بسياستها الداخلية. فمن خلال الموافقة على وقف أي ضم آخر للأراضي الفلسطينية، على عكس ما وعد به قاعدته الانتخابية، يجد بنيامين نتنياهو نفسه على خلاف مع متطرفيه الذين رفعوا راية العصيان في الكنيست ووعدوا بنسف الاتفاق. والتوتر هو على هذه الدرجة بحيث أن رئيس الوزراء الحالي يتصور حلاً آخر للبرلمان. غير أن الاتفاق مع الإمارات رمزي للغاية، لأنه يكسر أحد المحرمات الضمنية التي عززها انهيار اتفاقات أوسلو، واستئناف الاستيطان في الأراضي المحتلة.

ومن خلال رهانها على أبو ظبي، من الواضح أن إسرائيل تعزز تموضعها تجاه إيران من خلال وضع بيدق بالقرب من مضيق هرمز من أجل مواجهة – أو تهديد – إيران، وخاصة في سورية ولبنان. والهدف واضح: تشتيت انتباه الجمهورية الإسلامية وإجبارها على اتخاذ خيارات مؤلمة، أو حتى إلقاء اللوم عليها على أمل أن يهاجم الحرس الثوري الإمارات مباشرة. وبعيداً عن هذه اللعبة من الإخفاقات، فإن التطبيع مع الإمارات يسمح لإسرائيل بتعزيز علاقات التعاون الاستراتيجي والصناعي والتكنولوجي مع الدول الاستبدادية والمتقدمة تكنولوجياً لتعزيز صورتها كدول ناشئة.

وبالنسبة للبيت الأبيض، تبدو الصفقة وكأنها مقامرة بالفرصة الأخيرة. فبعد إخفاقات سياسته الخارجية، يأمل ترامب في إظهار قدرته على التوصل إلى اتفاق قبل عشرة أسابيع من الانتخابات الرئاسية. لكن علينا ألا ننسى أن “الضربات الإعلامية” الدولية لم تكن أبداً حاسمة في إعادة انتخاب أي رئيس أمريكي، فلم يُعاد انتخاب جيمي كارتر، في عام 1980، عندما كان قادراً على الاستفادة من اتفاق كامب ديفيد بين إسرائيل والسادات (1979). ولم يعد جورج بوش كذلك في العام 1992، بعد أن أخرج صدام حسين من الكويت. وأعيد انتخاب بيل كلينتون، في عام 1996، ليس لأنه كان على رأس معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، عام 1994، بل لأنه أعاد الاقتصاد الأمريكي بنجاح إلى مساره الصحيح.

وأخيراً، يبدو اتفاق التطبيع هذا خبراً جيداً جداً للاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، لأنه يجمد الملف الإسرائيلي الفلسطيني، ويتجنب الاستفزازات التي يمكن أن تؤدي إلى انتفاضة ثالثة. ويتجنب الأوروبيون أن يجدوا أنفسهم في وضع غير مريح حيث كان يتعين عليهم أن يردوا على المزيد من عمليات الضم الإسرائيلية، دون قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل.

وبالنسبة للصين. فمن ناحية، يعزز الاتفاق قبضة بكين على طهران، التي تشعر بأنها أكثر عزلة من أي وقت مضى، ومن ناحية أخرى، يخلق فرصاً لتسهيل الاستثمار الصيني وتوسيع طرق الحرير الجديدة نحو حوض البحر الأبيض المتوسط، كجزء من مشروع “حزام واحد، طريق واحد”. وإدراكاً منها لتأثير هذا المشروع، تستثمر الإمارات بكثافة في البنية التحتية للموانئ لتضع نفسها محاوراً رئيسياً للصينيين الذين سبق لهم أن طوروا معهم شراكات في مجال التسلح، لا سيما في مجال الطائرات بدون طيار.

