صحيفة البعثمحليات

“إدارة النقص لا الوفرة”؟!

لا شك أن العصف المطلبي الذي شهدته جلسات مجلس الشعب، خلال مناقشة البيان الوزاري، ترك انطباعاً إيجابياً في الشارع السوري الذي تنفّس من خلاله الأمل والتفاؤل، واستبشر خيراً بكل مداخلة احتضنت مطالبه وانصاعت لرغباته في التغيير، ولكن رغم هذه الحالة الإيجابية إلا أن ما دار لم يروِ عطش الناس، فقد انغمس الخطاب البرلماني بالتشخيص والاستعراض والإنشاء، واستثمار متناقضات البيان الوزاري كعامل جذب، دون تقديم الحلول التي بقيت بعيدة المنال وغائبة تماماً، وبشكل يُرجع النقاشات إلى المربع الأول، وبما يتطابق مع “نسمع جعجعة ولا نرى طحناً”!

والعلّة نفسها كانت في الرؤية الحكومية التي اتخذت من شعار “النقص لا الوفرة” مبرراً لما يحدث من أزمات، متناسية أن سياستها سواء الحالية أو السابقة من بين أسباب الوصول إلى هذه المرحلة الحرجة. والغريب أنها أيضاً غرقت في التشخيص وإطلاق الوعود بالإفراج قريباً عن الحلول التي ليست متوفرة الآن، وسيكون بعضها في الموازنة القادمة، أي ترحيل جديد وابتعاد ميداني مزعج عن جبهات الانفراجات الموعودة، كما يسميها السادة الوزراء والكادر الاستشاري الذي نراه ضائعاً بين محاولاته لتقديم الأعذار المشفوعة بالظروف الاستثنائية، وبين جهوده للترويج وتسويق البيان الوزاري، تاركاً مهمّته الأساسية في تقديم الحلول ووضع الخطوات التنفيذية الإنقاذية للمجهول، أو كما يقال “ترك الحبل على الغارب”!

وبالعودة إلى الواقع، نجد أن “كومة” المشكلات الموجودة في حياة الناس يمكن التخفيف منها بعدة اتجاهات ومسارات، وتحديداً في الحالة المعيشية التي تشكّل الهمّ الأكبر والمشترك بين الحكومة والمواطن. وعلى سبيل المثال، الكتلة النقدية الموجودة في المصارف تستطيع تحريك سوق العمل بقوة في حال استُثمرت بشكل صحيح، وتمّ منحها لمشاريع إنتاجية ومن ضمنها الشركات العامة التي تتقدم بمشروع متكامل على نطاق ورشات صناعية إنتاجية منافسة في الأسواق، وحسب متطلبات السوق وبرأسمال بسيط، مع الانتباه لتوفر اليد العاملة والمنشآت.

وإلى جانب ذلك، هناك خطوات أخرى على صعيد الزراعة عبر المشاريع التعاونية، بحيث يتمّ إمداد الفلاحين مباشرة بكل مستلزمات الإنتاج وتقاسم المحصول مناصفة وفق آليات الضمان وغيرها، وطبعاً هذه الأفكار تندرج ضمن قائمة الحلول التي يمكن تنفيذها عبر الأذرع التدخلية المؤسساتية، وهي ممكنة في حال بقيت بعيدة عن الفكر الانتهازي الوصولي وتمّت حمايتها بالمساءلة والمحاسبة الحقيقية.

بالمختصر.. الاتكال على نهج “إدارة النقص لا الوفرة” يعني السقوط في نفق العجز والدوران في حلقات التبرير والأعذار، وسيكون له تداعيات كبيرة في الحياة العامة التي أثقلت الأعباءُ تفاؤلها، وأضعفت التحديات تماسكها الاجتماعي والاقتصادي، ودخلت مرحلة الخطر الذي يهدّد روابط الانتماء التي دُفعتْ لأجل تخريبها ملايين الدولارات القادمة من وراء البحار.. فهل تستيقظ المؤسسات الوزارية من سباتها وترتقي بأدائها إلى مستوى الواقع، أم تدق المسمار الأخير في نعش…؟!

بشير فرزان