الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

نوافذ 67

عبد الكريم الناعم

حين لا تجد وقتاً إلاّ للتشكّي، والانتقاد المرّ، مع الكثير من غياب بصيص الأمل بتغيير قريب فذلك يعني أنّك قد وصلتَ إلى مرحلة خطيرة من البلاء، هذا مع أنّك قد تجد في بيتك ما تطبخه ممّا يسدّ الرمق، لا ممّا يرمّم شهوة، بينما أنت تعرف لمس اليد والعين والأذن والفكر أنّ ثمّة أناساً لا يجدون قوت يومهم، هذه الجملة الأخيرة استدعت من الذاكرة كلمة لإمام البلاغة عليّ ع جاء فيها: “اضربْ بطرْفك حيثُ شئتَ من النّاس، فهل تُبصرُ إلاّ فقيراً يزدادُ فقراً، أو غنيّاً بدّل نعمةَ الله كُفْراً”، هذا الكلام قيل قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة.

****

حيّ يقع بين عدد من الأحياء، في الجهة الجنوبيّة منه سوق لبيع الخضار، وفي الجهة الشماليّة سوق آخر، الأسعار في السوق الجنوبي فيها زيادة في كلّ كيلو غرام خضرة ما لا يقلّ عن مئتي ليرة، المدينة واحدة، وتوريداتها واحدة، وتخضع لنظام واحد، فما الذي جعل هذا أغلى من ذاك؟!

نحّى مسألة الرقابة جانباً فهي موجودة في الإعلام أحياناً، وفي مواقع بعض الدوائر المختصّة، والتي أصبحت رقابتها أن يأتي مندوبوها فيأخذوا المعلوم ويتوكّلوا على موات الضمير.. تأمّل في الأسباب فلم يجد أنّ الفارق أخلاقيّا فقط، بل ثمّة فارق خفيّ، هو أنّ السوق الشماليّ، جميع الحرف فيه متوارَثة، ولذا فقد ورث الأبناء بعض أخلاق مَن سبقهم، بينما السوق الجنوبيّ يشغله أناس ما كان لآبائهم مغزّ إبرة فيما يعمل أبناؤهم، فهم أبناء اللحظة، أبناء السائد، أبناء: “المهمّ الربح”، ولو على حساب جوع الكثيرين، وتذمّر الأكثر، بعيداً عن أيّ رقابة ذاتيّة أو حكوميّة.

****

لم يعد للوقفة معنى.. الوقفة التي يكون فيها شيء من مراجعة الذات، فالوقت مشغول بكامله باللهاث وراء حاجيات أصبحنا نشعر أنّها تنبع من مكان ما، متلاحقة حتى لكأنّ لها عندنا ثأراً لا نعرفه، أتساءل بحرقة: “هل هناك مَن يضع حلولاً لهذا الدّاهم اليومي الذي أصبح كابوساً خانقاً، وإذا كان ثمّة حلول فأين هي لأنّ الأمور معلّقة بارتساماتها على أرض الواقع، بحيث نلمس ذلك بحواسنا الخمس، إذ لم نعد نثق بحاسة واحدة؟!

إنّ قساوة الواقع غطّت على جميع ما كان قبل اندلاع الحريق، بل صرنا نتساءل فيما إذا كنّا قد مررنا بتلك الفترة التي عشناها، وعمق الآلام ينحّي بعيدا من الذاكرة تلك الأزمنة، لأنّها في صيغة “كان”، ونحن بحاجة لما “يكون”.

إنّ الحلول بيد المؤسّسات المعنيّة على اختلاف عائديّاتها، لا بيد متحمّس فاضل هنا، ولا بيد جمعيّة خيريّة هناك، على ما في ذلك من نُبل، وتضحية بالمال والوقت، ولكنّ هذا وأمثاله لا يبدّل واقعاً، وإن كان يقدّم مواساة بقدر ذلك الجهد.

ليس عادلا، ولا مُقنِعاً أن نظلّ نتلطّى وراء أنّ سوريّة مهدّدة، وبعض أراضيها محتلّة، هذا صحيح، وتحرير تلك الأرض واجب وطني مقدّس، بيد أنّ تأجيل كلّ شيء لما بعد التحرير يعني أنّنا نُراكم الخراب فوق الخراب، عن قصد أو بجهل، لابدّ من أن نجعل من تأسيس البناء واجبا يوميّاً نرى ونلمس بعض منجزاته، وثمّة الكثير لمن يريد أن يرى أنّ مهمّته ليس التنعّم بمكاسب المنصب، بل فيما يقدّمه لشرائح هذا المجتمع الذي داهمه الفقر من جميع جهاته، ولم ينج إلاّ اللصوص، والسماسرة، وناهبي المال العام.

****

ليس خارج السياق الذي نحن فيه، في هبّة من هبّات أهلنا في الأرض المحتلة، في الوقت الذي يتهافت فيه شيوخ النّفط والعفْط على تقبيل يد الأزعر الأمريكي، وطمأنة نتينياهو على أنّهم جاهزون لكلّ ما تريده “تل أبيب”، وأنّهم مطبِّعون مطيعون.. في هذا الوقت شاهدت لافتة مرفوعة في الأرض المحتلّة تتصدّر المحتجين وقد كُتب عليها: “فلسطين تحرّرها الخلافة”! يا إلهي أليس في هذا الشعار رائحة أردوغانية، زمّيتة، هي خارج الزمان والمكان؟! خافوا الله فينا يا أصحاب الأيديولوجيّة الظلاميّة.

aaalnaem@gmail.com