دراساتصحيفة البعث

الانفصال عن الصين حلم بعيد المنال

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد 

الولايات المتحدة سواء في ظل إدارة ترامب أو بايدن تعني الولايات الخمسين، ولا تعني واشنطن، وكون العديد من هذه الولايات اتخذت مواقف مختلفة بشأن المبادرات الفيدرالية ومجتمعات الأعمال والمستهلكين، يمكن القول إنه لا يمكن لهذه المجموعة بأكملها الانفصال تماماً عن الصين، وأن الاقتراب من الانفصال سيضرّ بالولايات المتحدة أكثر من الصين.

لقد هدّد ترامب بمعاقبة الشركات الأمريكية التي تخلق فرص عمل في الخارج بشكل عام، ومنع الشركات التي تمارس أنشطة تجارية في الصين من الفوز بالعقود الفيدرالية، فأين ستكون صناعة السيارات الأمريكية من دون السوق الصينية المتنامية في العقد الماضي؟ وماذا عن الشركات الأجنبية التي تستثمر وتخلق فرص عمل في الولايات المتحدة؟.

على افتراض أن هذه الشركات ستكون موضع ترحيب، هل ستنتقم من القيود الأمريكية؟. وعلى افتراض أنها الداعم الرئيسي للديمقراطية في العالم ولا يجوز إخبار المؤسسات الخاصة أين يمكنها الاستثمار، وخاصةً إذا كان ذلك يعزّز الأرباح ويخلق وظائف جديدة في الولايات المتحدة أيضاً. وفي هذا الصدد يقول ترامب: “سنجعل أمريكا قوة تصنيع عظمى في العالم وسننهي اعتمادنا على الصين مرة واحدة وإلى الأبد”!.

قد يقول معظم الاقتصاديين: إن العالم يعتمد على الصين منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وأنها ساهمت بما يصل إلى نصف النمو الاقتصادي العالمي، ومنذ ذلك الحين والصين هي الاقتصاد الرئيسي الوحيد المتوقع لتحقيق نمو اقتصادي إيجابي. على النقيض من ذلك فإن سوء تعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة الحالية جعل العديد من الدول الغربية والمواطنين الأمريكيين قلقين إذا كان بإمكانهم الاعتماد على أمريكا.

وهناك رواية خاطئة من واشنطن مفادها أن الانفصال عن الصين سيعيد دعم الوظائف الأمريكية، لكن الولايات المتحدة ابتعدت بشكل مطرد عن التصنيع الذي كان يمثل 11.39 في المائة في عام 2019 وذلك فقط من إجمالي الإنتاج ويعمل فقط 8.51 في المائة من القوة العاملة وفقاً للبيانات الرسمية.

في الواقع كانت الأتمتة في التصنيع هي الاتجاه السائد، ومن المرجّح أن يتمّ استبدال المزيد من الوظائف بالروبوتات في المستقبل والصناعات الخدمية والزراعة هي التي توفر الوظائف، ويتطلع المزارعون الأمريكيون إلى تصدير المزيد إلى الصين، ولكن بمجرد أن يصبح كوفيد 19 تحت السيطرة هل يمكن لأمريكا أن تتجاهل أهمية السياح الصينيين ورجال الأعمال والطلاب الدوليين في قطاعات الخدمات؟ وماذا عن الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة وشراء الصين لديون الحكومة الأمريكية؟.

لم تعد الصين نفسها تسعى لجذب الشركات الأجنبية لتوفير وظائف منخفضة الأجر أثناء تصدير الأرباح، وبدلاً من ذلك تسعى إلى الارتقاء إلى أعلى في سلسلة القيمة، وتبحث الشركات متعدّدة الجنسيات الأمريكية بالفعل في إمكانيات أخرى للاستعانة بمصادر خارجية والاستثمار في الإنتاج في الاقتصادات ذات الأجور المنخفضة في آسيا -وهو اختصار تحت مسمّى CLIVE – كمبوديا ولاوس وإندونيسيا وفيتنام وما إلى ذلك. صحيح أن نشر إنتاج منخفض التكلفة حول آسيا سيحدث إلى حدّ ما، لكن هذا لن يجعل الولايات المتحدة القوة التصنيعية العظمى التي تتمتّع بوظائف أمريكية.

ومع ذلك لا يزال هناك جذب قوي إلى الصين بالنسبة للشركات متعدّدة الجنسيات الأمريكية، لأن الصين على عكس الخيارات الآسيوية الأخرى تمتلك سوق الاستهلاك المحلي الكبير المزدهر والمتوسّع الذي يمنح الشركات الأمريكية متعدّدة الجنسيات مزايا كبيرة، وقلة من الشركات تستطيع أن تنفصل عن ذلك. ولحسن الحظ بالنسبة للتوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة فإن القليل منها تنوي ذلك، فقد أظهر تقرير اقتصادي أنه على الرغم من ارتفاع التوترات بين الولايات المتحدة والصين وتباطؤ الاقتصاد، ظلت الشركات الأمريكية في الصين مربحة.

تعلم الشركات متعدّدة الجنسيات في الولايات المتحدة أنها لا تستطيع تحمّل الانفصال عن الصين، وستستمر سلاسل التوريد المتكاملة متعدّدة الجنسيات كونها سمة من سمات الاقتصاد العالمي، لأنها تنشر الفرص الاقتصادية وتزيد من الكفاءة، ويمكن للفيروس أن يوقف الإنتاج المحلي مؤقتاً في أي مكان في العالم ويحدث اضطراباً، لكن الصين أظهرت أن لديها القدرة على إعادة تشغيل الإمداد بشكل أفضل من أي مصدر آخر. كما أن المستهلكين الأمريكيين لا يستطيعون تحمّل تكاليف الفصل إذا كانوا يريدون منتجات مبتكرة  من العناصر ذات القيمة الجيدة إلى أحدث أجهزة آيفون، والمستهلك الأمريكي هو الذي سيتحمّل العبء الأكبر من الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات الصينية، لأن الطلب غير مرن مع وجود بدائل قليلة في نطاقات الأسعار، لذلك فإن الانفصال عن الصين مفهوم سياسي وليس مجرد احتمال اقتصادي.