ثقافةصحيفة البعث

“لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم”.. تعلم كيف تتجنب الأذى

يخبرنا كتاب “لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم” لكاتبه ديوك روبنسون عن أشياء يفعلها الناس اللطفاء بنيّة حسنة وبطريقة معتادة لديهم، ولكنها تؤثر بطريقة عكسية على علاقاتهم وتنتزع البهجة من حياتهم، ويوماً بعد يوم قد تعترض سلوكياتهم اللطيفة طريقهم وتسرق وقتاً وطاقة ثمينة من أكثر المساعي أهمية لديهم، لذا يدعونا الكاتب إلى ضرورة معرفة هذه السلوكيات “اللطيفة”؟ من أين تأتي ولماذا نسلك هذا المسلك وماذا سيكلفنا التوقّف عن إفساد نوايانا الحسنة والتصرّف بطريقة مختلفة؟ ويلخص روبنسون الأخطاء التسعة التي يغفل عنها الناس اللطفاء ويفعلونها يومياً، ويبيّن لنا كيف نصلح هذه الأخطاء ونتجنّب الضغط الذي لا داعي له في الأمور الحياتية.

يلقي الكاتب الضوء في البداية على صفة اللطافة نفسها، حيث يجب علينا أن نعترف بأنه ليس كل شيء سيئاً في كوننا لطفاء، فهذا يعني أننا حسّاسون لاحتياجات الأسرة والأصدقاء، ومن يراعي مشاعر الآخرين يكون في صحة جيدة وسعادة أكبر من الأناني، ومن جانب آخر تحمينا اللطافة من النقد والإحراج والرفض ومراعاة شعور الآخرين، وتمهّد الطريق لابتكار مجتمع أكثر إنسانية وتحضّراً وحيوية، وهذا كلّه يجعلنا نعجب بـ”اللطف”، ولكن مشكلته أنه أحياناً له نتائج سلبية تكلّفنا أكثر مما نعتقد. ولا يفرّق الكاتب بين وقوع النساء والرجال في هذه النتائج السلبية، فمع أن كلا الجنسين يتعامل مع المواقف الاجتماعية بطريقة مختلفة ومن منظور مختلف، ومع أن النساء يعانين ضغوطاً اجتماعية أكثر من الرجال كي يكنّ لطيفات، ومعظم الناس يعتقدون أن الرجال لا يملكون صفة اللطف بنفس درجة النساء، ولكن سواء كنت رجلاً لطيفاً أو امرأة لطيفة فمن المحتمل أن تكرّر الوقوع في هذه “الأخطاء التسعة” التي يخبرنا الكاتب أنها ذات نتائج عكسية، وهي جديرة باهتمامنا لأننا بقليل من التفكير والجهد نستطيع التوقّف عن فعلها، مشيراً إلى هذه السلوكيات بوصفها أخطاء ليست خطيرة أو مؤثّرة أو غامضة بنفس درجة المخاوف المرضية أو اضطرابات الشخصية، ولذا هو لا يقدّم علاجاً نفسياً أو حلولاً سريعة لصراعات داخلية معقدة، بل يكتفي بدراسة الأبعاد النفسية لهذه السلوكيات ويشرح هذه الأخطاء، حيث إن الخطأين الأولين هما محاولة أن نكون كاملين ونتحمّل ما لا نطيق، وهما مرتبطان ببعضهما ويؤديان بنا إلى الإنهاك ويثقلان كاهلنا، وهما من بين أصعب الأخطاء التسعة التي يجب تجنّبها، كما أن الحاجة الداخلية التي تدفعنا لهما تؤدي إلى ارتكاب الأخطاء السبعة الباقية، وإذا ما استطعنا التوقّف عن فعل هذين الخطأين فسيكون لدينا طاقة أكبر للتعامل مع الأخطاء الأخرى.

والأربعة أخطاء التالية هي عدم  قول ما نريد، وكبت غضبنا، والتعقّل أمام عدم تعقّل غيرنا، والتكلّم بالأكاذيب الصغيرة، وهذه الأخطاء تكلّفنا الشيء الكثير من سلامة أنفسنا، حيث نفقد الاتصال مع جوانبنا العاطفية، لأنه عندما تتعارض مشاعرنا مع صفة اللطف لدينا نقوم بكبت هذه المشاعر، متجاهلين مشاعرنا الحقيقية ومستنكرين لها.

والأخطاء الثلاثة الأخيرة هي إسداء النصح للغير وإنقاذ الآخرين وحماية المحزونين، وهذه الأخطاء تعمل على إفساد مصالح من نهتمّ بمساعدتهم وغالباً ما تجعل مشكلاتهم أسوأ مما هي عليه، لأن هذه السلوكيات لا تخلو من محاولات لاشعورية للتحكّم بالآخرين بينما نبدو ظاهرياً طيبين. ويجب القول: إن الانهماك في هذه السلوكيات يشعرنا بالبهجة، فهي تبدو طبيعية ولكننا غالباً لا ندرك توابعها الفظيعة التي في الواقع نحن مسؤولون عنها، ولكن عادة لا يكون لدينا الوقت للتفكير في كيفية التوقّف عن تكرارها، ومع ذلك ففي أعماق أنفسنا بعيداً في اللاشعور يوجد خوف من أننا إذا توقّفنا عن التصرف بهذه الطرق قد لا نصبح لطفاء!.

في الواقع يمكن القول: إن السلوك المنطوي على نيّة حسنة ضروري للمجتمع المتراحم ولكن له جانب سلبي، فكون الشخص لطيفاً غالباً يعني أن يتحمّل الكثير جداً وأحياناً يكذب، ويحاول جاهداً ودائماً الاقتراب من الكمال ويقع ضحية لسلوكيات أخرى ضارة بالنفس والسلامة، لذا يدعو الكاتب إلى إتقان السلوكيات البديلة ويعلمك كيفية قول لا وإنقاذ نفسك من الأسى، وإخبار الآخرين بما تريد والحصول عليه فعلاً، والتعبير عن الغضب بطرق هادئة تصون العلاقات القيمة، والاستجابة بصورة فعّالة عندما ينتقدنا الآخرون أو يهاجمونا بتهور، وعند تطبيق هذه السلوكيات ستصبح معيشتك بهذه الطرق المكملة والصحيحة أكثر طبيعية، وستصبح الحياة أكثر إرضاء وستظل خلال ذلك كلّه شخصاً لطيفاً.

باختصار.. رسالة هذا الكتاب موجهّة لمن يحاول جاهداً أن يحيا حياة طيبة ويؤدي رسالة سامية وأمينة، وهو سيزوّدك بكل ما تحتاجه لتحقّق ما تريد وما تستحق في هذه الحياة وفي الوقت نفسه تبقى شخصاً لطيفاً.

لوردا فوزي