 

إضعاف وعزلة

وبالطبع، فإن أكبر الخاسرين هم الفلسطينيون، حتى لو كان الاتفاق يحافظ على الوضع الراهن ومظهر حل الدولتين. إن إضفاء الطابع الرسمي على الاتفاق من دون انتقادات العالم العربي يدل على أن السلطة الفلسطينية وداعميها لم يعودوا قادرين على ممارسة حق النقض على السياسة الخارجية للدول العربية “المعتدلة”، وخاصة تلك التي تعتبر “التهديد” الإيراني، المفترض، أكثر حسماً من القضية الفلسطينية. وفي هذا الصدد، يبدو الآن أن الاستراتيجية الفلسطينية التي اشترطت التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، لتحقيق تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، قد عفا عليها الزمن. وفي النهاية، فإن ما حدث للتو يدل على أن الوقت لم يعد في صالح الفلسطينيين، بل ضدهم. وقد يكون ذلك مؤسفاً، ولكنه حقيقة يصعب إنكارها. وفي هذه الأوقات التي تنخفض فيها أسعار النفط انخفاضاً شديداً وتشهد تراجعاً في الأداء الاقتصادي مرتبطاً بالأزمة الصحية، تجد طهران وأنقرة والدوحة صعوبة كبيرة في إنقاذ خزائن مختلف المنظمات الفلسطينية المتنافسة.

خرج العالم العربي، وخاصة الجامعة العربية، ضعيفاً إلى حد كبير من هذا الاتفاق الذي يقسمه ويزيد من تفتيته. ولا شك أن القيادة السعودية واجهت صعوبة في رؤية جيرانها الإماراتيين يدفعون بأحجار الشطرنج الإقليمية، في حين كانت الرياض في طليعة المفاوضات مع إسرائيل منذ ثلاثين عاماً. ومن الناحية الرسمية، لا تزال خطة السلام السعودية (التطبيع الكامل مقابل اتفاق إسرائيلي فلسطيني على أساس خط وقف إطلاق نار “معدل” في حزيران 1967)، والتي صاغها الملك عبد الله، في عام 2002، مطروحة على الطاولة. وفي الواقع، لطالما اعتبر ملوك السعودية، خدم الحرمين الشريفين، أن الأمر متروك لأحدهم للنهوض بالتطبيع مع إسرائيل. وواقعة أن محمد بن زايد أخذ الملك سلمان، وولي عهده محمد بن سلمان، على حين غرة، توضح تباين مواقف الأب، المرتبطة شكلياً بالقضية الفلسطينية، مقارنة بموقف ابنه الأكثر ميلاً إلى التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق أجندته الخاصة.

وفيما تقول الكويت المحاصرة بدعمها التاريخي للقضية الفلسطينية والمتلهفة لتحاشي جيرانها الأقوياء (العراق وايران والسعودية) أنها ستكون آخر دولة عربية تطبع علاقاتها مع اسرائيل، تجد قطر نفسها، الغارقة في خطابها حول الدعم الإيديولوجي للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، مرمية أكثر فأكثر في المعسكر الإيراني التركي.

للوهلة الأولى، ينبغي أن يكون التطبيع بين إسرائيل والإمارات نبأً طيباً لمصر، لأنه يعزز محور محمد بن زايد – السيسي المصمم لمواجهة الأنشطة التركية والقطرية وجماعات الإخوان المسلمين في المنطقة. ولكن الرئيس المصري فقد للتو مكانته كمحاور عربي كانت إسرائيل تفضله في السابق، ليجد نفسه يدير، على خط المواجهة، العلاقات المتفجرة مع “حماس” الراسخة في قطاع غزة. ولا شك أنه بدأ يفهم أن الاستراتيجية الإسرائيلية قد تكون في إعادة توكيل إدارة الفوضى في القطاع إلى مصر، في حال تم التقسيم الفعلي وضمت الأراضي الفلسطينية على نطاق واسع.

والخاسرون الآخرون هم القادة العرب الذين أرادوا تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولو لمجرد الاستحواذ على تدفق كبير للاستثمارات، ولكنهم يعرفون أن شعوبهم لن تتسامح مع هذا الانفتاح. وهذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لملك المغرب، الذي يدعو إلى مثل هذا التطبيع منذ فترة طويلة، ولكنه يدرك أن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يشعل النار في برميل البارود، في وقت يبدو فيه الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مملكته، والذي تفاقم بسبب عواقب الأزمة الصحية، متوتراً وغير مؤكد للغاية. وإلى الشرق، انتقدت الجزائر وتونس وليبيا الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي. ومما لا شك فيه أن قادة الأعمال والتجار ومديري القطاعات الاقتصادية يدركون أهمية عدم تفويت فرصة التشبث بمسار التنمية الاقتصادية، مما يبعث على الارتياح الكبير للمستثمرين الصينيين الذين سيتمكنون من زيادة قبضتهم في هذه البلدان.

