تحقيقاتصحيفة البعث

دعم الريف “الطرطوسي” بمشاريع تنموية ضرورة ملحة تصطدم بضعف الخدمات!

أولوية خاصة يحتاجها دعم الريف اليوم، مع ظروف اقتصادية حرجة فرضتها سنوات الحرب والحصار على سورية، كذلك لا يقلّ دعم الريف بمشاريع حيوية أهمية عن دعم وتأهيل شبابه، وإدخالهم عملية الإنتاج الاقتصادي، وتزويدهم بمهارات ووسائل التعامل مع مشاريع مختلفة يمكن تنفيذها في عملية تنمية القرى والأرياف. صحيح أن فتح باب القروض للمسرّحين من العسكريين وفئات أخرى من الشباب حالة إيجابية بالمبدأ، لكنها لا تغني عن أفكار استثمارية ناجحة لمشروعات صغيرة تدخل هذه المبالغ في عملية التنمية، وتكفي صاحبها حاجة الناس أو السؤال مجدداً.

خارج الصندوق
تفكير تقليدي ونسخ مكرّرة من الأفكار يتجه لها معظم الشباب في قراهم، هو ما كان دافعاً لأنشطة غير تقليدية وورشات تحفيز نفذتها مؤخراً مديرية الشؤون الاجتماعية بطرطوس في منطقة التون الجرد، كان محورها دعم الريف السوري والاهتمام بعملية التنمية، وتحديداً بعد فتح باب الإقراض للمسرّحين بالمذكرة الموقعة بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمؤسّسة الوطنية للتمويل الصغير، لبحث المشاريع الصغيرة وطرق دعمها في مركز التون الجرد.

مذكرات تفاهم
مديرة الشؤون الاجتماعية عفراء أحمد أكدت أن عملية التنمية الريفية كانت رغم ظروف الحرب من الأولويات التي تمّ التركيز عليها، لكن من المهم أيضاً العمل في الوقت نفسه على تنمية الإنسان فهو من يُنجح هذه العملية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من شأنه أن يكون أكثر استمراراً وثباتاً وضماناً للاقتصاد، وبالتالي يتم العمل اليوم في طرطوس لإعادة وضع الخطوط الرئيسية المطلوبة مجدداً لدعم أبناء المجتمع المحلي بالقروض، وتوقيع مذكرة تفاهم مع المؤسسة الوطنية للتمويل الصغير ومنح قروض للمسرّحين، وكذلك التنسيق مع برنامج “مشروعي” وأصحاب التجارب الناجحة ليكون أساس عملية التنمية في الريف.

قروض ميسرة
من جهته أكد الدكتور منير هارون الرئيس التنفيذي للمؤسّسة الوطنية للتمويل الصغير قيام المؤسسة منذ تأسيسها بدعم وتمويل الكثير من الأفكار والمشاريع، مع الأولوية اليوم في خططها لدعم الشباب العسكريين والمسرّحين، وخاصة أصحاب الأفكار والمشاريع بشروط جديدة بعد مذكرة التفاهم مع الشؤون الاجتماعية، والعمل على تخفيف الفائدة وتخفيف الضمانات، بعد أن كانت الفائدة السنوية سابقاً ١٠%، حيث ستكون الفائدة بموجب المذكرة الجديدة شبه معدومة، ومن دون عمولات بالنسبة للشباب المسرّحين حديثاً، شريطة الالتزام بتسديد الأقساط في مواعيدها. وأضاف: بالتعاون مع الشؤون الاجتماعية رأينا أن هناك بعض الإجحاف بحق المسرّحين الذين لم يشملهم البرنامج، حيث نعمل حالياً على إدخال أكبر عدد من المستفيدين، بغضّ النظر عن سبب التسريح، اعتباراً من 15/3/2011 ولغاية اليوم، وفي حال تمّ هذا الموضوع فالفائدة ستكون كبيرة. وتابع هارون: نحن اليوم موجودون في ستة فروع بخمس محافظات، في اللاذقية- جبلة وطرطوس ودمشق والسويداء وحلب، وقبل نهاية العام سنكون في مدينتي حمص وحماة، لكن الظروف الحالية ساهمت في الحدّ من وصولنا إلى الشباب الذين يعملون على مشاريعهم الخاصة، مؤكداً أن متابعة شروط القروض والحصول عليها ممكنة من خلال التطبيق الذي يتمّ من خلاله تقديم الطلب وإعطاء الموافقة المبدئية والشروط المطلوبة للتسجيل.

