مجلة البعث الأسبوعية

سورية في الانتخابات الأمريكية.. ساحة رصد عن كثب!

“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف

حتى الآن، من الواضح أن الولايات المتحدة ليست “خارج سورية”، كما يصرح ترامب، لأن هناك المزيد من القوات، والجيش الأمريكي يقوم بـ “حماية” سرقات النفط من الحقول السورية، بل تعدى ذلك للتصادم مع روسيا. هذا التخفي – الولايات المتحدة خارج سورية – دفع نائب الرئيس السابق، بايدن، إلى توبيخ ترامب خلال تجمع انتخابي في 31 آب الماضي، بالقول: “هل سمعت الرئيس يقول كلمة واحدة؟ هل رفع إصبعاً واحداً”؟ يمكن أن تشير مثل هذه السجالات بين المتنافسين إلى أن سورية يمكن أن تلعب دوراً ما في الانتخابات الرئاسية 2020، خاصةً أن الجدل لا يزال حول من هو الزعيم الذي سيخرج الولايات المتحدة من الحروب الخارجية، وليس من يطيل أمدها.

إذن، يمكن أن يوفر الموضوع السوري مادة مهمة لكلا الرجلين في حملتيهما، فقد تناول تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، في 4 أيلول الجاري، السياسة الواجب على المرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية إتباعها حيال سورية، في حال وصوله إلى سدة الحكم. وذكر التقرير أن الفائز بالانتخابات سيرث مسؤولية إصلاح نهج الولايات المتحدة الذي فشل “فشلاً ذريعاً” تجاه سورية، منذ إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما.

منذ بداية الحرب على سورية، ظل أوباما يردد في أكثر من مناسبة أنه لا يعتزم إرسال جنود أمريكيين إلى سورية. لكن بحلول تشرين الأول 2015، نشرت الولايات المتحدة أول دفعة من جنود القوات الخاصة الأمريكية، بواقع خمسين جندياً، في سورية، في دور “استشاري غير قتالي”، كأول “تواجد” عسكري أمريكي على الأرض منذ بدء الحرب على سورية، وتشكيل ما يسمى “التحالف الدولي”، في آب 2014، بعد أحداث الموصل.

استمرت الولايات المتحدة بتعزيز احتلالها العسكري للأراضي السورية بشكل متواصل، ليبلغ تعداد حنودها نحو 500 جندي في نهاية العام 2016، وبمهام متعددة، بعد استقدام 200 جندي كقوات إضافية، بينهم مدربون من القوات الخاصة ومستشارون وفرق تفكيك متفجرات ومقاتلون في القوات الخاصة.

 

انتشار قوات الاحتلال الأمريكي

يتركز وجود قوات الاحتلال الأمريكي وقوات ما يسمى “التحالف الدولي”، والميليشيات الإرهابية المسلحة العاملة بأمرتها، في منطقة المثلث السوري الأردني العراقي، في منطقة معبر التنف الحدودي، على مقربة من انتشار قوات الجيش العربي السوري والقوات الرديفة. وينطوي معبر التنف على أهمية كبيرة لجميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالحرب. وقد وسعت القوات الأمريكية انتشارها في المنطقة لبناء قاعدة عسكرية جديدة للميليشيات في منطقة “الزاكف”، على بعد حوالي 120 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي باتجاه مدينة البوكمال، في محافظة دير الزور.

بدأت الولايات المتحدة تقديم الدعم للميليشيات الانفصالية في منطقة الجزيرة السورية منذ تشرين الأول 2014، بعد تشكيل “التحالف الدولي” في آب، من نفس العام. وارتفع عديد قوات الاحتلال الأمريكي إلى 904 في آذار 2017، ينتشر أغلبهم في المنطقة الممتدة من “المبروكة” شمال غربي الحسكة إلى التايهة جنوب شرقي منبج، التي يقدر عدد القوات التي تمّ نشرها بالقرب منها بنحو 400 جندي، بالاتفاق مع الاحتلال التركي.

تتخذ القوات الأمريكية مراكزاً لتواجدها بشكل دائم أو مؤقت في مناطق مختلفة من سورية غالبيتها ضمن مناطق خاضعة لسيطرة الميليشيات الكردية بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا، ولم تصرح الولايات المتحدة بمواقع انتشار جنودها إلا في حالات نادرة، ودون الإفصاح عن طبيعة مثل هذا الانتشار.

