دراساتصحيفة البعث

أفكار شي جينبينغ الدبلوماسية تنير طريق الصين والعالم نحو التنمية

منذ المؤتمر العام الـ18 للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، قام الرئيس شي جينبينغ، بما لديه من الرؤية الاستراتيجية الثاقبة والدراية التامة لقانون تنمية المجتمع البشري والحكم الدقيق لمستقبل الوضع الدولي والوطني، قام بطرح سلسلة من المفاهيم والرؤى والمبادرات الجديدة التي تتسم بالخصائص الصينية والروح العصرية والريادة البشرية، والتي أجابت بكل وضوح عدة أسئلة نظرية وتطبيقية مهمة، على سبيل المثال، ما هو العالم والعلاقات الدولية التي تريدها الصين، وما هي الدبلوماسية التي تحتاج إليها الصين وكيف إدارة العلاقات الدبلوماسية في العصر الجديد. شكلت هذه الجوابات أفكار شي جينبينغ للدبلوماسية ذات الخصائص الصينية، أي أفكار شي جينبينغ الدبلوماسية التي حددت الاتجاه للدبلوماسية الصينية في العصر الجديد، وأوضحت مبادئها العامة وشكلت البوصلة للعالم الذي يشهد الآن تغيرات لا مثيل لها منذ مائة عام. تركت أفكار شي جينبينغ الدبلوماسية تأثيرا مهما في العلاقات الدولية ولقيت دعما وترحيبا واسعا. بهذه المناسبة، سأحاول شرح هذه الأفكار.
تمتلك أفكار شي جينبينغ الدبلوماسية مضامين وافرة ومعاني عميقة. وتلتزم بقيادة الحزب الشيوعي الصيني المركزية والموحدة للأعمال الدبلوماسية، وتلتزم بطريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية كالضمان السياسي الأساسي، وتلتزم بالاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك وطريق التنمية السلمية كالمبادئ الأساسية، وتلتزم بتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية كالمهمة التاريخية وتلتزم بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وإقامة العلاقات الدولية من نوع جديد كجوهر السياسة الخارجية.
طرح الرئيس شي جينبينغ إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية من أجل بناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والازدهار المشترك والانفتاح والشمول والنظافة والجمال، وقامت الدبلوماسية الصينية بترجمة ما طرحه الرئيس شي جينبينغ بكل حذافيره. قبل 7 سنوات، طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة “الحزام والطريق” للتعاون الدولي، تماشيا مع تقدم زخم العولمة. على مدى 7 سنوات، وقعت الصين على وثائق التعاون بشأن بناء “الحزام والطريق” مع 138 دولة، وتجاوز إجمالي التجارة السلعية مع الشركاء 7.8 تريليونات دولار وتجاوز الاستثمار المباشر 110 مليار دولار. منذ اندلاع جائحة كورونا مطلع هذا العام، أطلقت الصين أكبر حملة إنسانية دولية عاجلة في تاريخها، حيث قدمنا المساعدات المادية العاجلة لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية، كما أقمنا لسوريا وغيرها من 180 دولة جلسات افتراضية للخبراء الطبيين، وأرسلنا 34 فريقا طبيا إلى 32 دولة، وقدمنا وصدرنا مواد مكافحة الوباء لأكثر من 200 دولة وإقليم، كما أعلنا عن تقديم دفعتين من المساعدات النقدية قدرها 50 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية. ودعمت الصين الجهود العالمية لمكافحة الوباء بخطوات ملموسة، وساعدت في إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح في كل أنحاء العالم، وهو خير دليل على نية الصين الصادقة لإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. لكن في ظل الجائحة، بجانب التيارات الدفيئة للتعاون والتضامن، توجد أيضا تيارات عكسية تتهرب من المسؤولية وتتنمر بالتصرفات الأحادية. علّمتنا التجارب والعبر أن البشرية تعيش في مجتمع ذي مستقبل مشترك، ولا يستطيع لأي بلد النأي بنفسه في وجه الأزمات الخطيرة، والطريق الصحيح لمواجهتها يكمن في التضامن والتعاون. في الوقت الحاضر، قد أصبحت الصين من أكثر الدول انفتاحا في العالم، وصارت أكبر شريك تجاري لأكثر من 130 دولة وإقليم، وتتجاوز مساهمتها للنمو الاقتصادي العالمي 30% على مدى 10 سنوات متتالية، كما ساهمت إنجازات الصين في مكافحة الفقر 70% من الإنجازات العالمية في هذا المجال. ستستمر الصين في الالتزام بالاستراتيجية القائمة على الانفتاح والمنفعة المشتركة، وتقاسم خبرات وفرص التنمية. ستطبق الصين الخطة الخمسية الـ14 للتنمية، وستعمل على رفع الاقتصاد العالمي المنفتح إلى مستوى أعلى، وتسريع خطواتها لتشكيل المعادلة الجديدة للتنمية التي تعتمد أساسا على الدوران المحلي مع التكامل بين الدوران المحلي والدولي، بما يساعد في إنعاش الاقتصاد العالمي ويأتي بفرص جديدة لكافة الدول.
