الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

“بذرة الإجاص”.. صرخة في وجه الخراب

سلوى عباس

المسرح حالة تعبير عن الوجود ونهاية هذا الوجود أيضاً، يقدّم مفاتيح السعادة والبؤس حسب رؤية كل شخص للحياة، ودائماً الاختلاف قائم بين من يبكي غياب المسرح ويستسلم للأزمات التي يعيشها، وبين مَن هو مؤمن بالرسالة المسرحية أكثر ويعيش حالة من التفاؤل في أن المسرح باقٍ، وسيعود إلى سابق عهده من التألق والازدهار رغم كل الصراعات التي يعيشها، فكون الحياة مسرحاً هذا يعني أن حالة التأمل والأفق المفتوح هي السمة الغالبة على المسرح ومحبيه، هذا المسرح الذي يدعو إلى السلام بما يقدّمه من مقولات وما يناقشه من قضايا، وطرح أسئلة حول الوجود والإنسان. كما  يمثل المسرح الحياة المليئة بالمتناقضات والمفارقات، هذه الحياة التي يحلم بها كل إنسان كما يرغب أن يعيشها، إنه فن مفتوح على المدى البعيد، ينشد الحرية والسلام، مسرح المتعة والفائدة، هذا المسرح الذي يستعيد ألقه من خلال أشخاص يقدّمون أرواحهم وكل ما يملكون لإعادته إلى دوره الفاعل في الحركة الفنية والإنسانية.

وقد عبّرت مسرحية “بذرة الإجاص” لفرقة المسرح القومي في اللاذقية، تأليف د. حمدي موصللي وإخراج فائز صبوح، وقدمت على مسرح المركز الثقافي العربي في اللاذقية، أصدق تعبير عن هذه الفكرة التي حملت من المعاني الكثير، حبَّ الحياة وحب المسرح، وتحقيق الرسالة المستمرة عبر الأجيال. وهذا مالمسناه في كل الأعمال المسرحية التي قدمها الفنان فائز صبوح سواء مخرجاً أم ممثلاً، وفي “بذرة الإجاص” تحديداً عبّر عن عشقه للمسرح ليكون رسالته في وجه الخراب الذي عم العالم وشوّه معالم الحياة، وأمام ما يجري كان الفن سلاحه وصرخته عن الآلام والأوجاع التي تعيشها الإنسانية، أعطاه من روحه وحياته، وهذا ما قرأناه في عيون جمهور الأطفال وذويهم الذين حضروا إلى المسرح وجلسوا منصتين لكل كلمة وكل حركة، جاؤوا يعيشون تطلعاتهم وآمالهم في عرض مسرحي لفنانين شكلت الخشبة مرآتهم التي يقرؤون فيها تاريخهم، ويسعون عبر ما يقدمون أن يبقى للمسرح قيمته، وتقريب المسافة بينه وبين الجمهور لقناعتهم أن المسرح هو لكل الناس وكل الأجيال، لأنه باب الإبداع للوطن كله.

“بذرة الإجاص” عمل مسرحي موجه للأسرة بكامل أفرادها، يؤكد على أهمية بناء الإنسان وتحديداً الأطفال الذين يشكلون اللبنة الأساس في بناء المستقبل، لذلك من الضروري بناؤهم على الأخلاق والقيم والمثل الصحيحة، بعيداً عن مظاهر الفساد والدمار والقتل التي سادت خلال سنوات الحرب الظالمة، والتي كانوا أول ضحاياها، وإعادة تأهيلهم ليكونوا أفراداً فاعلين في المجتمع، وكانت أغنية “بما أنو بما أنو كل شي نظيف” بصوت المبدع زياد الرحباني التي اختتم العرض بها خير تعبير عن الحال القاسي والمؤسف الذي نعيشه ونعانيه جميعنا.

لقد شكل فريق العرض ككل لوحة متناغمة بين الممثلين الذين ظهروا على الخشبة: نبيل مريش، ريم نبيعة، محمد أبو طه، مصطفى جانودي، فائز صبوح، محمود عكيد، مجد عمران، وبمشاركة تمام خليلو، عمار قوجة، زين العابدين زيفا، حمزة صبوح. وكان لفتيات فرقة رمال للمسرح الراقص: مايا أسعد- مي زادة- لورا آت نايا حريقة حضورهن الذي أغنى العرض.

ولا تكتمل اللوحة وتزداد ألوانها بهاء إلا بلمسات غادة إسماعيل كمخرج مساعد- مصمم الديكور: ماهر علاء الدين- تصميم وتنفيذ الأزياء: هيام سلمان- تصميم وتنفيذ الملصق والإعلان: مجد يونس أحمد – تصميم وتدريب الرقصات: غيداء محمد- تصميم وتنفيذ الإضاءة: جميل شانا- تصميم وتنفيذ المكياج: نور شيخ خميس- تنفيذ الديكور: مالك يوسف- إدارة منصة: إشراق صقر- صوت: رامي قواص- لوازم وإكسسوار: غيث إبراهيم- تركيب إضاءة: ماجد حسان.

هؤلاء مجتمعون نسجوا على مدى 45 دقيقة طوقاً من ياسمين الحب، ومن أرواحهم تسلل ضوء يخيطون به للحياة ثوب الأمل.