الخاسر الإقليمي الرئيسي الآخر، بطبيعة الحال، هو إيران، التي تبدو، للوهلة الأولى، أكثر عزلة من أي وقت مضى بسبب هذا التطبيع، الذي يأتي بعد وقت قصير من استئناف الحوار بين طهران وأبو ظبي. ويعرف الإيرانيون والإماراتيون أنهما مترابطان، مع استمرار ارتباط دبي اقتصادياً بشكل وثيق بإيران، والإماراتيون البراغماتيون يدركون أنهم سيخاطرون إن هم فتحوا الأبواب على مصراعيها أمام الإسرائيليين، وربما لن يتجاوزوا أياً من الخطوط الحمراء الإيرانية، خاصة وأنهم يستضيفون المعرض العالمي 2020 – 2021 على أراضيهم.

وتجد تركيا نفسها ممزقة أكثر من أي وقت مضى بين مصالحها ومواقفها المتناقضة في سياق من التوترات الشديدة في بلاد الشام وشرق البحر الأبيض المتوسط،، وسيتعين عليها أن تقيّم تطور ميزان القوى وأن تستخلص الاستنتاجات اللازمة.

وروسيا ليست راضية عن هذا الاتفاق الذي لم يتم التشاور معها بشأنه، خاصة وأنه يُنظر إليه على أنه نجاح أمريكي يبعد إسرائيل قليلاً عن الكرملين، وهم يجدون فيه لمسات بيني غانتس وغابي أشكنازي اللذين يعرفان أن لمنافسهما بنيامين نتنياهو علاقة وثيقة مع فلاديمير بوتين. ولكن القادة الروس يعرفون أيضاً أنهم بذلك يعززون قبضتهم على إيران، التي تمثل في حد ذاتها نظيراً مهماً.

 

عواقب يمكن التنبؤ بها

وعلى المدى القصير جداً، يزيد التطبيع بين إسرائيل والإمارات العداء بين إيران وداعميها الروس والصينيين من جهة، وإسرائيل وواشنطن وأبو ظبي والرياض من جهة أخرى، في السياق الدقيق، بشكل خاص، لرفع – أو عدم رفع – حظر الأسلحة التقليدية الذي من المفترض أن يحدث في 18 تشرين الأول 2020، ولكن أيضاً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 تشرين الثاني.

سيتوقف ذلك على نتيجة هذين الموعدين النهائيين. وإذا أعيد انتخاب ترامب، سواء نجح أم لم ينجح في تمديد حظر الأسلحة وفرض عقوبات جديدة على إيران، فمن غير المرجح أن تهدأ هذه الخصومة. وستكون الخطوة التالية بعد ذلك هي الانتخابات الرئاسية الإيرانية (ربيع عام 2021) التي ستشهد بالتأكيد انتخاب مرشح محافظ.، ومن المفارقات أنه قد يكون من الأسهل الدخول في مفاوضات سرية مع واشنطن لأنه، بدعم من الفصيل المتشدد، لا يمكن لأحد أن يتهمه ببيع مصالح الجمهورية الإسلامية. ومن ناحية أخرى، إذا هُزم ترامب وبرزت إدارة جديدة تريد إعادة الولايات المتحدة إلى مركز اللعبة الدبلوماسية، مثلاً من خلال إعادة دمج “خطة العمل الشاملة المشتركة” بطريقة أو بأخرى، وهناك كل الأسباب للاعتقاد بأن هذا العداء يمكن أن يهدأ تدريجياً، ناهيك عن احتمال تمكن روسيا والصين، في غضون ذلك، من الحصول على الرفع الفعال للحصار المفروض على مبيعات الأسلحة. وتتمثل أولوية طهران في تحديث ترسانتها التقليدية التي يعود تاريخها إلى الشاه، والتي أصبحت الآن بالية تماماً (باستثناء الطائرات بدون طيار والصواريخ). وقد تقنع هذه التهدئة العديد من الدول العربية أو الإسلامية بأن تحذو حذو الإمارات بالتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مع استئناف الحوار مع إيران. إن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بيني غانتس وزميله غابي أشكنازي، وزير الخارجية، يدركان ذلك جيداً، وهما يعرفان أنه ينبغي إعداد جميع السيناريوهات. ولهذا السبب شرعا بتقارب سري مع تركيا، ولكن أيضاً مع بعض القادة الأوروبيين، واستمالا الجالية اليهودية الأميركية. ويعرف هذان السياسيان أيضاً أن نتنياهو، الذي أضعفته الفضائح القضائية والتنافس القوي داخل الليكود نفسه، لن يدوم إلى الأبد. ومع العلم أنه ليس من الحكمة وضع كل بيضهما في سلة أمريكية واحدة مثله، فإنها يدركان أنه عليهما أن يضعا نفسهما في وضع يمكنهما من المناقشة بتكتم مع الإيرانيين والصينيين واالعرب الآخرين عندما تفرض الظروف ذلك.