إعادة إحياء
من المؤكد أن إعادة تغعيل برنامج “مشروعي” الذي انطلق منذ سنوات في الساحل والمدن السورية وعدة قرى، من شأنها تقديم دفع إضافي يدخل في عملية التنمية ودفع عجلة الاقتصاد، وهو ما تتحدث عنه عرين العلي مديرة برنامج “مشروعي” في الأمانة السورية للتنمية، فالهدف الأساسي هو تمكين المجتمع المحلي وإعطاؤه المفاتيح لمجابهة مشكلات الحياة، وخاصة في الفترة الأخيرة. مضيفة: برنامج مشروعي أحد برامج الأمانة السورية للتنمية الهادفة لدعم الأسر في الريف السوري التي تعجز عن تأمين القروض عن طريق المصارف، فنحن اليوم موجودون في عشر مدن تقريباً، و800 قرية لدينا لجان فيها، سابقاً كنّا نقدم مبالغ صغيرة 200 ألف لمشروع صغير و50 ألفاً كمنحة تعليمية، لكننا اليوم أمام ظروف جديدة وبالتالي إعادة النظر بمبالغ التمويل، والبحث عن مشاريع تنموية تقدم منتجات تدعم الريف والمدن، وإعادة النظر أيضاً بآليات البرنامج، وقريباً سيكون هناك انطلاقة جديدة بعد بحث الأمور على الواقع، وفي طرطوس نعمل بـ 149 قرية ولدينا 17 ألف مستفيد، وهناك إقبال مع انتظار الآلية الجديدة، لنعمل مع المستفيد من بداية كتابة الطلب وحتى تسويق منتجه للسوق.

أفكار ممكنة
لكن ما هي الأفكار التي يمكن أن يقوم بها بعض الشباب، بعيداً عن الأفكار التقليدية التي كانت تُنفّذ سابقاً؟ عن هذا السؤال يجيب الدكتور شادي الخطيب رئيس الجمعية السورية للأعشاب مستشهداً بكيفية استثمار النباتات الطبية بشكل أفضل، إذ إن سورية من الأماكن القليلة في العالم التي تتميّز بنباتات وزيوت عطرية مميزة جداً. ويضيف الخطيب: هل فعلاً نحن على علم بمكونات الغطاء النباتي الموجود لدينا وطرق تسويقه، والذي هو استثمار مجدٍ جداً، فهي منتجات مطلوبة بكميات كبيرة في أسواق خارجية، نحن اليوم لا نستطيع تحويل العشبة الموجودة إلى منتج طبي، وهناك حلقات وساطة تشتري بأسعار منخفضة، والسؤال: كيف يمكن نقل المنتج من الأرض إلى معامل الأعشاب المنتشرة في سورية دون حلقات وساطة تبخس السعر، نحن بحاجة لكسر هذه الحلقة لمساعدة الفلاح، وتحقيق الفائدة له، يجب توثيق اسم العشبة وتاريخ القطاف واسمها باللاتيني، والرطوبة والحفظ والتعقيم وشروط التوضيب، وهذا الأمر كلّه يحقّق جدوى اقتصادية في عملية البيع.

في المقابل تتحدث مثال حيدر، وهي صاحبة تجربة في تطوير كثير من المشاريع والأفكار الصغيرة عن تجربتها بالقول: قمت بالعديد من الأفكار والمشاريع الصغيرة التي تتطلّب رأس مال صغيراً، واليوم يمكن لأي شاب أو عائلة متابعة هذه الأفكار عبر صفحة خاصة قامت بإطلاقها تحت اسم “صحتي بإيدي”، فيها تجارب ناجحة حول زراعة الفطر أو تربية النحل أو توضيب بعض المنتجات المنزلية، مثل الدبس والفليفلة والزبيب وغيرها من المنتجات المتوفرة في القرى، والتي يمكن من خلالها تأسيس الكثير من المشاريع.

صعوبات قائمة
ونختم ببعض التساؤلات الصغيرة عن صعوبات كثيرة تردّدت على لسان بعض الأشخاص الذين حاولوا الحصول على قروض كانت تنتهي بفشل وعجز إضافي عن التسديد، ذلك أن أصحاب القروض تواجههم الكثير من المشكلات، فهم بداية يحتاجون لبيئة وأرضية مستقرة ومعدّة لاستقبال مشروعاتهم، والكثير من المزارعين في مناطق التون الجرد يتحدثون عن قلّة المياه وشحها وعدم توفر المسطحات المائية اللازمة لإقامة المشاريع الزراعية مثلاً، كذلك هناك مشكلات المواصلات والتنقل وتصريف المنتج، واستقرار الأسعار، وبالتالي يتعامل الكثير من هؤلاء الشباب مع القروض التي يحاولون الحصول عليها عبر أي برنامج لسدّ ديونهم أو القيام ببعض الإصلاحات في ممتلكاتهم، أو صرف مبلغ القرض دون استثماره بمشروع مجدٍ، والنهاية الفاشلة لا تخدم عملية التنمية في أي شيء!.
محمد محمود