 

الاحتكاك الروسي- الأمريكي

في ظل التجاور الروسي الأمريكي في الجزيرة السورية، واستمرار المشهد الكلاسيكي بين الدوريات الأمريكية والروسية، ستكون سورية من أهم القضايا تأثيراً على الانتخابات الأمريكية. المشهد كلاسيكي وليس جديداً، لكن التوقيت بحذ ذاته يحمل رسائل متتالية، فظهور دوريات عسكرية روسية أمريكية في مطاردة على الخطوط المشتركة قد يتطور إلى مستويات أكبر في مرحلة لاحقة، أي أن الاحتكاك بين الجانبين يحمل دلالات متقدمة على صراع خفي.

المناوشة التي حصلت مع قافلة روسية، وأدت إلى إصابة سبعة من أفراد الجيش الأمريكي بارتجاج في المخ، لم تكن متوقعة في المنطقة. ومن الواضح أن المشاجرة دفعت وزارة الدفاع الأمريكية إلى استقدام تعزيزات بمئات الجنود الأمريكيين الذين لا يزالون في سورية.

وأمام مثل هذه الأحداث الساخنة مع اقتراب موعد الانتخابات، ستواجه أمريكا الكثير من التوترات، لكن مثل هذه القضايا قد تكون ورقة رابحة لكلا المرشحين، رغم أنها على الأرجح ستكون ورقة ديمقراطية ضد الرئيس ترامب، ما يعني أن سورية ستكون ساحة رصد عن كثب في الفترة القادمة لما لها من أهمية على مستوى العلاقات التنافسية الروسية الأمريكية.

 

موقف ترامب

مع تسلمه إدارة البيت الأبيض، أوعز ترامب للبنتاغون، في 27 كانون الأول 2016، بإعداد ما وصفه بخطة أكثر هجومية لمحاربة “داعش” في سورية، وتقديمها خلال شهر، وخطة أخرى حول “مناطق آمنة”، في غضون 3 أشهر، وذلك في توافق تام مع ما كان سبق وأعلنه خلال حملته الانتخابية، والتي أكد خلالها امتلاكه “خطة سرية” لمواجهة “داعش”. قدم البنتاغون خطته متضمنة حزمة من الإجراءات العسكرية والدبلوماسية والمالية مع إعطاء القادة العسكريين صلاحيات أوسع لتسريع عملية اتخاذ القرارات. دخلت القوات الأمريكية بشكل مباشر في ساحة الصراع عندما نشرت جنوداً في منطقة منبج إلى جانب ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية” لـ “ردع أي تحركات للقوات الروسية”.

ركزت الإستراتيجية العسكرية الأمريكية حتى مع الزيادات المتواصلة في أعداد جنودها من القوات الخاصة والمدربين والمستشارين على تقديم الدعم اللوجستي للقوات المرتزقة، سواء الميليشيات الانفصالية أو المجموعات الإرهابية، من خلال إمدادات عسكرية ومعلومات استخباراتية وقصف مدفعي أو إسناد جوي من طائرات التحالف الغربي.

 

مواقف بايدن

في المقابل، كانت تعليقات بايدن العلنية حول سورية نادرة، لكنه أشار إلى نيته إبقاء وجود “صغير” للقوات الأمريكية في سورية، في حال انتخابه. وأكثر من ذلك تشير حملة بايدن إلى أن إدارته ستعيد الانخراط في سورية دبلوماسياً، وستزيد الضغط على سورية، وتمنع الدعم الأمريكي لإعادة إعمار سورية. وفي هذا الصدد، يصف مستشار السياسة الخارجية لبايدن، توني بلينكين، “قانون قيصر” بالأداة المهمة للغاية!

يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، فيليب جي كراولي، إن الوضع الراهن في سورية يعد كارثة صنعها الرئيس الأمريكي ترامب، وهي كارثة قد تؤدي إلى خسارته الانتخابات الرئاسية. وسورية لن تقدم بالتأكيد مادة لعزل ترامب ضمن ملف “الجرائم والمخالفات” التي ارتكبها، ولكن الكارثة الإستراتيجية التي تتفاعل نتائجها الآن هي استسلامه لمطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي قد تعني نهاية رئاسة ترامب.