وفي الوقت نفسه، فإن التطبيع بين إسرائيل والإمارات يزيد من حدة الصدع الزلزالي الذي يقسم الشرق الأوسط إلى صفيحتين جيوسياسيتين متميزتين: في الشمال، الصفيحة التي تضم إيران والعراق وسورية ولبنان تحت قيادة روسيا والصين، وإلى الجنوب تلك التي تمتد من مصر إلى الإمارات عبر إسرائيل والأردن والمملكة السعودية، تحت قيادة الولايات المتحدة. إن استقرار هاتين الصفيحتين مهدد بالمنافسات الإقليمية والاختلالات الاجتماعية والاقتصادية التي تضعف الدول العربية وتغذي أجندة الإخوان المسلمين وكذلك أجندة داعش.

وعلى المدى الطويل، يسمح هذا التطبيع للإمارات بكسب الوقت في مواجهة الحرب الباردة العالمية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، بما في ذلك الشرق الأوسط. إذ لم يعد الصراع إيديولوجياً، كما في الحرب الباردة الأولى، بل هو الآن صراع بين هيمنة أمريكية مستقرة بشكل مريح، مترددة بين مصالحها الآسيوية والشرق أوسطية، وبين منافس صيني يحاول إشغال الفضاء – الاقتصادي والسياسي على وجه الخصوص – الذي بقي شاغراً في هذه المنطقة. ومع ذلك، فإن التحليلات في واشنطن وبكين تختلف. وترفض بعض النخب الأميركية اعتبار الصين خصماً، اعتقاداً منها بأن العدوين الحقيقيين الوحيدين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا يزالان روسيا وإيران. وفي بكين، يعتقد جزء من المؤسسة الصينية أن من السابق لأوانه تحدي واشنطن في مربعها الأمني، على الرغم من أنه يدرك أن من الضروري تأمين إمدادات الطاقة المستدامة من الخليج العربي والبحر الأحمر. وتثير مثل هذه الأصوات متاعب بين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذين لم يعودوا يعرفون أي رب يعبدونه، مع تشجيع تجدد التوترات والمنافسات بين الروس والأتراك والإيرانيين والأوروبيين. وكما يشير هارفي جاسكل، فإن إسرائيل وممالك الخليج ستواجه خيارات تراجيدية. فمن خلال تطبيع علاقاتهما، تقد إسرائيل والإمارات، من جهة أولى، هدية ملكية لترامب في حالة إعادة انتخابه، مع العلم أن الهدية نفسها ستكون محط رهان بايدن إذا تم انتخابه. ومن جهة أخرى، فإنهما تروجان لاستراتيجية الصين الطويلة الأمد، دون تجاوز الخطوط الحمراء التي حددها البيت الأبيض.

وفي المحصلة، يبدو أن اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات سوف تزيد من إحباط العديد من الأطراف الفاعلة الإقليمية، وتساعد على تعزيز الخطابات القومية والشعبوية المتطرفة، وتهدد بخطر نشوب صراعات جديدة.. شيء واحد يبدو مؤكداً: التطبيع مع إسرائيل يبقى مخاطرة غير محسوبة!