يدعو الرئيس شي جينبينغ لإقامة العلاقات الدولية من نوع جديد، من أجل إقامة مجتمع دولي قائم على الاحترام المتبادل والعدالة والإنصاف والتعاون والكسب المشترك، الأمر الذي يدحض تماما العقليات القديمة مثل “سعي القوى العظمى للهيمنة” و”فخ ثيوسيديدز”، لأن الصين ليست الاتحاد السوفيتي سابقا، لا تريد ولا يمكن أن تكون أمريكا الثانية، مهما كانت تطورها، لن تسعى الصين إلى الهيمنة ولن تلجأ إلى التوسع ولن تعمل على رسم مناطق النفوذ. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لم تبدأ أي حرب أو نزاع، ولم تعتدي على أرض دول أخرى ولو شبر واحد، بل قد أصبحت الصين ثاني أكبر دولة في الأمم المتحدة من حيث المساهمة المالية في الأعمال اليومية وعمليات حفظ السلام، وتصدّرت الأعضاء الدائمة لمجلس الأمن من حيث عدد الجنود المشاركين في عمليات حفظ السلام، وشاركت في عمليات الحل لجميع القضايا الساخنة على المستويين الدولي والإقليمي. يصادف العام الجاري الذكرى الـ75 لتأسيس الأمم المتحدة، تعلمنا من التجارب والعبر خلال هذه الفترة أن العالم يشهد كثيرا من المشاكل الكبيرة وتزايدا مستمرا للتحديات الكونية، فلا بد منا تسويتها عبر الحوار والتعاون. يجب اللجوء إلى التشاور لحل القضايا الدولية وقد أصبح التعاون والتضامن القواسم المشتركة لدى المجتمع الدولي. في هذه العملية، ستظل الصين تعمل على صيانة سلام العالم والدفاع عن النظام الدولي ودفع زخم العولمة.
لكن، لاحظت في نفس الوقت أن بعض الدول، خاصة بعض الساسة والعلماء الغرب، تعجز عن التخلص من العقليات القديمة للعلاقات الدولية مثل عقلية الحرب الباردة ولعبة صفرية النتيجة، والأمر بالذات يدل على عدم معرفتهم للصين اليوم ولعالم اليوم. تزداد الصعوبة في تفسير عالم اليوم بنظريات العلاقات الدولية التقليدية، وأصبحت العقليات مثل الإيمان بالقوة ولعبة صفرية النتيجة تنحرف عن اتجاه العصر أكثر فأكثر. قد دخلت البشرية عصرا جديدا للتواصل والترابط، وترتبط فيه مصالح الدول ومصايرها. التهديدات والتحديات الكونية تتطلب الردود الكونية القوية، لا يحق لأي دولة الانفراد بالشؤون الدولية وتقرير مصير الآخرين والاحتكار بامتياز التنمية، ناهيك عن التصرف على هواه على الساحة الدولية وممارسة الهيمنة والتنمر والبلطجة. الأحادية طريق مسدود، والتمييز الأيديولوجي ولعبة صفرية النتيجة لن تحل المشكلة في بلده ولن تحل التحديات أمام البشرية كلها. يجب علينا أن نحل محل النزاع بالحوار، ونحل محل التهديد بالتشاور، ونحل محل النتيجة الصفرية بالكسب المشترك، ونجمع بين المصلحة الوطنية مع المصلحة المشتركة لجميع الدول، سعيا لتوسيع المصلحة المشتركة وبناء أسرة دولية يسودها التعاون والتناغم.
تكون سوريا صديقا حميما وشريكا عزيزا وأخا طيبا للصين في عملية إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وإقامة العلاقات الدولية من نوع جديد. سيصادف العام المقبل الذكرى الـ65 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، نحن حريصين على مواصلة التعاون المتميز مع سوريا في المجالات الثنائية والمتعددة الأطراف، واحترام النظم الاجتماعية والطرق التنموية التي اختارها الشعب السوري بالإرادة المستقلة، وزيادة تعميق التعاون في كافة المجالات، وتعزيز الصداقة بين الشعبين، ورفض سويا التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والتصدي للأحادية والهيمنة وسياسة القوة، سعيا لأن نكون نموذجا يحتذى به في إقامة العلاقات الدولية من نوع جديد وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.