دراساتصحيفة البعث

مجرد تحذير غامض!

علي اليوسف

إن وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض لولاية ثانية سيفضح عنصرية الولايات المتحدة، بحسب غوين داير المؤرخ والصحفي الكندي.

يقول المؤرخ الكندي، الحاصل على درجات علمية في التاريخ العسكري والفلسفة العسكرية: “إن الأوروبيين لديهم احترام عميق للولايات المتحدة.. قد يكون هذا صحيحاً أو لا يكون، لكن الحجج المستخدمة للوصول إلى هذا الاستنتاج هي ببساطة خاطئة”.

إن ما يجمع أوروبا والولايات المتحدة هي الحروب، وهي العامل المشترك الأول بينهما. صحيح أن الولايات المتحدة تأخرت لسنوات عن الحربين العالميتين، لكنها ظهرت في المرتين في الوقت المناسب لإنقاذ الأوروبيين، وهذا الاعتقاد السائد لدى النخب الأوروبية ليس صحيحاً، أو ربما يكون نوعاً من الترويج للسياسات الأمريكية.

في الحرب العالمية الأولى لم تنقذ الولايات المتحدة شيئاً، ودخلت الإمبراطوريات المتحاربة في ذلك الوقت (روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، تركيا “الإمبراطورية العثمانية”، النمسا، المجر) عملية الاستنزاف الكامل، وعملية طويلة من التفكيك والفوضى. حتى مؤتمر سلام باريس لعام 1919 الذي أنشأ عملية طويلة للتخلّص من الفوضى، لم يستطع حلها حتى اليوم، ليظهر بعدها دور الولايات المتحدة لإحياء سياسات الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي السابق.

في الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة القتال إلى جانب القوات الأوروبية بعد أن قضى الاتحاد السوفييتي السابق على العديد من الجيوش الألمانية. وبقيت القوات الأمريكية في أوروبا الغربية لحمايتها من القوة السوفييتية طوال الحرب الباردة، وهذا ليس صحيحاً أيضاً، فهي بقيت في أوروبا لدعم موقعها الجديد وتحسينه كقائد صناعي عالمي وأقوى اقتصاد، ويرجع الفضل في ذلك إلى الحرب وحقيقة عدم خوض أي منها على أراضي الولايات المتحدة.

يرى معظم الأوروبيين الشرقيين الولايات المتحدة كأداة لتحريرهم وتعزيز اقتصادهم، لكن الجانب الآخر من تلك العملة أن اقتصاداتها لم تستفد بشكل كبير من برامج التقشف التي فرضها الغرب والحكومات اليمينية الصاعدة التي تدعمها الولايات المتحدة حالياً.

والسؤال المطروح قبل أسابيع من الانتخابات الأمريكية هو: هل إعادة انتخاب ترامب تعني نهاية الديمقراطية الأمريكية؟. إذا تمّ تعريف كلمة الديمقراطية بشكل صحيح على أنها “سلطة الشعب” كما تشير الكلمات الأساسية، فإن الولايات المتحدة هي حقاً دولة أوليغارشية، حكومة يديرها الأثرياء، ولديهم أيضاً وجهة نظر عسكرية قوية، والحلّ العسكري هو الحل الرئيسي لمعظم مشكلات الولايات المتحدة سواء محلياً أو خارجياً.

حتى المشكلات العرقية التي أثيرت في الشوارع الأمريكية مؤخراً، فقد استخدم العنف المفرط ضدها، لكن ذلك يعتبر تطوراً ضرورياً للتاريخ الأمريكي، لأنه سواء أُعيد انتخاب ترامب أم لا، فإن مشكلة العرق لن تختفي. لقد كانت الولايات المتحدة منذ نشأتها دولة عنصرية، وتراثاً للإمبراطورية البريطانية، بدأ ذلك مع الحروب الهندية، والحرب الإسبانية ومعاركها الطويلة، وخلال الحربين العالميتين التي انتهت بالذبح غير الضروري لملايين المدنيين اليابانيين من القصف الناري والقصف النووي، واستمرارها حتى اليوم بحق الكثير من الدول من خلال العديد من الإجراءات السرية والعلنية للدولة العسكرية “البنتاغون، وكالة المخابرات المركزية، والعديد من شركات المرتزقة التي تكسب رزقها من هذه العمليات” التي تحارب جميعها للاحتفاظ بهيمنتها العسكرية والمالية على العالم.

لا يوجد جزء من العالم لم يتأثر الناس سلباً من الإجراءات الأمريكية، وحتى في جميع أنحاء الأمريكيتين، مثل مبدأ “مونرو”، الذي هو في الأساس عقيدة تنتهك جميع القواعد الحالية “لسيادة القانون” الدولي. كما أن كلّ آسيا لم تسلم من الوحشية الأمريكية من فيتنام إلى لاوس وكمبوديا ونظام “بول بوت” الوحشي، وهذا الأخير مدعوم من قبل الولايات المتحدة، ومؤخراً أصبح واضحاً في جنوب آسيا، حيث لا تزال الحرب الأمريكية مستمرة. وفي أفغانستان، دعمت الولايات المتحدة حسب تعريفها “المجاهدين المقاتلين من أجل الحرية” ضد السوفييت، وخلقت على المدى الطويل “القاعدة وداعش”. لكن التأثير الأقوى كان في الشرق الأوسط، وتجلّى بشكل كبير مع دعم الولايات المتحدة للتطهير العرقي الإسرائيلي لفلسطين، والدعم الأمريكي لأنظمة الخليج الذين اتحدوا في حروب عدوانية أخرى في سورية وليبيا والعراق. هذه الحروب هي مزيج من الأصولية المسيحية، والنفط، والدولار الأمريكي، والجيش، وهي تعبير تكافلي موحد عن الجشع والعنصرية في الإمبراطورية الأمريكية المتعثرة.

حتى الآن لا توجد حلول حقيقية، بل مجرد تحذير غامض من دفع المزيد من الأموال، ما يعني بالضرورة أن المشكلة الإجمالية مع الولايات المتحدة هي حالة العنف الكامل التي تحاول من خلاله حكم العالم، وهذه ليست مشكلة سيتمّ تسويتها، سواء أُعيد انتخاب ترامب أم لا!.